الصين تمنع الحرب العالمية الثالثة

منذ 1 سنة 300

الحرب المندلعة في قلب أوروبا منذ أشهر كئيبة وقاسية، ومع أنها تعيد الذكريات المريرة للحروب العالمية في القرن الماضي وهناك من يقول إنها ستجر العالم إلى حرب عالمية ثالثة، إلا أن هذه الاستنتاجات المذعورة مبالغ فيها لدوافع خوف حقيقية من تكرار مآسي الماضي أو لأسباب سياسية. لقد قرأنا وسمعنا تكهنات بأننا على حافة الكارثة، ولكن ذلك لن يحدث لأسباب عملية. في الواقع أن ما يمنع اندلاع هكذا حرب هو دولة واحدة اسمها الصين.
إن اندلاع حرب على مستوى عالمي لا يمكن أن يحدث إلا حين تقرر قوة عسكرية هائلة من الصعب ردعها، أن تغزو العالم بقواتها، كما فعل النازيون في الحرب العالمية الثانية ولم يتعرضوا للهزيمة إلا بقوة أكبر أو تحالف قوى أنهت المغامرة. كنا نخشى في السابق أن تكون روسيا هي هذه الدولة التي تغزو أوروبا وتقدح الشرارات الأولى وتعيد كوابيس الماضي، ولكنها أثبتت عجزها التام حتى عن المحافظة على الأراضي التي ضمتها. ورغم أن الدعم الغربي بالسلاح لكييف لم يتوقف، فإن القوات الروسية أثبتت من البداية غياب الكفاءة وتراجع المعنويات في حرب تتزايد حول شرعيتها الشكوك حتى داخل روسيا.
ومع كل هذا التخبط، فإن شبح الحرب العالمية الثالثة كان قائماً لو قررت بكين الانضمام إلى موسكو في حربها. إن التحالف الروسي - الصيني كان سيقود بلا شك إلى الجحيم. لنشكر الله أن القيادة الصينية تفكر أن تغزو العالم بالرقائق الإلكترونية وليس الدبابات. لقد أظهرت قدراً كبيراً من الحكمة والعقلانية وأنقذت العالم من مصير قاتم. لقد قال وزير الخارجية الصيني مؤخراً، مبدداً المخاوف التي أطلقها وزير الخارجية الروسي لافروف، من أننا نتجه لحرب عالمية جديدة، بأنه لا أحد يريد حرباً كونية جديدة.
لقد تعرض الصينيون للمخاتلة من قِبل طرفين؛ من ساسة غربيين تحركهم السياسة المحلية والرغبة في إعادة الانتخابات ممزوجة بالغطرسة، مثل نانسي بيلوسي التي زارت تايوان كعملية استفزازية لإحراج بكين ودفعها للتحالف أكثر مع روسيا وتصويرها كخطر أكبر يهدد العالم ويجب ردعها. أما الطرف الآخر، فهو الطرف الروسي، فقد حاول وزير خارجيتها لافروف جاهداً ومستخدماً قدرته الدبلوماسية والخطابية وقام بزيارات عديدة لبكين هدفها توسيع دائرة الحلفاء وإدخال بكين في مواجهة مع الغرب، إلا أنه لم يحقق أي شيء من تطلعاته. وفي قمة شنغهاي خرج منها الروس بوعود دبلوماسية تلاشت قيمتها مع مغادرة القادة بطائراتهم عائدين إلى ديارهم.
لماذا أجهزت الصين على السيناريوهات الداكنة بتحول العالم إلى ساحة حرب كونية جديدة؟ لماذا يتحدث دبلوماسيوها عن أهمية نزع فتيل الحرب وترسيخ السلام؟
الأسباب عملية وواضحة رغم محاولات موسكو إظهار أنها والصين في صف واحد من خلال المناورات العسكرية المشتركة واللقاءات بين الزعماء، إلا أن الواقع مختلف. حجم التجارة بين الصين وأوروبا وأميركا يبلغ 26 في المائة مقارنة بـ2 في المائة مع روسيا. لا تغامر بكين بهذه العلاقات التجارية، بل على العكس تطالب بشكل مستمر من الحكومات الغربية بإلغاء الضرائب على المنتجات الصينية. التقرب الصيني أكثر مع روسيا قد يعرّضها للعقوبات، وهذا يُفهَم من خطواتها المحسوبة في الأزمة الأوكرانية والتايوانية، ودخولها الأسواق الأميركية والأوروبية والاستفادة من التقنية الغربية أهم بالنسبة لها في الوقت الحالي من أي شيء آخر.
الصين قصة نجاح اقتصادية مذهلة ويتفوق الناتج المحلي الإجمالي لمقاطعة قوانغدونغ الغنية (1.8 تريليون دولار) على الناتج المحلي الإجمالي لروسيا (1.5 تريليون دولار)؛ ولهذا نفهم أن الصين تسعى للاستفادة من النظام العالمي الحالي الذي استثمرت فيه ولا تسعى لتغييره عن طريق دعم الحروب والنزاعات واحتلال الأراضي. وبالتالي، فإننا ورغم كل التنبؤات السوداوية لن نرى حرباً عالمية جديدة في السنوات القادمة إلا إذا قررت بكين العكس.