السفر أم الأهل؟

منذ 2 أسابيع 42

السفر أم الأهل؟


استشارات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/5/2024 ميلادي - 25/10/1445 هجري

الزيارات: 20


السؤال:

الملخص:

شابة تطمح إلى السفر لإكمال دراسة الماستر في الخارج، لكنها في الوقت نفسه لا تريد أن تترك والديها؛ لعظيم ما قدَّموه لها، وترى لزامًا عليها أن تردَّ جَميلهما؛ ومن ثَمَّ فهي في حيرة من أمرها، وتسأل: ما النصيحة؟

التفاصيل:

أنا شابة ذات طموح لا حدَّ له، طموحي أن أكمل دراسة الماستر بالخارج؛ لأطور نفسي، وقد جمعت الأموال اللازمة لذلك من عملي الخاص بعد معاناة، وفي الوقت نفسه لا أريد أن أترك أهلي – سيما أمي وأبي – فقد تعبوا من أجلي وفي سبيل دراستي، وأرى لزامًا عليَّ أن أردَّ جميلهم، فأنا في صراع بين هاتين الرغبتين؛ ودخلت في حالة من الاكتئاب، وأبكي باستمرار، أرجو توجيهكم ودعمكم، وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:

أولًا: يبدو واضحًا من رسالتكِ أنكِ موفَّقة لبر والديكِ؛ ولذا تخشين فقدان هذا البر إذا بعدتِ عنهما.

ثانيًا: ويبدو كذلك أنهما بحاجة ماسة لكِ ولقربكِ منهما ولخدمتهما، حتى لو كان عندهما غيركِ من الإخوة والأخوات؛ فالوالدان أحيانًا يرتاحون لأحد الأبناء أو البنات، ولقربه منهم، ولخدمته لهم أكثر من غيره.

ثالثًا: ولِما سبق ذكره، فلعلكِ تحتسبين الأجر فيهما بترك البعد عنهما، ومن ترك شيئًا لله، عوَّضه الله خيرًا منه.

رابعًا: ولكِ أسوة حسنة في التابعي الجليل أويس القرني الذي ترك شرف صحبة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب شدة بره لوالدته في اليمن، فأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث؛ قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن، من مُراد، ثم من قَرن، كان به بَرَصٌ فَبَرَأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بَرٌّ، لو أقسم على الله لأبرَّه، فإن استطعت أن يستغفر لكِ فافعل))؛ [رواه مسلم]، هذا الحديث يدل بوضوح على العاقبة الحميدة لبرِّ أويسٍ لوالدته، لدرجة الشهادة له باستجابة دعواته، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم طلب ممن سيدركه من الصحابة أن يطلبوا منه الدعاء لهم، مع أن الصحابي أفضل من التابعي!

خامسًا: والغالب أن مثلكِ إذا بعدت عن والديها ستشعر بقلق شديد واضطراب، ولن تهنأ لها الحياة، وقد يؤثر ذلك كله على مستوى التحصيل الدراسي.

سادسًا: ولِما سبق أرى أن تكثري من الاستخارة بتجرد كامل، وتفويض الأمر لله سبحانه تفويضًا كاملًا؛ لأنكِ بين أمرين؛ أمرٍ قد تحققين به طموحاتكِ العلمية، وأمرٍ قد يتعارض مع ذلك بشدة؛ وهو بركِ لوالديكِ.

سابعًا: ومن باب الفائدة أذكر لكِ أحوال المستخير المخلص؛ فهو بأحد الأمور الآتية:

1- أن يستخير ويرتاح ويُقدِم ويتحقق له مطلوبه، وهذه في الغالب خيرة له.

2- أن يستخير ويرتاح، ولكن يُمنع بسبب مانع ما، فيكون ارتياحه ابتلاء وامتحانًا، وعدم تيسر الأمر هو الخيرة له.

3- ألَّايرتاح ولا يقدم، وتكون هذه خيرة أيضًا.

ثامنًا: تذكري جيدًا قوله سبحانه: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، فأنتِ لا تدرين جزمًا ما يكون فيه الخير من الأمرين؛ التغرب لطلب العلم أم القرب من الوالدين؛ لأن الذي يعلم ذلك هو فقط الله وحده سبحانه.

حفظكِ الله، ودلكِ على أرشد أمركِ، وصلِّ اللهم على نبينا محمد.