ينتشر زواج الأقارب في المجتمع السعودي بنسبة تصل إلى 58 في المئة في عديد من المناطق، وهي واحدة من أعلى نسب زواج الأقارب في العالم. يتسبب زواج الأقارب في ارتفاع نسبة الأمراض الوراثية مما جعل البلاد الأولى عالمياً في هذا النوع من الأمراض، إذ لا تزال النسبة مرتفعة إلى وقت قريب، وذلك يعود إلى أسباب منها العادات والتقاليد وأخرى مرتبطة بدافع الحفاظ على ثروة العائلة وبقاء الميراث داخل إطار الأسرة.
الأولى في الأمراض الوراثية
في بحث بعنوان "زواج الأقارب والأمراض الوراثية" للباحثة هدى عبدالله الحسين من قسم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تذكر الباحثة أن السعودية تعد الأعلى في نسب زواج الأقارب في العالم، بواقع 58 في المئة، تليها الكويت خليجياً بنحو 40 في المئة وفلسطين 49 في المئة و38 في المئة في مصر، كما أن السعودية وجدت فيها نسبة الأمراض الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى الأبناء بصفة متنامية، وصلت إلى ما يقارب 57 في المئة التي تعد الكبرى في العالم.
تسبب زواج الأقارب بالسعودية في ارتفاع نسبة الإعاقة بحسب البحث، فطفل واحد في الأقل من 800 طفل سعودي يولد مصاباً بإعاقة ومرض نتيجة زواج الأقارب، وهي نسبة عالية جداً مقارنة بالدول العربية والأجنبية، ففي أميركا نسبة الإصابة بواقع حالة واحدة بين 4 آلاف حالة ولادة.
عوضاً عن سلسلة الأمراض التي تنتج من هذا النوع من الزوج قامت كثير من المجلات الطبية بنشر عدد كبير من الأبحاث والدراسات التي تختص في الأمراض الوراثية، والتي تركز على آراء أهم الأطباء المتخصصين في مجال زواج الأقارب، يقول أحدهم إن الخطورة تكمن في الأمراض الوراثية التي يحمل جيناتها الآباء، إذ إن الأمراض لا تظهر عليهما ولكن تورث بعد الزواج لكل من الأطفال والأحفاد، ومن أكثر الأمراض خطورة على سبيل المثال مرض الكبد "ويلسون" والتخلف العقلي، وفقر الدم الأبيض المتوسط وفقر الدم المنجلي والفشل الكلوي، إضافة إلى أمراض الحساسية والصرع وداء السكري والأمراض القلبية، التي تزداد في بعض العائلات وتتضاعف احتمالية توارثها إلى الأبناء من خلال زواج الأقارب.
بقاء الثروة أحد الدوافع
بحسب الملف التعريفي للمركز الوطني للمنشآت العائلية في السعودية التابع لهيئة السوق المالية فإنه في نهاية عام 2017 بحسب آخر تحديث من قبل المركز وصلت المنشآت العائلية العاملة في المملكة إلى 538 ألف منشأة عائلية وتمثل 63 في المئة من المنشآت العاملة في السعودية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشير أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود خالد عمر الرديعان إلى أن أحد الأسباب التي تدفع إلى الزواج بين الأقارب "رغبة الأطراف ببقاء الثروة سواء كانت أملاكاً عقارية ومساكن أو مزارع أو أموالاً ضمن دائرة العائلة الواحدة، وذلك في حالات الميراث عند وفاة كبار الأسرة أو أحد طرفي العلاقة الزوجية". ويتابع الرديعان "قد وقفنا على حالات عدة يموت فيها الزوج ومن ثم نجد الأخ يرتبط بأرملة أخيه وربما تحت ضغط الأسرة حفاظاً على أبناء المتوفى، وحفاظاً على أملاكه كذلك بحيث لا تنتقل هذه الأملاك إلى طرف ثالث في حال ارتبطت الأرملة بشخص آخر من خارج دائرة الأقارب".
ينوه أستاذ علم الاجتماع بأن الزواج من أرملة الأخ موجود في مجتمعنا ومقبول، علماً أن هذا النمط الزواجي يمارسه اليهود كذلك وغير موجود لدى المسيحيين. الحفاظ على الثروة من التفتت هو دافع قوي للزواج من دائرة الأقارب، ويشيع غالباً في المجتمعات الريفية والبدوية بعكس المجتمعات الحضرية التي يميل فيها الأفراد للارتباط من خارج الأقارب وهو النمط الزواجي (الاغترابي) الذي يعكس ضعف العلاقات القرابية وعدم إلزاميتها الشديدة في المدن والحواضر.
إيجابيات بحسب المنظور الاجتماعي
يشير الرديعان إلى الإيجابيات بحسب المنظور الاجتماعي، ومنها أنه يوفر على الطرفين الشاب والفتاة وأسرتيهما على وجه الخصوص عناء البحث عن شريك مناسب بعيد، "فمعرفة من نتزوج جيداً أمر في غاية الأهمية في مجتمعنا، لأن سمعة الطرف الذي نود الارتباط به وسلوكه وتاريخه الأسري وسمعة أسرته هي ضمن معايير الاختيار في مجتمعنا التي يقوم بها غالباً كبار الأسرتين لا الشباب ولا الفتيات الراغبون في الزواج".
الأسر المتقاربة بصلة الدم أو المصاهرة يعرف بعضهم بعضاً عادة بحكم التقارب المكاني والقربى، وهذا يوفر لهم فرص التقارب الفكري والاجتماعي ما داموا يتواصل بعضهم مع بعض ويتزاورون بصورة دائمة. يشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن الخبرات النسائية في هذا الجانب مهمة، فهن تعرف بعضهن بعضاً وهن من "يهندسن" عملية الاختيار عادة، بينما الرجال ينهون بقية الإجراءات كالملكة وعقد النكاح بناءً على ما قررته مسبقاً نساء الأسرتين.
سبب آخر يدفع إلى الزواج من الأقارب هو ضمان ديمومة العلاقة بين الطرفين، فارتباط شاب بابنة عمه على سبيل المثال يحد من وقوع الطلاق أو انفصال الطرفين بسبب ضغط الأسرتين وتدخلهما لضمان استمرار العلاقة الزوجية، كما أن الشاب قد يجد صعوبة كبيرة في تطليق ابنة عمه لما يترتب على ذلك من إحداث شرخ في العائلة أو الحمولة الكبيرة التي ينتمي لها الطرفان وهو ما يتحاشاه الجميع عادة.
سبب أخير يدفع إلى الزواج من الأقارب هو ضمان تكافؤ أطراف العلاقة سواء ما يتعلق بالأصل والفصل أو النسب، أو المكانة الاجتماعية والاقتصادية للطرفين، مما يساعد على نجاح الزواج وديمومته.