الزربية المغربية ليست مجرد قطعة نسيج جميلة تحيكها أنامل النساء إما للاستعمال المنزلي أو للبيع والرواج الاقتصادي، بل هي أيضاً لوحة فنية وإبداعية تقطر عذوبة ونعومة وبهاء بأشكالها وألوانها الباذخة المختلفة.
وتنقسم الزربية المغربية في المجمل إلى زربية حضرية تنسج في الغالب بالمدن والحواضر، مثل الزربية الرباطية والزربية الوجدية والزربية المراكشية والزربية الفاسية، وهناك زربية قروية وأخرى أمازيغية تبدعها أنامل السيدات القرويات والأمازيغيات بشكل يثير الإعجاب.
تازناخت
تنتسب عديد من الزرابي المغربية إلى المناطق الجغرافية التي تتم فيها حياكة هذه المنتجات التقليدية، وهكذا تشتهر زربية تازناخت التي تعود لمنطقة تازناخت الأمازيغية، والزربية الفاسية نسبة إلى مدينة فاسن والزربية الرباطية نسبة إلى العاصمة الرباط.
ولعل من أشهر الزرابي المغربية زربية تازناخت المعروفة بالزربية "الواوزكيطية"، التي تنسجها نساجات بلدة تازناخت التي تقع على بعد نحو 270 كيلومتراً شرق مدينة أغادير جنوب البلاد.
وتتميز زربة هذه المنطقة على وجه الخصوص بكثرة زخارفها ووفرة أشكالها وتناسق ألوانها المشكلة من الأحمر الطاغي، مع وجود حيز لألوان أخرى سيما الأزرق والأصفر، مما يحول الزربية إلى شبه لوحة تشكيلية فطرية.
تتميز زربة تازناخت بكثرة زخارفها ووفرة أشكالها وتناسق ألوانها (وكالة الأنباء المغربية)
تقول في هذا الصدد ميمونة غرافي، نساجة في إحدى تعاونيات الزرابي بتازناخت، إن زربية هذه المنطقة تعد إحدى أجود الزرابي في المغرب على الإطلاق، بالنظر إلى جودة المواد الأولية التي تشتغل بها النساجات، وخصوصاً الصوف.
وتشرح المتحدثة عينها بأن صوف الغنم أو الماعز يأتي به الرجال من جبل سيروا (قمة جبلية في سلسلة جبال الأطلس الصغير)، وهو عبارة عن ألياف صوفية طبيعية تعد الأفضل والأمتن والأجود من بين أنواع الصوف في البلاد.
وتكمل النساجة بأن الصوف الناعم هو أساس الزربية الجيدة، فالصوف الذي تسنج منه الزربية الواوزكيطية صوف طبيعي سهل الغزل، ويتجمع بشكل يسير لا يعقد مهمة النساجة، وهو ما يعطي في النهاية زربية تمتع العين وتبهج القلب.
وما يزيد من جمالية زربية تازناخت، تضيف المتحدثة، أن جميع المكونات التي تصنع بها هي مكونات طبيعية، فإضافة إلى الصوف تستخدم أعشاب طبيعية وملونات أيضاً موجودة في الطبيعة، مثل الحناء وغيره.
زرابي أمازيغية
إلى جانب زربية تازناخت تتألق النساء الأمازيغيات في حياكة زرابي لا تقل جودة وجمالاً وإبداعاً، من قبيل الزربية المرابطية المعروفة بالزربية الزيانية، التي تنحدر من منطقة الأطلس المتوسط، وتحديداً من مدينة مريرت.
تتألق النساء الأمازيغيات في حياكة الزربية المرابطية (وكالة الأنباء المغربية)
ويحضر اللون الأحمر أيضاً في الزربية الزيانية المميزة بأشكالها الهندسية التي ترسمها أيادي النساجات في حرفية وإتقان مبهرين، وهي زربية شهيرة وملتصقة بهذه المنطقة الجغرافية، إذ يسهل التعرف عليها باعتبار أنه لا ينسج مثلها في غير هذه المنطقة.
وأما الزربية الزمورية، وهي زربية أمازيغية أيضاً، فتنتسب إلى منطقة الخميسات تحديداً، ويسميها بعضهم الحنبل أو الصارية، وغيرها من المسميات التي تتوحد وتنصهر في بوتقة جمال الزربية الزمورية المستمدة من الطبيعة.
في السياق تقول حكيمة الزمورية نساجة من منطقة زمور إن "الزربية أو الحنبل الزموري زربية معروفة أكثر بقوة ومتانة نسيجها وطول أمد بقائها، وهي صالحة للاستعمال بفضل مكوناتها التي تجعل الزربية تصمد أمام عوامل الزمن".
وتكمل المتحدثة بأن الزربية الزمورية تعرف بشكل خاص بكثرة أشكالها الهندسية المرسومة بعناية من النساجات القرويات، مثل المربعات والمثلثات والأهرامات والدوائر التي تستغرق مساحة كبيرة في أرضية الزربية.
زرابي حضرية
وفي مقابل الزرابي الأمازيغية والقروية تحظى الزرابي الحضرية بدورها بنصيب وافر من الحضور وسط صناعة وحياكة الزرابي المغربية، ومن بينها وأشهرها الزربية الرباطية والزربية الفاسية والزربية المراكشية وغيرها.
وتشتهر حياكة الزربية الفاسية بطغيان اللون الأحمر هي أيضاً، وفخامة نسيجها ومكوناتها وشكلها البديع، الذي يقول متخصصون في الصناعات التقليدية إنها تستطيع مضاهاة الزربية الإيرانية في الأسواق العالمية لو أتيحت لها جميع شروط وظروف الترويج والتسويق.
تشتهر حياكة الزربية الفاسية بطغيان اللون الأحمر (وكالة الأنباء المغربية)
من جهتها تتسم الزربية المراكشية نسبة إلى مدينة مراكش جنوب البلاد بكونها تنسج من القطن أو قماش الحرير، تتوسطها أشكال ونقوش مزخرفة ضمن لوحة طافحة بالألوان الزاهية مثل الأحمر والأزرق والأصفر والبرتقالي بشكل منسجم يريح العين.
ويفتخر أهل مراكش بزربية مدينتهم التي تعد جزءاً لا يتجزأ من تراث وهوية وثقافة هذه المدينة، التي تضاف إلى ما تزخر به من تراث إنساني، مثل ساحة جامع الفنا الشهيرة وعدد من المآثر التراثية والتاريخية.
وأما الزربية الرباطية وفق مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي للرباط، فيعود ظهورها للقرن الـ18 في الأقل، وترتبط بالحياة الحضرية ومشوبة بتأثيرات شرقية، وذلك من خلال جوانبها المتعددة التي تؤطر أرضيتها المحددة بأربعة مثلثات أو ركنيات زخارفها ذات الأشكال النباتية.
ووفق المصدر ذاته تحتفظ هذه الزربية بكل أصالتها بفضل ذوق وخبرة ومهارات النساجات المغربيات، ويطغى عليها نقش الزخارف النباتية والهندسية التي تحمل الطابع المغربي التقليدي، إذ تبرز من خلال ألوان متناسقة ومتوازنة وخيوط الصوف الرفيعة الأفقية والعمودية والغرز المعقودة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إيقاعات الأهازيج
في كثير من مناطق المغرب تعمد النساء إلى تحويل حياكة ونسج الزرابي إلى أكثر من مهنة تدر عليهم بعض النقود، إلى إبداع نسائي فطري وعشق للألوان والأشكال المختلفة وترويض للصوف الطبيعي.
وتشتغل نساجات الزرابي الأمازيغيات على وجه الخصوص في أجواء حماسية تتسم بترديد الأهازيج المحلية والأغاني التراثية، إذ يتناوبن على هذه المهمة في ما يشبه "الكورال الجماعي"، بدءاً من خلخلة الصوف وغزله وصباغته إلى مرحلة النسيج النهائي.
وتورد في هذا الصدد بنت العيد رحمة، جمعوية أمازيغية من تازناخت، بأن ترديد تلك الأهازيج الشعبية تنطلق من مكنونات داخلية تتحدث غالباً عن مواضيع المرأة والأسرة والزواج والحب والحياة والصدق، ومواضيع أخرى تثير الشجن والحماسة في صدور وأنامل النساجات.
وأكملت المتحدثة بأنه لا يمكن للنساجة أن تظل ساعات طويلة كل يوم تنسج من دون أن تبدد الصمت بتبادل الأحاديث الجماعية التي تنتهي سريعاً، لتحل محلها الأهازيج التي تعد نوعاً من التسلية لهن أمام مشاق العمل الذي يتطلب الجهد والصبر.
ووفق المتكلمة هذه الطريقة في العمل عند حياكة ونسج الزرابي يهون على النساجات تعب أيام وأسابيع وأشهر طويلة لإخراج الزربية في حلتها الأخيرة، مبتلة بعرق جبين هؤلاء النسوة المكافحات، ومنتشية بأهازيجهن التراثية الشعبية الراقية.
غير أن هذا التعب الذي تبذله نساجات الزرابي لا يقابله غالباً تعويض مادي يقدر تلك الجهود والإبداعات، إذ يحصلن على مبالغ مالية زهيدة، بينما تعود العوائد المالية الكبيرة للتجار والوسطاء والشركات التي تبيع هذه المنتجات بأسعار غالية في الأسواق الداخلية والخارجية.