نجحت زراعة الزعفران في انتشال عديد من النساء القرويات في المغرب من حياة الفقر والهشاشة الاجتماعية والتنموية، إذ صرن بفضل مردود هذه الزراعة المعروفة بـ"الذهب الأحمر" أكثر استقلالية مالياً، وأكثر اندماجاً في المجتمعات المحلية.
وتحسنت حياة كثير من القرويات في الجنوب المغربي، خصوصاً في منطقة تالوين الشهيرة بلقب "عاصمة الزعفران الأحمر" بالمغرب، في وقت تسعى فيه الدولة إلى تطوير منتجات هذه النبتة التي تعد أحد أغلى البهارات في العالم.
الدورة الإنتاجية
تشتهر مناطق بعينها من دون سواها في المغرب بزراعة "الذهب الأحمر"، سيما منطقة تالوين بإقليم تارودانت في الجنوب، التي تعد من دون منازع منشأ الزعفران الحر منذ عقود خلت، كما توجد هذه الزراعة في منطقة إكنيون أيضاً بإقليم تنغير في الجنوب الشرقي للبلاد وفي منطقة إميلشيل وفي تازناخت الكبرى.
ويوضح عبدالمجيد أوقلي، فلاح محلي في منطقة تالوين، مراحل الدورة الزراعية الإنتاجية للزعفران في حقول المنطقة، "إن كل شيء يبدأ منذ شهر يوليو (تموز) أو شهر أغسطس (آب) من كل سنة، بالمرحلة الأولى المتمثلة في تشذيب الحقل من الأعشاب الزائدة والضارة.
ويقول إن هذه المرحلة ضرورية ومحورية يعرفها الفلاح والنساء العاملات في المجال، ولكن كثيرين يجهلون أن الإنتاج يبدأ في الحقيقة مبكراً جداً عبر مرحلة تنقية الحقول من الحشائش والأعشاب غير النافعة.
ويضيف عبدالمجيد أن "المرحلة الثانية الرئيسة في دورة إنتاج الزعفران تتجلى في جني زهرة الزعفران من طرف النساء خصوصاً "خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، وأن عملية الجني مرهقة وشاقة تتطلب كثيراً من الصبر والعمل الجاد المضني".
وتتجسد المرحلة الثالثة في تجفيف وريقات وبصيلات الزعفران الأحمر، ومن ثم تأتي مرحلة الفرز من طرف النساء العاملات في إطار تعاونيات زراعية، وفصل الأعواد الحمراء عن الزهرة البنفسجية لهذه المادة الحيوية، وأخيراً مرحلة التعليب وإخراج الزعفران في حلته التسويقية الأخيرة.
انتشال من الفاقة
تحتكر النساء القرويات الأمازيغيات عملية جني الزعفران بينما عملية الزرع يختص بها الرجال أكثر، إذ ارتبط إنتاج "الذهب الأحمر" في المغرب بأنامل السيدات العاملات في هذا المجال، وهو ما حول حياة كثيرات منهن إلى الأفضل مادياً واجتماعياً ونفسياً أيضاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا السياق تقول فاضمة تاكركوشت، رئيسة إحدى تعاونيات إنتاج الزعفران، إن الجني ارتبط أكثر بالنساء لسبب رئيس، كون المرأة القروية والأمازيغية تتمتع بصبر كبير هو من طبيعتها الشخصية، يجعلها تتحمل مشاق الجني والفرز الذي يتطلب ساعات عديدة من العمل.
وتابعت أن المرأة الجانية للزعفران، التي في الغالب تشتغل ضمن تعاونية زراعية، مطالبة بالنهوض قبل الفجر والذهاب إلى الحقل للجني قبل شروق الشمس، ومن ثم العمل في المساء لفرز وريقات الزعفران من الزهرة.
وأوضحت أن عديداً من القرويات كن عاطلات عن العمل، يقبعن في منازلهن في انتظار أن تأتيهم المؤونة والقفة المعيشية من الزوج، أو من الأخ أو الأب إذا كانت أرملة أو غير متزوجة، لكن انخراطهن في جني الزعفران جعلهن يعتمدن على أنفسهن أكثر فأكثر.
ورأت رئيسة إحدى تعاونيات إنتاج الزعفران أن النساء العاملات في جني "الذهب الأحمر" صارت لهن مداخيل مالية، وعلى رغم أنها ليست كبيرة لكنها تكفيهن في بعض الضروريات الحياتية، وأيضاً أصبحن منشغلات بمهنتهن هذه بدلاً من الجلوس في البيت من دون عمل.
وبفضل الدورة الاقتصادية التي أتاحتها زراعة الزعفران في مناطق المغربية مهمشة، فإن النساء المنخرطات في تعاونيات زراعية استطعن محاربة الفقر والعطالة والهشاشة الأسرية، وصارت لهن مكانة معتبرة داخل نسيج الأسرة.
حلقات مفقودة
هذه المداخيل المالية التي تكسبها النساء القرويات الأمازيغيات من جني الزعفران، على رغم كونها تمنحهن استقلالية مالية، وتعطيهن فرصة مكافحة الفقر والحاجة، لا ترقى إلى المستوى المنشود.
هذا المعطى يؤكده الباحث في الاقتصاد الاجتماعي محمد مجدولين بقوله إن إنتاج الزعفران في المغرب له وجوه اجتماعية واقتصادية عدة، فهو من ناحية أنقذ عديداً من النساء القرويات من الفقر والبطالة، ومنح لهن ثقة أكبر في أنفسهن بتحقيق مداخيل مالية رغم قلتها وعدم مداومتها.
ومن ناحية ثانية لا تستفيد النساء العاملات في حقيقة الأمر من الأرباح الحقيقية التي يوفرها الزعفران في الأسواق، بالنظر إلى أن سعره غال، إذ إن الغرام الواحد يتراوح بين 30 و40 دولاراً، ويصل إلى 100 دولار للأنواع الجيدة منه.
ويطرح كثيرون سؤالاً: من المستفيد الأكبر من تسويق الذهب الأحمر؟ يجيب مجدولين بأن الحلقات الأضعف في سلسلة إنتاج الزعفران وترويجه وتسويقه هما المرأة العاملة والفلاح أيضاً الذي يواجه كثيراً من الصعاب والتحديات في زراعة هذا المنتوج من دون أن يحصل على ما يعادلها من أرباح.
ويكمل "الرابح الأكبر من سلسلة توزيع وتسويق الزعفران هو ’السمسار‘، أي الوسطاء الذين يشترون السلعة بأسعار زهيدة ومن ثم يبيعونها إلى الأسواق الكبرى أو يقومون بتصديرها إلى الخارج باعتبارها توابل مطلوبة جداً على المستوى العالمي".
وتفيد معطيات وزارة الفلاحة المغربية بأن الإنتاج الوطني الإجمالي من الزعفران يناهز ستة أطنان في السنة، وتشمل شبكة التنظيمات المهنية للقطاع، 42 تعاونية تضم في عضويتها 3041 متعاونين، إضافة إلى مجموعة ذات نفع اقتصادي تضم 15 تعاونية.
يذكر أن المغرب يعد رابع منتج للزعفران في العالم، ويأمل الزيادة في المساحة المزروعة بالزعفران لتصل إلى 3 آلاف هكتار في 2030، وتحسين الإنتاجية للوصول إلى 13.5 طن.