استكمالاً لسياسة النهب المنظَّم للأموال والممتلكات، جمدت الميليشيات الحوثية أخيراً مبلغ 1.7 تريليون ريال يمني (نحو 3.3 مليار دولار)، وهي إجمالي استثمارات البنوك التجارية في الدين الحكومي خلال السنوات الماضية، وأمرت بتحويلها إلى حسابات جارية غير قابلة للسحب، تحت مبرر محاربة ومنع الربا في التعاملات المصرفية، وهي خطوة تمهّد للاستيلاء على هذه الأموال بشكل نهائي.
ووفق مصادر في الغرفة التجارية والصناعية اليمنية، فإن فرع «البنك المركزي» في صنعاء الخاضع لسيطرة الانقلابيين الحوثيين أصدر، منذ أيام، قراراً بتجميد استثمارات البنوك التجارية في سندات الدين الحكومي (أذون الخزانة) البالغة 1.7 تريليون ريال (الدولار نحو 560 ريالاً في مناطق سيطرة الحوثيين) وتحويلها إلى حسابات جارية غير قابلة للسحب.
ورأت المصادر في الخطوة مقدمة لمصادرة أرباح البنوك التجارية وإلغاء جزء كبير من الدين الحكومي الداخلي المستحق للبنوك، تحت مسمى وقف المعاملات الربوية.
ومنذ ما بعد سيطرة الانقلابيين على العاصمة اليمنية صنعاء، ونقل «البنك المركزي» إلى عدن، عجزت البنوك التجارية عن استرداد استثماراتها في أذون الخزانة وسندات الحكومة وشهادات الإيداع، وهي تمثل حجم القروض المقدمة للحكومة، التي بلغت نحو 1.3 تريليون ريال، مضافاً إليها الفوائد المتراكمة.
كما انهارت الموجودات النقدية للبنوك عند تقييمها بالدولار الأميركي؛ فإذا كانت الأصول البنكية قد بلغت 2.8 تريليون ريال، وفقاً لبيانات 2014، عند اقتحام الانقلابين لصنعاء، فإن تقييم هذه الأصول بالدولار تراجع من 13 مليار دولار حينها إلى 5 مليارات دولار، بسبب تدهور سعر الريال مقابل الدولار.
- هدم العمل المصرفي
يذكر مطهر العباسي نائب وزير التخطيط السابق أن الحوثيين أخذوا مشروع قانون منع الربا حرفياً من وثائق المؤتمر الوطني العام الليبي الصادرة في عام 2013، منبهاً إلى خطر اختزال التشريعات والقوانين المنظمة للعمل المصرفي في مشروع قانون لا يتجاوز 12 مادة.
ويقول العباسي: «سينسف مشروع القانون الحوثي عدداً من القوانين، في مقدمها قانون (البنك المركزي اليمني) وقانون البنوك وقانون التمويل الأصغر وغيرها»، معبراً عن خشيته من أن يتحول مشروع القانون هذا «إلى ساطور ومعول هدم لما تبقى من حياة ونشاط في عمل النظام المصرفي الذي تم بناؤه من الصفر طوال ستة عقود».
وفي قراءة نقدية لمشروع القانون، يؤكد العباسي، وهو أيضاً أستاذ في كلية التجارة بجامعة صنعاء، أن مسودة المشروع تظهر «مدى الخفة والسطحية، في تناول قضية محورية في العقيدة والشريعة، لا تزال الشغل الشاغل للمفكرين والباحثين والمصارف في العالم»، وهي قضية بناء نظام مصرفي إسلامي نموذجي يساهم في تحريك عجلة النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة؛ ليس للمسلمين فحسب، وإنما للبشرية عامة.
وكان حسن محمد الكبوس، رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة صنعاء، قد أكد، خلال لقاء جَمَع التجار مع المسؤولين في حكومة الانقلاب، أن القطاع الخاص يستفسر حول قدرات الدولة على إرجاع أموال الناس المتراكمة عندها من وقت بعيد، وأكد أن الواجب هو إرجاع هذه الأموال لأصحابها إحقاقاً».
وأكد الكبوس أن القوانين اليمنية ومصادر التشريع كلها التزمت نصاً وروحاً بمنع التعاملات الربوية، ولهذا فالقوانين المالية والاقتصادية لم تخالف هذا المبدأ، كما أن «هناك رقابة من الناس على التعاملات ومن قناعة أنفسهم يرفضونها».
- أزمة سيولة متفاقمة
منذ سيطرة الانقلابيين الحوثيين على صنعاء، تدهورت ثقة المودعين والمتعاملين مع البنوك بسبب وضع سقوف محددة للسحب من الحسابات الجارية، وعدم تسييل الودائع الآجلة، إضافة إلى رفض قبول الودائع بالعملة الأجنبية، وهذا دفع معظم الشركات والتجار لحفظ النقدية خارج إطار البنوك، واستخدامها للمضاربة بالعقارات وغيرها.
وبحسب الخبراء، فإن أزمة السيولة التي يعيشها «البنك المركزي» في صنعاء وفروعه في المحافظات الخاضعة لسيطرة الانقلابيين، بسبب تراكم الدين العام المحلي للحكومة، أفقد البنوك القدرة على القيام بالأنشطة المصرفية، كما أدى انكشاف حسابات البنوك المحلية مع البنوك المراسلة بالخارج، وعدم قدرتها على تغذية تلك الحسابات، إلى جعل البنوك المحلية عاجزة عن تقديم التسهيلات لتمويل التجارة الخارجية من الواردات.
كما أفرزت الحرب قطاعاً بنكياً موازياً يتكون من كبار الصرافين والقادرين على تقديم التسهيلات المصرفية للتجار وفتح اعتمادات مستندية وخطابات ضمان وحوالات خارجية وغيرها من الخدمات.
ووفق الخبراء، فإن المؤشرات تظهر أن معظم البنوك اليمنية تمر بمرحلة صعبة في ظل الحرب، وأنها بعيدة عن الالتزام بمبادئ الحوكمة والشفافية، وأنه إذا ما طبقت معايير الشفافية وتم الإعلان عن بيانات ومؤشرات الأداء للبنوك «فإن معظمها، إن لم يكن كلها، ستكون على شفا هاوية الإفلاس»، وحذروا من أن مشروع القانون الجديد الذي يسعى الانقلابيون لتطبيقه، سيزيد من حالة الفوضى والإرباك في القطاع المصرفي.
وطبقاً للبيانات الحكومية، فإن قطاع البنوك ساهم، خلال العقود الماضية، في تسهيل حركة التجارة الخارجية، حيث وصلت قروض البنوك في هذا الجانب إلى أكثر من 90 في المائة من إجمالي القروض، لكن هذا القطاع، ووفقاً للخبراء والمسؤولين، لم يساهم بشكل فعال في العملية التنموية، باستثناء حالات خجولة، كما يؤكدون أن بيانات الميزانية الموحدة للبنوك تشير إلى أن البنوك الإسلامية «لم تكن عند مستوى التوقعات، وظل أداؤها هامشياً في دفع عجلة التنمية وتطوير القطاعات الاقتصادية المختلفة».