بقلم: Clara Nabaa & يورونيوز
بعدما أُجبرت على النزوح أربع مرات، استقرّت غوى أخيراً في مركز إيواء بعكار التي تُعتبر منطقة آمنة في شمال لبنان، لكنّها ما زالت تخشى على صحة جنينها وتُبدي قلقها من احتمال خضوعها، في غضون شهر، لعملية ولادة قيصرية داخل المدرسة التي تؤويها، نظرا لعدم قدرتها على تحمل تكاليف الولادة في المستشفيات الخاصة.
هذه المرأة تتشاطر المعاناة، بشكل أو بآخر، مع أكثر من 11 ألف من النساء الحوامل اللائي اضطررن إلى مغادرة أماكن سكنهن، إثر اندلاع الحرب الإسرائيلية على لبنان، طبقا لإحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان.
مراكز غير مؤهلة
المرأة الثلاثينية تتحدث لـ"يورونيوز" عن تجربتها المريرة، فتقول: "أعاني من صعوبات في تأمين ما أحتاجه من أدوية، خصوصاً أن زوجي أصبح عاطلاً عن العمل. والمساعدات التي تقدم لنا لا تُغطي كافة الاحتياجات، ومعظمها يقدم في شكل طعام ومواد تنظيف ومياه، أما بالنسبة للأدوية فلم أحصل على دواء مجاني سوى مكمل الحديد".
وخلال جولتنا الميدانية في مركز الإيواء الذي تقطن فيه غوى، ظهر جلياً افتقاره لبعض المقومات الأساسية، لا سيّما بالنسبة للنساء الحوامل اللواتي يحتجن إلى رعاية خاصة. فالمياه هنا ليست متوفرة بشكل دائم، وفرش الإسفنج التي تمّ تأمينها لا تبدو مناسبة لفترة الحمل وما بعد الولادة، ولا وجود لوسائل التدفئة. كما أن وجود بعض الأوساخ في المدخل يدل على عدم الاهتمام بالنظافة العامة في المكان، ناهيك عن أن كل طابق يحوي 10 عائلات، تتشارك ثلاثة مراحيض فقط.
لا خيارات أخرى متاحة أمام المرأة الحامل، فتكلفة الإيجارات "خيالية"، مما يرغمها على البقاء في دائرة من المخاوف، لا تهدأ: مخاوف تتعلق بصحتها وبقلقها من خطر الإصابة بالعدوى، ومخاوف من الولادة في مكان غير مؤهل لذلك، وأخرى تتعلق بالطفل الذي ستضعه في مكان غير دافئ، ويرتفع فيه خطر انتقال الأمراض المعدية، كما أنها لم تستطع أن تحضر معها الثياب التي اشترتها للطفل لأنها أجبرت على مغادرة قريتها بشكل فجائي مع اندلاع القصف الجنوني.
مخاطر صحية مضاعفة
في المدرسة نفسها، التقت "يورونيوز" بسوزان وهي سيدة عشرينية في شهرها الخامس، تبدو على وجهها ملامح التعب، ولها تجربة سابقة مع الحمل، تستهل حديثها معنا بمقارنتها مع التجربة التي تعيشها اليوم: "في المرة الأولى لم أعان من المشاكل التي عايشتها في الشهور الأولى من هذا الحمل، فالأمور كانت ميسرة ووضعي النفسي مستقر والبيئة كانت مختلفة تماماً".
في بيروت، أي قبل أن تنتقل إلى هذا المركز، عانت سوزان من نزيف حادّ في الشهر الرابع من حملها، ولدى سؤالها عن السبب، تُجيب: "مرق الصاروخ فوق راسي". كان القلق والخوف من القصف في المدينة، والذي كان على مسافة قريبة منها، سبباً كافياً لجعلها تنتقل إلى مكان أكثر أماناً.
ولكن يبدو أنّ المكان الجديد ليس صحياً بما يكفي، فقد أُصيبت سوزان بجرثومة والتهابات مهبلية، وفق ما أظهرت الفحوصات الجديدة التي أجرتها في الآونة الأخيرة. وهي اليوم تخضع للمعاينة والعلاج لدى طبيبة نسائية في المنطقة، ورغم مراعاتها في تعرفة المعاينة الطبية، فإن أسعار الأدوية التي تحتاجها تشكل عبئاً ثقيلاً بالنسبة لنازحة لم يتمّ تزويدها إلاّ ببعض الفيتامينات مجاناً.
في هذا السياق، يشرح الطبيب النسائي والباحث في الجامعة الأمريكية في بيروت الدكتور فيصل القاق لـ"يورونيوز" المخاطر التي يمكن للنازحات في مراكز الإيواء أن يتعرضن لها أثناء الحمل، واللواتي يُقدّر عددهنّ ما بين 2500 و 3000 حامل.
يُشير الطبيب إلى أنّ انقطاع الحوامل عن المتابعة لدى طبيب، والانقطاع عن الأدوية والعلاجات، بالإضافة إلى التوتر وصعوبة الاهتمام بالعناية الذاتية والنظافة الشخصية، كلها عوامل تزيد من مخاطر التعرض لـ: "النزيف، والإجهاض، والطلق المبكر، وولادة أجنة صغار الحجم، والإصابة بالتوتر والقلق واكتئاب ما بعد الولادة.. ما يمكن أن يؤثر أيضاً على الجنين وينعكس لاحقاً على طفولته، بالإضافة إلى زيادة مخاطر الإصابة بالالتهابات، والتي يمكن ان تتضاعف بدورها لتسبّب التهابا في الرحم".
هل المساعدات كافية؟
من خلال تجارب النساء اللواتي قابلناهن، بدا أن مساعدات الحكومة كانت إما "شبه معدومة" أو أنها لم تجد طريقها إلى جميع مراكز الإيواء، لذلك نقلنا الرسالة إلى الدكتور فيصل القاق، وهو عضو في مجموعة خبراء السياسات الخارجية في منظمة الصحة العالمية، وناشط لبناني يضع صحة النازحين ضمن اعتباراته.
يؤكد القاق أنّ وزارة الصحة وضعت أرقاماً ساخنة في متناول النساء اللواتي يرغبن في متابعة الحمل والولادة، كما أنها حرصت على تخصيص زيارات ميدانية للمراكز عبر فرق طبية متخصصة، وتعمل على تقديم الإرشادات للمرأة الحامل بما في ذلك ضرورة التوجه إلى أقرب مركز للرعاية الأولية والمتابعة فيه، وكذلك تُقدم تغطية مادية للولادة.
ولا ينفي القاق أن الجهود المبذولة من قبل الوزارة قد لا تغطي جميع المراكز، وهو أمرٌ يعود ربما لحجم النزوح مقابل قدرات الدولة المحدودة، ما يستدعي، من وجهة نظره، بذل جهد إضافي من قبل الإعلام ومسؤولي المراكز لإيصال الصوت، لعل ذلك أن يؤدي إلى تلبية حاجات جميع النساء.
وبالرغم من أن الكثير من التحديات والمخاطر التي يواجها النازحات الحوامل قد لا يُمكن تجنبها نظراً إلى أنّ العديد منهنّ أُجبرن على العيش في بيئة غير مناسبة، بما في ذلك صعوبات ما بعد الولادة، كانعدام الخصوصية، وسوء التغذية بالنسبة لحديثي الولادة، وغياب التدفئة، والحاجة الملحة إل كميات كبرى من الحفاظات، إلاّ أنّ القطاع الصحي متحسس ومتفهم للوضع الاستثنائي، كما يقول الطبيب.
ويُشير القاق إلى أن دائرة التوليد والأمراض النسائية بالمركز الطبي في الجامعة الأمريكية في بيروت أطلقت مع وزارة الصحة مبادرة في ظل الحرب القائمة، وهي عبارة عن تقديم يوم مجاني للنازحات، كل سبت، بما يشمل متابعة جميع المشكلات النسائية، وإجراء الفحوصات مجاناً.
ولفت الطبيب إلى أن الجمعيات تبذل جهوداً ملموسة في هذا الإطار، لكنها ربما تنحصر في تقديم إرشادات توعية وتقديم بعض الأدوية، لأن متابعة الحمل تحتاج إلى فريق طبي متخصص.
وضمن المبادرات، نذكر على سبيل المثال منظمة omgyno التي تقدم خدمة الاستشارات الطبية عن بعد، للنازحات الحوامل الموجودات في مراكز الإيواء، وتوفّر لهنّ اختبارات ذاتية، منها اختبار الالتهابات المهبلية أو اختبار التهابات المسالك البولية حسب الحاجة، مع توضيح كيفية استخدامها، قبل أن ترسلها الجمعية إلى المختبر، ثم تزود النساء بالنتائج، وفق ما أكدت المنظمة لـ"يورونيوز".