على وقع مضارب التنس يجلس المدرب أبوكر عمر غيدي يتابع لاعبيه من فوق المدرج ويقدم نصائحه وملاحظاته، ويوجه عبارات التشجيع والاستحسان للاعبين واللاعبات الذين يشرف على تدريبهم محاولاً غرس عشقه للعبة حرمته الحرب الأهلية من تحقيق طموحاته الشخصية فيها، في مشهد قلما يصل إلى أبعد من زائري المركز البلدي في حي شيبيس، أحد أحياء مقديشو القديمة ضمن ظاهرة انتشار أندية تدريب فرق لعبة كرة المضرب، بعد أن حافظت على وجودها رغماً عن ظروف الحرب الأهلية، والنزوح الداخلي والهجرة، وعلى رغم التهديدات الأمنية التي تضيف مزيداً من الأعباء على حياة سكان العاصمة الصومالية.
حي شيبيس قلب يستمر في النبض
يشير الصحافي محمود موسى حسين إلى ميزة "حي شيبيس" المكان الذي يحتضن أنشطة اجتماعية ورياضية يسعى أبناؤه والقائمون عليها إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من التقدم عبر استعادة الإيقاع الطبيعي للحياة في المدينة عموماً. وفي هذا الحي تحديداً "يتميز حي شيبيس بكونه أحد امتدادات مقديشو القديمة متعددة الأعراق والثقافات، ويحتوي على آثار للتمازج البشري الذي عرفته مقديشو، الذي بسببه استحقت أن تكون عاصمة للبلاد، فهي إلى جانب نشاط سكانها في التجارة والحرف، تضمن المحفل الذي تقوم عليه عائلة الشريف العيدروس اليمنية المعروفة لإحياء المولد النبوي، وكذلك لا يزال الحي يحمل ذكريات فترة ازدهار اقتصادي، حيث كان يوجد ’بار فيات‘، الذي كان امتداداً لمقر وكالة شركة السيارات الإيطالية التي تحمل الاسم نفسه، وسفارة السعودية، إضافة إلى مقر إذاعة بنادر والمطبعة الحكومية التي كان تصدر عنها صحف عديدة منها ’نجمة أكتوبر‘ التي كانت تصدر بالعربية، والمطعم الصيني ’بار مينغ سينغ‘، ومقر الجالية اليمنية".
يضيف حسين "على رغم نزوح كثير من سكان الحي، وتغير جانب كبير من معالمه نتيجة للدمار الذي لحق بالأبنية القديمة إضافة إلى موجات النزوح المعاكس، التي أعادت استخدام تلك الأبنية لتكون مساكن موقتة للنازحين، وتفشي التعديات على المرافق العامة في موجات البناء العشوائي التالية لفترات الهدوء، فإن بقايا السكان القدماء والذكريات التي يحملونها حول جودة الحياة في الحي، يمكن أن يلمسها المتجول في جنباته من خلال الأنشطة الاجتماعية والتعليمية والرياضية التي يقومون بها لإعادة الروح لحي كان في يوم من الأيام القلب الثقافي والتجاري للمدينة".
الرياضة تعويض لعقود ضاعت
تقول صفية محمد علي الناشطة الاجتماعية من نساء حي "شيبيس"، "تميزت أسر الحي بالنشاط الاجتماعي والرياضي، على رغم أننا نحن من الجيل الذي تعرضت فرص تطوره التعليمية لعقبات هائلة، فإن سكان الحي استمروا في الاجتهاد للحفاظ على الحياة الطبيعية فيه، لقد كان شائعاً أن يكون أبناء الحي وبناته منتمين إلى الفرق الرياضية المدرسية، وكذلك المرتبطة بالمنظمات الرياضية الأهلية التابعة للأحياء والمديريات، فعلى سبيل المثال أنا أنتمي لأسرة ضمت 13 طفلاً كلنا جميعاً كنا منتسبين لفرق متعددة، ككرة القدم والسلة والكرة الطائرة وكرة المضرب وغيرها، وكنا نشارك في منافسات أهلية ومحلية ووطنية، ونطمح لأن نمثل وطننا فتياناً وفتيات في المنافسات الخارجية".
تضيف صفية "تشجيعنا اليوم لأبنائنا وبناتنا، هو جزء من مساعينا التي لم تتوقف يوماً لاستعادة الحياة الطبيعية في بلدنا من جهة، وملء أوقات الفراغ لديهم بما هو مفيد، كما أنها امتداد لطموحنا كأفراد في تمثيل وطننا وتحقيق تقدم في جوانب الحياة المتعددة، ومنها الرياضة ليحقق أبناؤنا إلى جانب الإنجازات التعليمية نظيرتها رياضياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التنس تعبير عن الحياة
يستعيد المدرب أبوكر عمر غيدي، في المركز البلدي لحي شيبيس ذكرياته حول اللعبة، وعلى وجهه الحالم ابتسامة تدل على حجم التفاؤل الذي عاشه في ماض لم تهاجمه الحرب وأحزانها فيقول، "بدأت ممارسة رياضة التنس في عام 1974، وبعد أربع سنوات كنت ضمن فريق التنس الوطني، وشاركت في منافسات كأس العرب للرياضات عن فريق التنس، الذي أقيم في الملعب الوطني بالعاصمة الصومالية عام 1979، كما شاركت في دورة الألعاب العربية التي تلتها وأقيمت في ليبيا. لكن لم يطل بنا الوقت للأسف حتى بدأت الحرب الأهلية وتوقف كل شيء".
يكمل غيدي بحماس، "لا شك في أننا بحال أفضل أخيراً، لكننا مررنا بظروف غاية في الصعوبة شأننا شأن بقية سكان العاصمة، ففي إحدى المرات فوجئنا باندلاع معارك وصلت إلى الملعب الذي كنا ندرب فيه اللاعبين، ما اضطرنا إلى الهرب ومحاولة الاختباء لتجنب الرصاص والقذائف التي كانت تتساقط في كل اتجاه، ونحن لم نستسلم مع كل الخوف وعدم الشعور بالأمان، استأنفنا العمل في ملعب ’كاسا إتاليا‘، واستطعنا تدريب كثير من اللاعبين، وشاركنا في البطولات التي أقيمت في دولة كينيا المجاورة، مما فتح لنا المجال لعقد دورات تدريبية للاعبين للمشاركة في منافسات تنزانيا، حيث حققنا انتصارات كبيرة، وما زلنا مستمرين في تدريب اللاعبين، ففي عام 2000 شاركنا في دورة بكينيا، كما توجهنا إلى مدينة ممباسا في كينيا عام 2002، وشاركنا في تنزانيا عام 2014، ثم مرة أخرى عام 2018، وينقسم اللاعبون إلى فئتين، الناشئين الصغار والبالغين، ويبلغ عدد اللاعبين 60 لاعباً، بينهم خمس لاعبات فقط ونسعى إلى توفير الإمكانات لمزيد من المنتسبات".
كرة المضرب فرص وتحديات
تركز صفية على الجانب الاجتماعي للنشاط الرياضي وتشجع الفتيات على المشاركة فيها، كما تشجع الصبية في الحي، تؤكد أن "الرياضة عموماً وكرة المضرب بالتحديد، تعطي الناشئين شعوراً بالرضا والإنجاز، وتبعدهم عن الأفكار والممارسات السلبية، فالعلاقات الاجتماعية التي يبنونها ذات اتجاه إيجابي، وفي بيئة مفتوحة تمنع فرص تسرب الأفكار المتطرفة والسلوكيات غير الإيجابية، خصوصاً أن مجتمعنا عانى تدهوراً كبيراً بسبب الحرب والتطرف، وهذا أدى إلى تراجع مكانة المرأة في المجتمع، كونها واحداً من الأطراف الأكثر عرضة للاستهانة والظلم، وكذلك الاعتداء الذي يمر دونما عقاب رادع، لذا فتطور اللعبة وانتشارها والندية والمشاركة التي تحملانها أمر إيجابي بالمجمل".
يضيف غيدي "نحن ضمن مجتمعاتنا نفعل كثيراً، لكن نرى أنه غير كاف، فتدريبنا للاعبين يجب أن يؤهلهم لخوض المشاركات الوطنية والخارجية، وضعف الموارد المالية اللازمة لتكاليف السفر هو ما يتسبب في أن نتخلف عن التنافس في دورات ومنافسات خارجية، بسبب عدم وجود المخصصات المالية، هذا ما يجعلنا نتألم من تسرب الإحباط لدى لاعبينا الموهوبين، وكل من عايش ما عشناه يعلم الخطر الذي يحمله شباب محبط، ولا شك أننا نجد دعماً من كثيرين، لكن ذلك الدعم يأتي بمبادرات فردية، أو برامج قصيرة المدى، خصوصاً أن اتحاد لعبة التنس يعاني ضعف الموازنة، خصوصاً عند الحديث عن ضروريات مثل أجور المدربين، وكذلك إعداد وتدريب مدربين جدد".