إعلان العلا أكبر من تعهد بإعادة إعمار سوريا

منذ 3 أيام 23

تشكل المبادرة غير المسبوقة التي أعلنتها المملكة العربية السعودية وصندوق النقد الدولي لدعم اقتصادات الشرق الأوسط المتأثرة بالصراعات بداية بسوريا إدراكاً للفرصة النادرة لإعادة الاستقرار لركن من المنطقة كان على مدار سنوات ساحة لحروب إقليمية وأزمات اقتصادية طاحنة. النجاح غير مضمون، لكنّ هناك أسباباً رئيسية عدة تدعوني للتفاؤل.

هذه مهمة لا تستطيع دولة واحدة مهما بلغ حجم قدراتها المالية القيام بها؛ لأن التحدي هنا لا يكمن فقط في توفير دولارات إعادة الإعمار، ولكنه يمتد لإعادة بناء مؤسسات أنهكتها الحروب، ونخر في عظامها الفساد؛ لذلك كان مشجعاً أن يضم الإعلان ممثلين عن الصندوق والبنك الدوليين وعدد من بنوك التنمية العربية إضافة إلى دول المنطقة.

ستكون مسؤولية هذه المجموعة تحديد الاحتياجات المالية وغير المالية للاقتصادات المتضررة، على أن يتم حشد الأموال اللازمة من المجتمع الدولي. لم يحدد البيان حجماً تقريبياً للخسائر أو لتكلفة هذه الجهود. هذا طبيعي، لأن المؤسسات الدولية لا تعلم حتى الآن حجم الخسائر التي لحقت بالاقتصاد السوري وحده بعد 14 سنة من الحرب الأهلية.

ولعل السبب الرئيسي لحماستي هو أن البيان الصادر على هامش مؤتمر العلا للاقتصادات الناشئة تجاوز مرحلة إعلان مؤتمرات المساعدات الدولية التي اعتدنا عليها، والتي ينتهي بها الأمر عادة للإنفاق على إعادة إعمار ما هدمته الحرب... انتظاراً لحرب أخرى.

سئمنا إعادة الإعمار. اليوم لا يحتاج لبنان إلى منازل وطرق جديدة فحسب، ولكنه بحاجة لإعادة هيكلة ديونه وقطاعه المصرفي بالكامل لطيّ صفحة أقسى أزمة اقتصادية في تاريخه الحديث. سوريا ليست بحاجة إلى إعادة تأهيل بنيتها التحية فحسب، ولكنها بحاجة أيضاً إلى إصلاح مالي واقتصادي ومؤسساتي كامل. كل هذا يحتاج إلى أموال طائلة لا تستطيع أي جهة أن تتحملها وحدها، لكنه يتطلب أيضاً دراسات وخبرة وتطبيق إجراءات سياسية واقتصادية قد تكون مؤلمة في البداية. يحتاج لمؤسسات تَبْنِي اقتصاداً يشمل الجميع بدلاً من أن يعبّر عن مصالح طبقة محدودة من السياسيين أو المنتفعين.

يتسق البيان مع توجُّه سعودي وخليجي يربط أي مساعدات مالية بإصلاحات تضمن كفاءة الإنفاق لتفادي تكرار الأزمات، وهو ما نجده هنا من خلال مشاركة صندوق النقد والبنك الدوليين. هذا يعني أن على الدول المستفيدة الالتزام بخريطة طريق تضمن تطبيق أي إجراءات متفق عليها.

ما جعل مثل هذا الإعلان ممكناً هو الانهيار غير المتوقع لنظام بشار الأسد، وما يعنيه ذلك من تراجع للدور الإيراني في سوريا ولبنان. هل هناك رد فعل أفضل من حشد الجهود الإقليمية والدولية لمحاولة ضمان نجاح هذه المرحلة الانتقالية؟

غني عن القول أن نجاح المبادرة يبقى رهن عوامل عدة، أولها توافر موارد عربية ودولية ضخمة ورفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا. النجاح يحتاج أيضاً إلى التزامات من دول التي عانت سنوات من عدم الاستقرار والانقسام. المشوار سيمتد سنوات لكن البداية جاءت على مستوى الحدث والطموح.