إسبانيا: هكذا يستغل اليمين المتطرف مواقع التواصل لنشر الكراهية ضد المسلمين

منذ 1 سنة 116

تنشط في إسبانيا حركة معادية للمسلمين تطلق على نفسها ريكونكيستا، أي الاسترداد، حيث تشبه نفسها بالممالك المسيحية التي "استعادت" شبه الجزيرة الإيبيرية من المسلمين قبل ستة قرون. وتعتمد الحركة بشكل رئيسي على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر أفكارها المتطرفة.

برزت في السنوات القليلة الماضية في إسبانيا ظاهرة محاولة اليمينيين المتطرفين استغلال مواقع التواصل الاجتماعي من أجل نشر الأفكار المسمومة المعادية للديمقراطية وكذلك لإثارة النعرات والتحريض على كره المسلمين.

هؤلاء المتطرفون يحاولون من خلال حسابات مزيفة، غالبا على موقع تويتر، إثارة المشاعر المعادية للهجرة وللإسلام وتقويض الإيمان بالديمقراطية الإسبانية التي تتبنى قيم التعددية.

في بعض الحالات، يستغل هؤلاء القوميون اليمينيون المتطرفون قواعد النشر الفضفاضة في تويتر للترويج لخطاب الكراهية والتهديدات بالعنف، بينما في حالات أخرى يتظاهرون بأنهم مسلمون كوسيلة لتشويه سمعة المسلمين الفعليين.

فهناك مثلا شخص يدير حساب تويتر يدعي أنه أصولي إسلاموي يعيش في إسبانيا، ويُظهر تعاطفا مع العنف والتطرف، قائلا إنه يتوق إلى الزمن الذي كان فيه المسلمون يحكمون إسبانيا قبل ستة قرون.

حركة تريد استرجاع "أمجاد الماضي"

هذا الحساب المزيف ووجهات النظر المزيفة هي جزء من جهد غير رسمي يقوم به القوميون اليمينيون المتطرفون في إسبانيا لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتنسيق ونشر فكرهم المتطرف، وهؤلاء يقفون وراء ما بات يعرف بحركة "الاسترداد" (Reconquista). ويعتمدون على نفس قواعد اللعبة التي يستخدمها المتطرفون اليمينيون في الولايات المتحدة والبرازيل ودول أخرى ممن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لتوسيع أنشطتهم وبسط نفوذهم وتجنيد أتباع جدد.

حركة الاسترداد تستوحي هذا الاسم من كلمة "ريكونكيستا" (Reconquista) الإسبانية، عندما بدأت الممالك المسيحية في شبه الجزيرة الإيبيرية بالسيطرة على المناطق التي كانت تحت الحكم الإسلامي في العصور الوسطى. وبتبنيهم مصطلح الاسترداد، يعتبر أتباع الحركة المتطرفة أن كفاحهم ضد المسلمين هو تتمة إلهية لصراع دموي دام على مدى قرون.

وكما هو الحال في الولايات المتحدة ودول أخرى، لا يروج أتباع هذه الحركة لكراهية المسلمين والمهاجرين فحسب، بل سمموا النقاشات حول العبور الجنسي، ونشروا ادعاءات مضللة حول استغلال الأطفال والمؤامرات المفترضة للقضاء على فكرة النوع الاجتماعي. كما انتقدوا أيضًا لقاحات كورونا والحركة النسوية والجهود المبذولة لمعالجة تغير المناخ ودعم أوكرانيا بعد الغزو الروسي.

"وصفة لكارثة"

يقول جويل فينكلستين، الباحث في معهد "كونتجين ريسرتش انستيتيوت" (Contagion Research Institute) الأمريكي الذي يجري دراسات عن التطرف ونشر مؤخرا تقريرا عن حركة الاسترداد، إن التشابه في استراتيجيات وأهداف جماعات اليمين المتطرف حول العالم ليست محض الصدفة، بل تظهر كيف أن هذه الجماعات تتعلم وتنسخ النجاحات من بعضها البعض. يتابع فنكلستين: "إنها وصفة لكارثة. في جميع أنحاء العالم نشهد مظاهر مختلفة لنفس المشكلة."

فرغم اختلاف البلدان والصفات، إلا أن هذه الجماعات تتشابه في استخدامها للوسائل ذاتها، حسب الباحث، الذي يعتقد بأن التحريض اللفظي قد يقود إلى العنف على أرض الواقع، أي خارج الفضاء الافتراضي.

تصاعد الخطاب المعادي للمسلمين من حسابات مرتبطة بحركة الاسترداد بعد أن هاجم رجل مغربي كنيستين كاثوليكيتين في مدينة الجزيرة الخضراء جنوبي إسبانيا في كانون الثاني/يناير 2023، مما أسفر آنذاك عن مقتل موظف في الكنيسة وإصابة قس. منفذ الهجوم، وهو مهاجر غير قانوني، مسجون الآن في جناح الأمراض النفسية في سجن إسباني في انتظار نتائج تحقيق قضائي، تعتقد السلطات أنه تصرف بمفرده.

العديد من التهديدات العنيفة ضد المسلمين التي انتشرت على تويتر بعد الهجوم انتهكت قواعد المنصة، وفي بعض الحالات تحركت المنصة لإزالة المحتوى أو التعليقات. ولكن غالبًا ما يفتح الأشخاص الذين يقفون وراء المحتوى التحريضي حسابًا جديدًا بعد أيام من تجميد حساباتهم.

التطرف اليميني تحت قبة البرلمان

وقد ساعد حزب فوكس (Vox) اليميني المتطرف في الترويج لحركة الاسترداد عبر الإنترنت، باستخدام المصطلح مرارًا وتكرارًا في التغريدات قبل انتخابات 2019 في إسبانيا. ويشغل الحزب، الذي يعبر أعضاؤه بقوة عن وجهات نظر معادية للمهاجرين، 52 مقعدًا، مما يجعله ثالث أكبر حزب داخل المجلس التشريعي المكون من 350 عضوًا في إسبانيا. 

تم تعليق حساب حزب فوكس على تويتر لفترة وجيزة في عام 2020 إثر اتهامه لخصومه بالترويج للاعتداء الجنسي على الأطفال. كما عُلق الحساب مرة أخرى عام 2021 بسبب التحريض على كراهية المسلمين.

زعيم الحزب، سانتياغو أباسكال، كان قد أشار عدة مرات إلى "ريكونكيستا"، كما فعل العام الماضي في تغريدة، حيث كتب: "اليوم هو ذكرى استرداد غرناطة، ذكرى لا تمحى لليوم الذي اكتملت فيه استعادة كامل تراب الوطن بعد ثمانية قرون من الغزو الإسلامي".

مديح للفاشية والدكتاتورية

غالبًا ما يعرض أتباع حركة الاسترداد الأعلام الإسبانية في حساباتهم الشخصية، ويمدح بعضهم في العلن فرانسيسكو فرانكو، الديكتاتور الفاشي الذي انتهى حكمه قبل أكثر من 40 عامًا. وكثيرا ما يشيرون إلى المسلمين على أنهم "موريسكيين" (أو مور)، وهو مصطلح تاريخي قديم لمسلمي شمال إفريقيا.

فيما كتب آخر على منشور في حسابه: "على طريقة الاسترداد... لكننا لن نزيل المور فحسب، بل أيضًا أولئك الذين فتحوا لهم الأبواب".

"الحركة تعيش في الإنترنت"

تسعى الجماعات اليمينية المتطرفة في العديد من البلدان إلى إعادة تشكيل الفهم العام لأحداث تاريخية، مثل الهولوكوست والعبودية ومؤخرًا هجوم 6 يناير 2021 على مبنى الكابيتول الأمريكي. من خلال تجاهل تفاصيل "الاسترداد" التاريخية أو دكتاتورية فرانكو، تسعى حركة الاسترداد إلى إضفاء الشرعية على وجهات نظرها المعادية للمهاجرين باعتبارها قيمًا إسبانية تقليدية، وفقًا لمارك إستيفه ديل فاله، الأستاذ في جامعة غرونينغن الهولندية، والذي درس كيفية استخدام حركة الاسترداد للإنترنت.

حسب الباحث، فإن الإنترنت ليست مجرد مكان يجد فيه أنصار الحركة بعضهم البعض ويتبادلون المعلومات، ولكنه وسيلة لتشكيل الرأي العام والسياسة. "الشبكات الاجتماعية هي أدوات للتنظيم والتعبئة"، كما يقول إستيفه ديل فاله. "إنه المكان الذي تعيش فيه الحركة".

منذ أن استحوذ الملياردير إيلون ماسك على تويتر، قلل الموقع بشكل كبير من عدد الموظفين الذين كانوا مكلفين باكتشاف المعلومات المضللة وخطاب الكراهية والمحتوى المتطرف. ولم ترد الشركة على طلب للتعليق على نشاطات حركة الاسترداد على المنصة.

في السنوات الأخيرة، استخدم عدد من الجماعات اليمينية المتطرفة المنظمة بشكل غير رسمي وسائل التواصل الاجتماعي بطرق مماثلة.

حركات مشابهة في دول أخرى

في إيطاليا، استخدمت مجموعة معادية للقاحات منصة تلغرام لتهديد الممرضات والأطباء، وغيرهم من المشاركين في الجهود المبذولة لإنقاذ الأرواح أثناء جائحة كوفيد-19 (COVID-19). وفي ألمانيا، استخدمت مجموعة مماثلة تُعرف باسم "كردنكن" (Querdenken) موقع فيسبوك لتشجيع العنف ضد مؤيدي اللقاح. وفي البرازيل ، تآمر أنصار الرئيس السابق جايير بولسونارو على وسائل التواصل الاجتماعي، قبل شنهم الهجوم العنيف في يناير في برازيليا.

وفي الولايات المتحدة ، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا، في إثارة أعمال الشغب المميتة في 6 يناير 2021 في مبنى الكابيتول الأمريكي، ويستخدمها الآن مؤيدو ترامب في محاولة لتلميع صورة أحداث ذلك اليوم.