تُضاعف ألمانيا الإعلانات عن استثمارات ضخمة في إنتاج أشباه الموصلات، ولكن بين نقص اليد العاملة والنزاعات بشأن الإعانات، لا يزال الطريق طويلاً أمامها لتثبت نفسها في هذا القطاع الاستراتيجي.
من السيارات الكهربائية إلى الهواتف الذكية مروراً بتوربينات الرياح وحتّى الصواريخ، تعدّ الرقائق الإلكترونية "نفط القرن الحادي والعشرين"، وهي مكوّنات "يعتمد عليها كلّ شيء"، على حدّ تعبير المستشار الألماني أولاف شولتس خلال افتتاح مصنع جديد للشركة الألمانية المصنّعة "إنفينيون" (Infenion) في بداية أيار/مايو.
وتحدّث شولتس عن أشباه الموصلات مع الكوريين، خلال زيارة قام بها في نهاية الأسبوع إلى سيول، داعياً إياهم إلى الاستثمار في أوروبا لتعزيز سلاسل التوريد.
يتمثّل الهدف المُعلن للاتحاد الأوروبي في الوصول إلى 20% من السوق العالمية في العام 2030، أي ضعف ما هو عليه حالياً. ومن أجل ذلك سيتطلّب الأمر إنتاجاً أكبر بأربع مرّات في القارة العجوز.
هذا هو هدف "قانون الرقائق" الأوروبي الذي تمّ التوصّل إليه في نيسان/أبريل، والذي ينصّ على تخصيص 43 مليار يورو للاستثمارات العامّة والخاصّة.
يريد الاقتصاد الأول في أوروبا قيادة هذه الحركة لتقليل الاعتماد على آسيا. وإضافة إلى مصنع "اينفينيون" الجديد في دريسدن - وهو مشروع بقيمة خمسة مليارات يورو - أعلنت المجموعتان الأميركيتان "إنتل" (Intel) و"وولفسبيد" (Wolfspeed) عن استثمارات كبيرة في ألمانيا في الأشهر الأخيرة.
تايواني في دريسدن؟
ستسدّد ألمانيا ضربة قوية إذا تمكّنت من الفوز باستضافة أول مصنع أوروبي للمجموعة التايوانية "تي اس ام سي" (TSMC)، وهي واحدة من أكبر الشركات المصنّعة للرقائق الإلكترونية في العالم.
وتجري محادثات منذ أكثر من عام من أجل إنشاء مصنع في منطقة دريسدن، القطب الأول في أوروبا للإلكترونيات الدقيقة، والمعروف بـ"سيليكون ساكسونيا". ومن المنتظر صدور قرار بهذا الشأن في آب/أغسطس، وفقاً لـ"تي إس إم سي".
ولكن على بعد حوالى 200 كيلومتر في منطقة ماغديبورغ تحديداً، حلّت شكوك مكان النشوة التي أثارها إعلان شركة "إنتل" الأميركية العملاقة العام الماضي استثمار 17 مليار يورو، إذ إنّ بناء المصنع الذي كان من المقرّر أن يبدأ في النصف الأول من العام 2023، لم يبدأ بعد.
وتقول المجموعة، التي شهدت خسارة فصلية قياسية في بداية العام، في بيان لوكالة فرانس برس، إنّ "الكثير من الأشياء تغيّرت" في عام واحد، وذلك في الوقت الذي عانت فيه من انخفاض حاد في مبيعات أجهزة الكومبيوتر الشخصية والهواتف الذكية.
وتوضح المجموعة أنّه إضافة إلى "التحديات الجيوسياسية... أدّت الاضطرابات في الاقتصاد العالمي إلى زيادة التكاليف، من مواد البناء إلى الطاقة".
من جهتها، تقول وزارة الاقتصاد إنّه من المنتظر تقديم مساعدات عامّة إضافية "لسدّ فجوة التكلفة للمشروع المخطّط له، والتي زادت بشكل كبير".
لا اكتفاء ذاتيًا
غير أنّ هذا السباق إلى الإعانات يثير المخاوف في بعض الأحيان. ويقول كليمنس فويست وهو أحد الاقتصاديين المعروفين في البلاد "إننا نُنفق الكثير من المال... لزيادة سلامة الإمداد قليلاً".
وبينما ستصل قيمة المساعدات العامة، في دريسدن أو في ماغديبورغ، إلى المليارات، ستظل ألمانيا وأوروبا تعتمدان إلى حدّ كبير على الرقائق المنتجة خارج القارة، و"عليك أن تتخيّل ما كان يمكن أن نفعله بهذه الأموال"، على حدّ تعبير فويست الذي يرأس معهد الدراسات الاقتصادية "اي اف او" في حديث لقناة "آي آر دي" أخيراً.
من جهته، حذّر المدير التنفيذي لشركة "إينفينيون" يوشن هانيبيك خلال مؤتمر عبر الهاتف هذا الشهر، من أنّه حتّى لو أمكن تقليل التبعيات في مجال أشباه الموصلات، لن يكون هناك "اكتفاء ذاتي لأي دولة أو منطقة" في هذا القطاع.
في المقابل، يرى العديد من العاملين في القطاع أنّ المساعدات يجب أن تكون أكثر ضخامة. ويقول فرانك بوزينبرغ مدير "سيليكون ساكسونيا" الهيئة المعنية بتطوير صناعة أشباه الموصلات في منطقة دريسدن، لوكالة فرانس برس، إنّ "الأموال المُعلن عنها في إطار قانون الرقائق تعدّ بداية جيّدة، لكنّها تبقى غير كافية وفقاً للمعايير العالمية".
تسيطر تايوان (حيث يُنتج 90 في المئة من أشباه الموصلات الأكثر تقدّماً في العالم) وكوريا الجنوبية، والصين بشكل متزايد، على السوق حالياً.
من جهة أخرى، يجب أن تواجه أوروبا منافسة من الولايات المتحدة، التي تُنفق مبالغ كبيرة لتعزيز الإنتاج الوطني.
وبالنسبة لألمانيا، هناك تحدٍّ رئيسي آخر يتمثل في إيجاد عدد كافٍ من العمّال. وبحسب دراسة أجراها المعهد الاقتصادي الألماني في كانون الأول/ديسمبر، يوجد حالياً نقص في الموظفين المؤهّلين يبلغ 62 ألف موظف في مختلف المهن التي تدخل في إطار صناعة الرقائق.