يتميز الموروث التونسي بتنوع الألعاب الشعبية، فعبر العهود المتعاقبة على تاريخ البلاد مارس التونسيون في المدن والبوادي ألعاباً كثيرة، بعضها خاص بالأطفال، وآخر للكبار، وثالث للإناث، ورابع يشترك فيه الجميع، كما تنقسم هذه الألعاب بين الفكري والجسدي، لكن هذا الموروث مهدد اليوم بالاندثار لتحل محلها الألعاب الإلكترونية التي تستهوي الأجيال الحالية أكثر من الألعاب الشعبية.
في هذا الصدد يقول الكاتب العام للمنظمة التونسية للتربية والأسرة عامر الجريدي إنه "مع تنامي استنباط الألعاب الافتراضية مع شيوع الهواتف الخلوية والإنترنت الذي أصبح هو بدوره الملعب الكبير للاعبين من مختلف الأصقاع، تراجعت الألعاب التقليدية التي كانت جزءاً من الحياة والتفاعلات الاجتماعية وتتخلل ممارستها تقوية العلاقات الاجتماعية وتسهم في التوازنات السيكو - اجتماعية باعتبارها نابعة من الإرث الثقافي اللامادي للمجتمع، ولعل الجيل المخضرم الذي واكب العصر السابق والحالي يدرك أهمية تلك الألعاب الآيلة للاندثار".
التماسك الاجتماعي
ويضيف الجريدي أن "الحاسوب بمختلف أنواعه (بدءاً من الهاتف) هو عامل خمول للجسم من جهة، وبلادة للأدمغة من جهة أخرى بالنسبة إلى عديد الألعاب الإلكترونية، من ثم تحد من التحفيز على التحصيل عبر المطالعة الورقية والحرص على التحصيل والاجتهاد، وينعكس ذلك القصور على مستوى التحصيل الدراسي للناشئة والشباب، من ثم فإن العصر الرقمي لا مهرب منه، لكن يجب حسن استعماله بما يحفظ تواصل التحصيل والتماسك الاجتماعي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب دراسات حول الألعاب الشعبية في تونس سجل أكثر من 200 لعبة مختلفة حسب العمر والجنس، وحتى البيئة، ومن أشهر الألعاب التي ما زال شيوخ المناطق الداخلية في وسط وجنوب تونس يلعبونها "الخربقة"، وهي لعبة لها شهرة عظيمة بين سكان البادية التونسية، ولاعبوها مشهورون، وهي تشبه إلى حد بعيد لعبة الشطرنج ولا تختلف عنها إلا في اختلاط حجارة الخصمين وأسمائها وتنقلاتها، ولا تزال إلى اليوم ملتقى كثير من الأطفال والشباب والكهول في الأسواق والشوارع والساحات العامة والمناسبات الثقافية.
وهناك لعبة "خناب الإبل" وهي لعبة يمارسها الأطفال الذكور تتعلق بالإغارة على الإبل في القبائل، وتصور اللعبة عملية نهب الإبل ومحاولة ردها من قبل أصحابها، حيث يمثل فريق أول من الأطفال دور إبل ترقد في مكان معين ويرقد إلى جانبها فريق ثانٍ يمثل أصحابها، في حين يؤدي الفريق الثالث دور اللصوص الذين يأتون من بعيد مستترين بالظلام ويسرقون الإبل ويسوقونها إلى مكان مخفي، ويجتهد أصحاب الإبل في إيجادها، وأثناء عملية البحث قد تدور بعض المعارك بينهم واللصوص باستعمال سيوف خشبية.
"كرة المعقاف" لعبة خاصة بالذكور تشبه لعبة الغولف، حيث تجمع بين فريقين بعدد غير محدد من اللاعبين يمكن أن يبلغ 20 لاعباً لكل فريق، وصورتها أن يتقابل الفريقان عند نصف المسافة بين المرميين لاختطاف الكرة ودفعها باتجاه المرمى.
"لعبة الشارة" هي التمرن على إصابة الهدف، ويمارسها الصغار والكبار، وصورتها بالنسبة إلى الكبار أن يوضع عود أو علامة في حجر على مسافة متفق عليها، ويصوب باتجاهها اللاعبون بنادقهم واحداً بعد الآخر، وقد يجعلون مكافأة بينهم غير النقود لمن يصيب الهدف أولاً.
في ذاكرة الناس
جل هذه الألعاب وغيرها العشرات لم تعد السبيل الأفضل للترفيه واللعب، بل أصبح معظمها من الماضي، لكن عديداً من منظمي المهرجانات الفلكلورية في تونس اهتموا باللعبة الشعبية كعنصر رئيس من عناصر الفرجة، على غرار مهرجان الصحراء الدولي بالجنوب التونسي، ومهرجان الجواد العربي الأصيل بمدينة المكناسي، وغيرها من التظاهرات التراثية.
في هذا الصدد يقول مدير مهرجان الألعاب الصحراوية بشني بمحافظة تطاوين جنوب تونس علي بلعيد، "هدفنا هو ترسيخ عشرات الألعاب الشعبية في ذاكرة الناس، وبخاصة الشباب الذي أظهر عديد منهم اهتماماً بها".
لكن بلعيد لم يخف أن سحر الألعاب الإلكترونية طغى على الألعاب التقليدية التي لم تعد وسيلة ترفيه يومية للشباب، مواصلاً "ممارسة هذه الألعاب في أوساط الشباب لم يعد لها وجود إلا في المهرجانات والتظاهرات".
أما الصحافية في إذاعة قفصة بوسط تونس سوار عمامدية، فتقول إن "شيوخ بعض المناطق لم يتخلوا عن بعض الألعاب الشعبية، وأهالي بعض المناطق في تونس تعودوا على رؤية مجموعات من اللاعبين في الأحياء والأسواق وفي الأعراس".