ملخص
هناك رابط بين الطبقة الاجتماعية وخيارات الأفراد، إذ تربط الدراسات الاجتماعية بصورة وثيقة بين مستوى الفرد المادي ومجموعة من الأنماط السلوكية والنفسية.
تتبدى الفوارق الطبقية بصورة واضحة في المجتمع الواحد عبر مظاهر عدة، بداية من ماركة الملابس وصولاً إلى غيرها من الممتلكات الأكبر، في حين يقول الباحثون في علم النفس إن الوضع الاجتماعي لا يتعلق فقط بالأموال التي نجنيها، والسيارات التي نقودها، والأماكن التي نرتادها فحسب، بل وبالكيفية التي نفكر ونشعر ونتصرف تبعاً لها.
الحقيقة أن هناك رابطاً بين الطبقة الاجتماعية وخيارات الأفراد، إذ تربط الدراسات الاجتماعية بصورة وثيقة بين مستوى الفرد المادي ومجموعة من الأنماط السلوكية والنفسية، لكن السؤال هو إلى أين يمكن أن تمتد هذه الفوارق، وهل يمكن أن تصل إلى مرحلة تعكس نوعاً مفضلاً من الرياضات بناءً على الطبقة الاجتماعية؟
سيكولوجيا الطبقة
في الأبحاث المبكرة لسيكولوجيا الطبقة الاجتماعية (فرع من فروع علم النفس الاجتماعي) صورت الطبقات الاجتماعية كصورة من صور الهوية الثقافية التي تشمل كلاً من الموارد المحسوسة لدى الفرد ورتبته الشخصية نسبة إلى الآخرين، وانعكاس الوضع الاجتماعي للفرد قياساً بالدخل والتعليم والمهن. إضافة إلى ذلك غالباً ما يستخدم مصطلحا الطبقة الاجتماعية والحال الاجتماعية والاقتصادية بالتبادل، إذ يميل كلاهما إلى التركيز على الموارد المادية للفرد، وعلى وضعه الاجتماعي بالنسبة إلى الآخرين.
وانطلاقاً من هذا الإدراك يجسد تجمع معين من الأفراد مجموعة من أفكار ومشاعر وسلوكات خاصة بفئة محددة يستمدونها من المعايير والقيم والتوقعات التي يتقاسمها المنتمون إلى الطبقة الاجتماعية المماثلة، ومن خلال العلامات المرتبطة بالطبقة تقوم مجموعة من المقارنات التي تقسم الأشخاص إلى فئات مختلفة من الطبقات الاجتماعية، وعليها تتولد مجموعة نتائج نفسية وسلوكية مختلفة بين الطبقات، وتتشكل على أساسها تصورات الأفراد عن حاجاتهم ورغباتهم، التي تصبح بدورها أساساً للفهم الشخصي للرتبة التي ينتمي إليها الشخص مقارنة بالآخرين.
الهوية الثقافية
بناء على هذه الهوية يختار الشخص الانخراط في علاقات ونشاطات تتواءم مع صورته الذهنية عن نفسه، فمن وجهة نظر سيكولوجية يؤثر الوضع الاجتماعي والاقتصادي في الفكر والمشاعر والسلوك والقدرة على الاختيار، والسبب أن القيم والمعتقدات تنعكس مباشرة على الاهتمامات والأنشطة فيتمتع الأفراد تبعاً للطبقات الاجتماعية بأذواق وتفضيلات وسلوكات شراء مختلفة، أي إن سلوك الفرد يتأثر بصورة كبيرة بالطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها عندما يتعلق الأمر بالتفضيلات والولاءات، فيعبر عنها من خلال ممارسات ثقافية مثل شكل استهلاك الطعام والأنظمة الغذائية والذوق في الفن والموسيقى واللغة والملابس، وحتى طرق التعبير عن الذات والتكيف مع الآخرين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غالباً ما ينضم الأفراد من طبقات اجتماعية معينة إلى نشاطات تتوافق وقيمهم وتطلعاتهم وتصوراتهم الذاتية ليبدأ الشخص المنتمي إلى طبقة اجتماعية عليا بتلبية تطلعاته ورغباته في تحقيق مكانة اجتماعية ترتبط بالفخامة والتفرد والهيبة، فمثلاً قد ينخرط في الأنشطة الترفيهية الراقية والسفر الفاخر، بينما تركز الطبقة العاملة على الخيارات العملية والفعالة من ناحية الكلفة، ففي حين يسعى المستهلكون المنتمون إلى الطبقة العليا باتجاه الاختيارات الفاخرة التي تبرز مكانتهم قد يعطي المنتمون إلى الطبقة العاملة الأولوية للقدرة على تحمل كلف اختياراتهم.
علم الاجتماع الرياضي
وفي حين كانت الأنشطة الرياضية في بعض المجتمعات حكراً على الطبقة العليا لفترات طويلة، يظهر علم الاجتماع الرياضي (أحد العلوم الرياضية الاجتماعية) وجود فرق في تفضيلات الألعاب والرياضة لدى الأفراد في ضوء الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها، ويتوقع ظهور هذه التفضيلات في مرحلة مبكرة من العمر، إذ غالباً ما تقرر الطبقة الاجتماعية الرياضات التي سيهتم بها أفرادها، أي إن هناك تأثيراً للطبقة الاجتماعية في التفضيلات الرياضية لدى الأفراد.
وجدت الدراسات أن الأطفال من الأسر ذات المستوى الأعلى أقل ميلاً إلى المشاركة في الرياضات التي تركز على العمل الجماعي والمجازفة والصلابة، مثل كرة القدم أو الملاكمة. من جهة أخرى لاحظت الدراسة اختلافات في الغرض من الرياضة ذاتها بالنسبة إلى الأسر، إذ تنظر العائلات ذات الدخل المرتفع إلى الرياضات الباهظة الثمن، التي تنطوي على كلفة عالية للمعدات أو رسوم المشاركة، على أنها على الخيار الأوحد، نظراً إلى ما تعكسه المشاركة بها من مكانة اجتماعية رفيعة، وغالباً ما يميل أبناء الطبقات العليا إلى الرياضات التي تؤكد الفردية والجماليات، وتلك التي تتطلب خصوصية معينة في الملابس والأدوات التي تكون مكلفة بصورة أو بأخرى، والتي غالباً ما تكون فردية مثل التزلج وركوب الخيل والتنس والغولف والسباحة، كما تتطلب خصوصية في المكان بحيث يقصد الشخص شواطئ أو مسابح أو نوادي أو ملاعب معينة، والمرد النفسي لهذا التفضيل هو رغبته في أن يكون بعيداً من اختيارات العامة وأهوائهم.
بينما يميل المنتمون للطبقات الأدنى إلى الرياضات الجماعية التي تتطلب قوة بدنية ولا تحتاج إلى كثير من المال لمتابعتها أو الانخراط بها، ويمكن ممارستها بالملابس المريحة اليومية، كذلك تتطلب في الوقت ذاته أماكن تتوفر في بيئتهم أصلاً مثل ساحات كرة القدم. في المقابل هناك أنشطة أخرى ليست حكراً على طبقة اجتماعية محددة مثل كرة السلة وكرة اليد وكرة الطائرة وكرة القدم أيضاً، إذ تتمتع بطبيعة محايدة تصلح لجميع الفئات.