"تعالوا نلعب" بأعلى صوته نادى أسامة على #أطفال مخيم جباليا في غزة، وكأنه إشعار لجميع الأطفال حتى يتجمعوا في ساحة #المخيم، كان يركض بين #البيوت المتلاصقة ويهتف باستمرار "يلا انزلوا… بدنا نلعب"، لم تمض دقيقة وتجمع الصغار حوله استعداداً لقضاء #أوقات_اللهو.
"شو بدنا نلعب؟" تساءل الصغار، وبدأوا يطرحون أفكاراً لألعاب تسليهم، "شو رأيك نلعب غميضة، أو شد الحبل، وإذا بدك ممكن نلعب في البنانير"، قال أحدهم مخاطباً أسامة ورفاقه الأطفال، الذين وافقوا في ما بعد على لعبة "شد الحبل".
لكن جميع هذه الاقتراحات لم تعجب الصغيرات، اللواتي شكلن فريقاً خاصاً بهن للعب إحدى الألعاب الشعبية الفلسطينية القديمة، "إحنا بدنا نلعب حجلة، وهاي اللعبة إنتوا ما بتحبوها"، قالت فاطمة لفريق الأطفال الذكور ثم غادرت بصحبة رفيقاتها إلى زقاق آخر في المخيم.
شد الحبل وغميضة
بدأ الفريقان باللعب وباتت أصوات ضجيجهم تعلو أكثر فأكثر، فالألعاب التقليدية لا تخلو من الصراخ والهتاف والضحكات العالية، وهذه حال مخيمات غزة، التي تشهد منذ ساعات الصباح الباكر حراكاً للأطفال وتستمر حتى مغيب الشمس.
أحضر فريق أسامة حبلاً طويلاً، ربط عند طرفه عقدة وبعد متر عقد عقدة أخرى واستمر كذلك حتى نهايته، ثم انقسم الأطفال إلى قسمين، أحدهما أمسك الحبل من اليمين والآخر من اليسار، وبدأوا بسحبه، تارةً يحركه الفريق الأيمن، ومرة أخرى يشده الفريق الأيسر.
على هذه الحال، أمضى أسامة مع رفاقه بضعة دقائق حتى تمكن من سحب الحبل بأكمله تجاهه، لم تكن هذه اللعبة منصفة بالنسبة إلى جميع الأطفال الذين اقترحوا تغيرها إلى لعبة "أم التخباية" أو كما تسمى في أحياء أخرى "الغميضة" التي تعتمد في قوانينها على اختفاء الأطفال ثم يقوم أحدهم بالبحث عنهم.
كان منزل الجدة هدية نقطة انطلاق لعبة "الغميضة" ووقع الاختيار على أسامة ليكون أول مَن يجري البحث عن 15 طفلاً يلعب معهم، على وجه السرعة أدار وجهه نحو الباب وأغمض عينيه، وبدأ يعد "عشرة، عشرين، ثلاثين…. مئة، فتّح يا ليمون" جاء صوت أحدهم بنغمة "لسى". أعاد أسامة العد من جديد "فتّح يا ليمون" حتى سمع من بعيد "خالويص" فانطلق بالبحث.
ألعاب بلا كهرباء
بين أزقة المخيم المتشعبة بلا حدود، بدأ أسامة يبحث عن رفاقه الأطفال حتى وجدهم، وحينها قرروا مجدداً تغيير اللعبة، فقال أحدهم "الآن سنلعب البنانير" (الكرة الزجاجية الصغيرة متعددة الألوان وتُسمى أيضاً الكلّة)، وافق الجميع من دون تردد فهذه اللعبة تجذبهم ويفضلونها.
بصوت طفولي مرتفع يقول أسامة "هذه الألعاب ممتعة ولا تحتاج إلى كهرباء، مثل ألعاب الكمبيوتر بدها كهرباء، وبتقطع كتير، فش غير هذه الألعاب وفيها نستمتع ونضحك ونتسلى".
شكل الأطفال فريقين، كل واحد من ثلاثة لاعبين، ثم حفروا حفرة بحجم قبضة اليد وبدأوا في تصويب "البنانير" نحوها من على بُعد أمتار محددة يتفق عليها اللاعبون، التحدي الأبرز في اللعبة، هو القدرة على التصويب، والنجاح في توصيل "البنانير" إلى هدفها، وذلك من خلال شبك الأصبع الأوسط بالإبهام، وقذف "البنانير"، ومن ينجح في وضعها في تلك الحفرة سيحظى بالكرات الزجاجية الموجودة داخلها، ويكون له نصيب بدء الشوط التالي من اللعبة.
الفتيات يفضلن "الحجلة" و"نط الحبل"
وبينما كان الأطفال يلعبون، كانت فاطمة تقفز بقدم واحدة، والأخرى مرفوعة في الهواء، فوق مستطيل كبير مرسوم على الأرض ومقسم داخله إلى مربعات صغيرة، وتحرك بقدمها قطعة حجر صغيرة، تراعي ألا تلمس الخطوط وألا تنزل قدمها صوب الأرض، كما تحاول عدم ملامسة الحجر لخطوط اللعبة.
على هذه الحالة قضت الفتيات ساعة، قبل أن يقررن تغيير اللعبة إلى "نط الحبل"، وهي الأخرى مفضلة لديهن، وبعدها لعبن "قيام جلوس"، التي تعتمد على التركيز في الحركة.
وقطع صوت الجدة هدية لعب الأطفال، إذ قالت إنه "وقت الغداء هلق، يلا كل واحد على بيته"، تفرق الأطفال لكن لم تنته ألعابهم. في المنزل بدأ أسامة برفقة إخوته في لعبة "حاكم جلاد" والتي تعتمد على أربع ورقات صغيرة مكتوب عليها "حاكم، جلاد، لص، وزير" ثم تجري قرعة ويختار كل طفل ورقة، ومن يمسك ورقة حاكم يقول "أين المتترطش؟"، فيرد عليه الوزير بكلمة "نعم" ليرد عليه الحاكم "أخرج لصك من بينهم" ثم يختار الوزير أحدهم إذا كان صواباً يحكم الحاكم على اللص وينفذ الجلاد الحُكم، وإذا أخطأ يحكم الحاكم على الوزير نفسه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكل وقت ألعاب معينة
في الواقع، تتنوع ألعاب الأطفال الشعبية خلال السنة وكذلك خلال اليوم الواحد، ففي الصيف يلعبون في الشارع وعادة ما تكون لعبة الطائرات الورقية أشهر وسائل الترفيه عنهم، أما في الشتاء فيكونون في المنزل وعادةً ما تكون ألعاب الورق هي المفضلة لديهم وأبرزها "الطرنيب". كما أنهم يلعبون في النهار ألعاباً تختلف عن الليل الذي عادةً ما يلعبون خلاله الشطرنج أو طاولة الزهر.
ومن أشهر الألعاب التي يمارسها الأطفال، "أولك يا اسكندراني، ودق الحابي، والسبع حجار، وطاق طاق طاقية، ورن رن يا جرس". وعادةً ما تنتشر هذه الألعاب الشعبية في المخيمات أكثر منها في المدن والمناطق الحضرية.
الألعاب هوية ودراسة
يقول إدريس جرادات مدير مركز سنابل للدراسات والتراث الشعبي الفلسطيني (منظمة غير حكومية) إن "الألعاب الشعبية تعد جزءاً من الموروث الثقافي، وإذا عملنا على تحليلها لوجدناها تشخص الواقع وما كان يعيشه أهلنا".
ويوضح جرادات أنهم علموا توثيق الألعاب الشعبية الفلكلورية، من خلال تجميعها وتحليلها وحفظها بكتاب يحمل اسم "الألعاب الشعبية الفلكلورية في فلسطين"، كما أن "هناك مساقات أكاديمية جامعية تدرس في قطاع غزة عن الدلالة التربوية للألعاب الشعبية". ويضيف "تمنح الألعاب الشعبية الثقة للأطفال للكشف عن مواهبهم وإبداعاتهم، والحلول التي يظهرونها للمشكلات التي يمكن أن تواجههم بعيداً من وجود الأهل وسرعة تصرفهم بحال حدوث شيء لأحدهم".