♦ الملخص:
شاب قوي الشهوة، خطب فتاة ذات خُلق، وطلبت منه مدة خمسة أشهر للتعارف، لكنه على عجلٍ من أمر الزواج، فاشترط عليها شهرًا، ويسأل: هل تفكيره صحيح؟
♦ التفاصيل:
السلام عليكم.
أنا شابٌّ في الثالثة والعشرين من عمري، شهوتي قوية جدًّا، حتى إني أربط نفسي في رمضان مخافة الصيام، أحتلم كل ليلة تقريبًا، أدعو الله منذ كنت في الثامنة عشرة من عمري أن يزوجني، حتى أكرمني الله بكل متطلبات الزواج، خطبت امرأة ذات خلق عظيم، وأثقلت عليَّ في المهر، لكني أخذت دَينًا من أمي، وأصبحت مستعدًّا، المشكلة أن البنت تريد أن تكون مدة الخِطبة خمسة أشهر، وأنا أريد أن ألقى الله متزوجًا، فاشترطت عليهم شهرًا، لكنها قالت: لا بد من التعارف، وخالتي ماتت منذ أسبوع، سؤال: هل التفكير بهذه الطريقة سليم أم هو ضلال؟ وهي تقول: يجب أن ترحمني ...؟ وأيضًا أريد أن أحيي سنة حسنة في تيسير الزواج، أنا من الأردن، وقد أصبح متوسط سن الزواج ثلاثين عامًا، فقلت لأمي: أريد حفلة متواضعة، ومهرًا قليلًا، وبغير صالون التجميل، ولا لبس العرس الخاص، مع العلم أن كلفة التجميل ولبس العرس تبلغ راتب شهرين، قالت لي: لا يوجد مثل الذي تقول، فقلت لها: ادعي الله لي أن أجد أو أهلِك؟ وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ أما بعد:
فملخص مشكلتك هو:
1- حاجتك الشديدة للاستعفاف.
2- خطبت بنتًا، وطلبتْ منك مهلة خمسة أشهر للتعارف، وأنت مستعجل على الزواج، وترى أن مدة شهر واحد كافية، وخيرتها بين القبول بذلك أو إلغاء الزواج.
3- أنت تريد زواجًا مختصرًا خاليًا من التكاليف الباهظة، وعادات حفلات الزواج، وما قد يحصل فيها من مخالفات شرعية وتكلفات مادية، بينما والدتك ترى أن توفر ذلك صعب، فقلت لها: ادعي الله لي أن أجد أو أهلك؟!
فأقول مستعينًا بالله سبحانه:
أولًا: تُشكر كثيرًا على حرصك للمبادرة للزواج لإعفاف نفسك، وتُشكر كثيرًا على مقتك للتكاليف الباهظة والعادات الدخيلة.
ثانيًا: ولكن ما دمت تعيش في مجتمعٍ تشرَّب بعض التكاليف والعادات، وأصبحت جزءًا معتادًا من الحياة، فقد يصعب التخلص منها كلها، ولكن سددوا وقاربوا، فتسامح في بعض المتطلبات العصرية، مع عدم الوقوع في المخالفات الشرعية الصريحة.
ثالثًا: طلب خطيبتك مدة خمسة أشهر للتعارف، قد تكون مدة طويلة خاصة على مثلك، ولكن لعلكم تتفاهمون بودٍّ على نصف هذه المدة أو أقل.
رابعًا: لا أدري ماذا تقصد هي بالتعارف؟ فإن كانت تقصد الجلوس معًا في خلوات، فهذا غير جائز شرعًا، إلا بعد كتابة عقد الزواج؛ لأنها ما زالت أجنبية عنك، وإن كانت تقصد مجرد تفاهمات بالجوال، فلا بأس، مع مراعاة الضوابط الشرعية في الكلام؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا ومعها ذو مَحْرَم))؛ [متفق على صحته]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم))؛ [متفق على صحته].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يخلون رجل بامرأة؛ فإن الشيطان ثالثهما))؛ [خرجه الإمام أحمد من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بإسناد صحيح].
خامسًا: يظن كثير من الخاطبين والخاطبات أن وضع مدة معينة للخطبة كفيلة بالتفاهم، وبنجاح الزواج، بينما التجارب أثبتت عدم صحة ذلك؛ لأنه في فترة الخطبة تحصل المجاملات والتصنعات وإخفاء العيوب، وكيل المديح للنفوس، وإظهار الأسود أبيضَ لماعًا، فإذا تم الزواج، تبخر ذلك كله، وظهرت الخفايا المستورات.
سادسًا: نظرًا لأن بعض المجتمعات ينظرون للمخطوبة قبل العقد، وكأنها زوجة حلال، فقد تقع مخالفات شرعية بينهما من خلوة وتوابعها؛ مما قد يسبب العقوبات الشرعية بمحق بركة الزواج، أو التنافر بينهما.
سابعًا: أعظم ما ينفع الخاطبين هو الآتي:
1- الإخلاص لله سبحانه.
2- المحافظة على الواجبات الشرعية.
3- الدعاء.
4- الاستخارة.
5- التأكد من حسن استقامة وأخلاق كل منهما عن طريق سؤال الثقات الأثبات.
6- صدق التوكل على الله عز وجل.
قال الله سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
ثامنًا: أرى إن كانت خطيبتك - كما قلت عنها - مقبولة دينًا وخلقًا ألَّا تُشدد عليها في الشروط، وأن تتفاهموا بود وحكمة؛ واعمل بالحديث الآتي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى))؛ [رواه البخاري].
تاسعًا: ولعل الأفضل لكما أن تبادرا بكتابة عقد الزواج حتى تُصبِح زوجة لك، وفي الفترة التي بين العقد والدخول بها تتفاهمون وتعرفون عن قرب طباع بعضكما، وتطمئنان لبعضكما، أو تتبين لكما حقائق أخرى، فتنصرفان بهدوء راشدين كاتمين لأسراركما.
حفظكما الله، ورزقكما الحكمة والبصيرة، والزواج السعيد.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.