كيف تطلق إصداراً جديداً من لعبة فيديو على شاكلة "غراند ثفت أوتو 5" "جي تي أي 5" Grand Theft Auto V (سرقة السيارات الكبرى 5)؟ منذ إصدارها عام 2013، باعت لعبة الجريمة وسرقة السيارات زهاء 200 مليون نسخة حول العالم. كانت الإشادة النقدية بها كبيرة وواسعة: فقد حظي عالمها الشاسع والمفتوح على الاستكشاف بترحاب كبير باعتباره علامة بارزة في عالم تصميم ألعاب الفيديو الإلكترونية، بيد أن الانتظار المحموم للجزء التالي من اللعبة امتد ما يزيد على عقد من الزمن. ومع كشف النقاب عن "جي تي أي 6"، أخيراً، بواسطة استوديو الألعاب "روكستار" Rockstar في مقطع ترويجي مذهل، يسعنا أن نتوقع أشهراً طويلة من الترقب المجنون، من المعلنين والمعجبين على حد سواء.
على الرغم من الإشادات البراقة الكثيرة جميعاً، التي حصدتها "جي تي أي"، طالما استهدف السلسلة جدل على أساس أنها لعبة سيئة تتنافى مع الأخلاق. لعبة "جي تي أي" الأصلية نجت من ادعاءات تقول إن العنف الإجرامي الذي تقدمه اللعبة في صورة باهتة مشوشة متدنية الجودة من شأنه أن يفسد الشباب السريعي التأثر (في الواقع، كان العقل المدبر وراء هذا الغضب خبير العلاقات العامة البريطاني والمدان بارتكاب جرائم اعتداء جنسي على الأطفال ماكس كليفورد في محاولة ناجحة لزيادة مبيعات لعبة الفيديو). سواء أكان الصراع العنصري (في الإصدار "جي تي أي: فايس سيتي" أو "مدينة الرذيلة" GTA: Vice City)، أو الجنس الفاضح (في الإصدار "جي تي أي سان أندرياس" (GTA: San Andreas، أو التعذيب والقيادة تحت تأثير الكحول (في الإصدار GTA IV "سرقة السيارات الكبرى 4")، بدا أن كل إصدار لاحق كان فاتحة لموجة جديدة من الاستياء والاستنكار. كي نكون واضحين: كثير من الانتقادات المحيطة بـ"جي تي أي" كانت ترقى إلى حد الذعر الأخلاقي. في الحقيقة، دحضت الدراسات الفكرة القائلة إن لممارسة ألعاب الفيديو العنيفة أي علاقة بالتحول إلى السلوك العنيف أو المعادي للمجتمع، لكن لا يعني ذلك أنه لا ينبغي على السلسلة واللاعبين أن يقوموا بتقييم ذاتي عميق لأنفسهم قبل إطلاق الإصدار "جي تي أي 6".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في الواقع، جزء من جاذبية "جي تي أي"، أو ميزة البيع الأساسية التي تتسم بها اللعبة، تكمن في فكرة الحرية. نعم، نحن إزاء قصة طويلة ومعقدة، ولكن العنصر الأساسي المثير للاهتمام في اللعبة يختصر في القدرة على التنقل في المدينة كما يحلو لك. التحرك بسرعة خيالية فوق منحدر؟ طبعاً. سرقة سيارة؟ لا تتردد في ذلك. الانخراط في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة؟ خالف القانون قدر ما تشاء. المشكلة أن الاحتمالات لا تنتهي عند هذا الحد. بعض الأمور الأخرى التي يسع شخصيتك القيام بها في "جي تي أي 6"، بمحض إرادتها: اقتراح وقتل عاملة في مجال الجنس، محاولة الوصول إلى موقع إلكتروني مخصص للمواد الإباحية المتعلقة بالأطفال (والوقوع في فخ الشرطة)، وتنفيذ عملية إطلاق نار جماعي.
الآن، ربما لا يعني كل ما سبق أي شيء. ليست اللعبة تأييداً للعنف الذي يشوب الحياة الواقعية، ولا يتحول المراهقون الأشبه بالملائكة إلى حياة الجريمة بسببها، ولكن الحقيقة المتمثلة في أنه في المستطاع استخدام اللعبة على هذا النحو تتعارض، كما يبدو واضحاً، مع حدود الحساسية والذوق الرفيع.
طالما توهمت "جي تي أي" بأنها لعبة ساخرة، أشبه بمرآة غير واضحة تقدم مظاهر التمييز الجنسي والعنف والرأسمالية المفرطة السائدة في الثقافة الأميركية المعاصرة في قالب كارتوني متطرف فج. إنها لعبة ساخرة، ولكن ليس تماماً. ولما كانت هذه "جي تي أي" تحملك على أداء دور مجرم قاتل مدجج بالسلاح، فإن المحاكاة الساخرة للواقع لا تلغي أبداً أنها لعبة فيديو تشجع على العنف. إنه الجمع بين الأمر ونقيضه أو في هذه الحالة، استخدام السخرية وفي الوقت عينه ترويع الراقصة المثيرة التي كانت مختبئة في اللعبة. إذا كان السلسلة ستتطور حقاً مع إطلاق "جي تي أي 6"، لا بد من أن تظهر المحاكاة الساخرة فيها بعض الرؤية الأكثر حرصاً، وأن تسعى إلى تحقيق ما هو أبعد من مجرد الفضيحة والغلو في العنف.
إذا ما أردنا أن نضع موضع التدقيق والمراجعة كون لعبة "جي تي أي" عملاً فنياً، ترفيهياً أولاً وقبل كل شيء بل فناً في كل الأحوال، لا يمكن استبعاد المعايير التي تسمح للاعبين بمحاكاة سلوكيات منحرفة. إنها جزء من النص. إذا كان في يدك دائماً، أثناء مشاهدة فيلم "العراب" Godfather، خيار إدراج مشهد إضافي تدخل فيه الشخصية مايكل كورليوني إلى مطعم "ماكدونالدز" وتروح ترمي الخناجر على الموظفين، يحق لنا القول إن سمعة الفيلم ستكون مختلفة بعض الشيء. كون "جي تي أي" لا تقدم أي مكافآت جزاء الاضطلاع بأفعال شريرة ولا تقتضي اللجوء إلى هذه التصرفات، لا يعني أنها يجب أن تفلت من التدقيق والتفحص والمراقبة لأنها سمحت للاعبين بالانخراط في هذه السلوكيات. طالما تراقصت "جي تي أي" في الخبايا الأكثر سوءاً في النفس البشرية. ربما عليها أن تتوقف عن ذلك الآن.
© The Independent