"وشوم ذكية" تتطلّب تعاونًا بين "العلماء والمهندسين والمصممين".. لمراقبة صحتك

منذ 1 سنة 144

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- يعتبر الوشم أحد أقدم أشكال الفنون، ويعود تاريخه إلى آلاف السنين، ومارسته العديد من الثقافات عبر تاريخ البشرية. ويعتقد بعض الباحثين الآن أن الجيل التالي من الوشم سيكون أكثر من مجرد علامات، وسيساعد على مراقبة صحتنا.

وشرح الدكتور علي يتيسن، الباحث بقسم الهندسة الكيميائية في إمبريال كوليدج لندن، أن صنع أصباغ "وشم ذكي" يمكن حقنها تحت الجلد بغية مراقبة بعض المؤشرات الحيوية في جسم الإنسان، يتطلب تعاونًا بين "العلماء والمهندسين والمصممين".

وأوضح يتيسن أنّ مفهومه يستبدل حبر الوشم التقليدي بـ"مواد وظيفية"، ما يستحدث "وشمًا يغيّر لونه استجابةً للمؤثرات الخارجية"، مثل تغيير مستويات السكر في الدم لدى مرضى السكري، أو مراقبة وظائف الكلى أو الكبد، أو تحذير الرياضيين من الجفاف.

بدأ يتيسن عمله كعالم أبحاث ما بعد الدكتوراه بكلية الطب في جامعة هارفارد. بالتعاون مع زملائه الباحثين في جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تبدّى لهم لأول مرة دليلًا على مفهوم يُسمّى Dermal Abyss، عام 2017. وبحسب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تغيّر لون أربعة أجهزة استشعار حيوية استجابةً لـ"ثلاث قطع من المعلومات البيوكيميائية في سوائل الجسم"، شملت مستويات الغلوكوز ودرجة الحموضة.

وقال يتيسين: "نأمل أن تكون هذه التقنيات المبتكرة منصة عامة من أجل الاستفادة من تقنيات التشخيص"، ضمنًا "مجموعة واسعة من أجهزة الاستشعار القابلة للزرع والحقن التي يمكنها الإبلاغ عن الحالة البشرية وعرضها في الوقت الفعلي".

حبر غير مرئي

فيما تركّز عمل يتيسن وفريقه على الجسم من الداخل إلى الخارج، يعمل مختبر أبحاث يديره الدكتور كارسون برونز على وشم ذكي للمساعدة في مراقبة العوامل الخارجية مثل الإشعاع، أو التعرض للأشعة فوق البنفسجية، السبب رئيسي لسرطان الجلد، الذي يُعد "أكثر أنواع السرطانات شيوعًا"، وفق جمعية السرطان الأمريكية.

وروى برونز، الأستاذ المساعد في مجال الهندسة الميكانيكية بجامعة كولورادو بولدر، أنّه حصل على أول وشم له عندما بلغ من العمر 19 عامًا، ما أثار حبه للفن الذي استمر معه وضمّنه بحثه.

في عام 2020، كان جزءًا من فريق نشر بحثًا عن وشم صغير حسّاس على الضوء يُطلق عليه اسم "النمش الشمسي"، ووصفه برونز بأنه عبارة عن "نقطة صغيرة مدعومة بأشعة الشمس". سيكشف الوشم غير المرئي عن نفسه لدى تعرّضه للأشعة فوق البنفسجية، كما هي الحال عندما يكون الشخص في الشمس لفترة طويلة، ويختفي عند وضع المزيد من واقي الشمس أو بعد الجلوس في الظل.

مقتنعًا بالسلامة حتى قبل إجراء اختبارات أوسع (لا توجد أحبار وشم معتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة، بحسب برونز، ويستخدم فريقه "موادًا غير سامة، وتتمتع بجودة طبية لها تاريخ طويل من الاستخدام الطبي الحيوي" في الأحبار الذكية، ووضع برونز العديد من الأوشام الشمسية للنمش، التي استمرت قرابة ستة إلى ثمانية أشهر قبل أن تتلاشى.

وأضاف برونز أنه منذ ذلك الحين، طور الفريق أصباغ وشم ذكية يمكن أن تبقى لمدة ثلاث سنوات في الحد الأدنى، ويمكن "تشغيلها وإيقافها" من طريق التحكم في مصدر الضوء.

يتم الآن تسويق التكنولوجيا من خلال شركة جديدة تسمى Magic Ink، بالشراكة مع برونز وزميلته العالمة جيسي باترفيلد وفنان الوشم الشهير المعروف باسم بانغ بانغ (Bang Bang).

وأفاد برونز أن هناك اهتمام من فناني الوشم لأسباب تجميلية وأيضًا للاستخدامات الصحية المحتملة، بشكل أساسي في مجال العلاج الإشعاعي. ذلك أن ملايين المرضى الذين يخضعون للعلاج الإشعاعي يحصلون على وشم صغير يساعد المعالجين بالإشعاع على تحديد المكان عينه أثناء كل علاج. ويوضح أن العديد من المرضى لا يريدون أن يكون الوشم بمثابة "تذكير دائم بتجربة مؤلمة".

وشرح برونز أنه عوض ذلك، باستخدام الحبر الذكي، "يمكنك الوصول وفي وسع معالجك الإشعاعي تسليط القليل من الضوء فوق البنفسجي، وتنشيط الوشم حتى يكون مرئيًا ويمكنه مواءمة الشعاع الإشعاعي". وتابع: "بعد ذلك، بعد الانتهاء من العلاج الإشعاعي بوقت قصير، يمكنه تسليط ضوء أبيض عليك ويختفي الوشم.. إلى المرة التالية".

وفاز برونز أخيرًا بجائزة أبحاث CAREER من مؤسسة العلوم الوطنية قدرها 605 آلاف دولار، منفصلة عن "الحبر الذكي، التي يقول إنها ستمول المزيد من الأبحاث حول السلامة العامة للوشم الذكي.

ضوء فحص المحرك

ورأى الباحثون إن ما يميز الوشم الذكي مقارنة مع التكنولوجيا القابلة للارتداء مثل الساعات الذكية أو أجهزة مراقبة الغلوكوز أنه لا يمكن اختراقه، أو نفاد البطارية.

من جهته قال الدكتور دانيال كرافت، مؤسس منصة NextMed.Health التي تجمع المبتكرين معًا بغية أن يتصوروا معًا مستقبل الرعاية الصحية، فإنّ "الوشم الذكي ما زال في مراحل مبكرة من تطوره، لكن مع تسارع وتيرة التقدم التكنولوجي، لديه القدرة على لعب دور مهم في الصحة والعافية، لا سيما مع تقلص التكنولوجيا، وتصبح البيانات والرؤى أكثر تخصّصًا واستباقية".

وأضاف في حديث له مع CNN: "يمكن أن يلعب الوشم المؤقت المنخفض التكلفة والمتعلق بالصحة دورًا في الفحص الصحي، وفي إعدادات الصحة العامة، والصحة العالمية منخفضة الموارد".

التحديات المستقبلية

وتوافق كل من يتيسن وبرونز على أن أحد التحديات يكمن بتقبّل الناس لهذه التكنولوجيا. فبالنسبة لبعض الأشخاص والثقافات، هناك وصمة عار حول وضع الوشم، بينما لدى البعض الآخر أسئلة حول سلامة الحقن تحت الجلد.

حتى الآن تم اختبار تقنية يتيسن على جلد الخنزير، وستتركز التجارب السريرية البشرية على مدى السنوات الثلاث المقبلة. وولأنه يعتبر أحد الأجهزة الطبية فمن غير المرجح أن تتمكن من حجز موعد في صالون الوشم المحلي، بل ستتجه إلى المستشفى حيث يمكن لطبيب الأمراض الجلدية حقن أجهزة الاستشعار الحيوية للوشم.

يتمثل التحدي الآخر بالتأكد من أن البيانات والرؤى دقيقة بما فيه الكفاية، ما يؤدي إلى "رؤى هادفة وقابلة للتنفيذ" للوقاية من الأمراض والتشخيص والعلاج، كما تقول كرافت، ولجميع أنواع البشرة ضمنًا ألوان البشرة الداكنة. ويضيف أن عقبة أخرى أمام قبول الجمهور الأوسع ستتمثل في إعادة تطبيق الوشم بشكل متكرر، حيث أنّ الوشم التقليدي غالبًا ما يتلاشى بمرور الوقت.