وسائل التواصل قتلت زمن البراءة بحسب كايت وينسلت

منذ 1 سنة 174

"[أقدم هذه الجائزة] للعائلات التي تشعر بأنها رهينة أخطار العالم الافتراضي، والآباء الذين يتمنون لو أنهم ما زالوا قادرين على التواصل مع مراهقيهم، وصغار السن الذين أصبحوا مدمنين على وسائل التواصل الاجتماعي وجوانبها القاتمة".

لقد اعتدنا على خطابات التقدير والشكر التي تفيض عاطفة من الممثلين والممثلات أثناء استلامهم للجوائز، لكن قلة منها جاءت مؤثرة بقدر خطاب كايت وينسلت أثناء استلامها جائزة "بافتا" 2023 عن المسلسل التلفزيوني "أنا روث"  I Am Ruth الذي يعرض قصة والدة وابنتها تحاولان اجتياز أخطار العالم الافتراضي.

أفهم شعور وينسلت جيداً. بسبب وجود فارق 20 عاماً بين أولادنا الخمسة، من البكر إلى الأصغر عمراً، اضطررنا إلى التأقلم بسرعة مع محاذير وأخطار غير مسبوقة حتى خلال "عصر البراءة"، أي زمن ما قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي. وكذلك كانت الحال حتى قبل أن تنتشر الهواتف الجوالة في الأماكن كلها. 

ثمة مثل على ذلك جسده ما حدث في تلك المرة حين كنا نقضي عطلتنا في ريف إيرلندا، إذ أعطيت أولادنا الأربعة الذين يوشكون على بلوغ المراهقة وجبة غداء وطلبت منهم أن يبقوا معاً ويتفادوا المياه ويعودوا إلى المنزل حينما يكتفون من البقاء في الخارج. وعاد ثلاثة منهم. قضينا بضع ساعات قلقين. ولم يخفف مدير مكتب البريد حدة توترنا أبداً حينما وجه إلينا جملته المليئة بالشؤم "كلا. إن هذا ليس آمناً على الإطلاق. آخر مرة اختفت فيها صبية في إيرلندا كانت منذ 30 عاماً على ما أعتقد". 

لا أنكر أننا كنا في ذلك الوقت أكثر تحرراً وأكثر صرامة من آباء آخرين، بطرق مختلفة. وشمل ذلك السماح للأولاد بمشاهدة التلفاز يوم الأحد ليلاً، إن تذكرنا ذلك. وتعلقت كل التحذيرات التي أعطيناها للكبار من أولادنا الأربعة، بالغرباء في الحدائق العامة أو بكيفية عبور الطرقات، وليس وسائل التواصل الاجتماعي. لم تكن موجودة حينها. أعطتهم جدتهم لعبة اسمها "خطر الغريب" Stranger Danger وعلمتهم ما علمناه جميعاً للأطفال في تلك الأيام، وهو أن لا تقبلوا أي هدايا أو توصيل بالسيارة.

بدأت التغييرات في سن المراهقة. بدت بعضها إيجابية. عانت ابنتنا من مشكلة نفسية حادة لدرجة جعلتها عاجزة عن مغادرة المنزل لفترة من الزمن. ولم يكن من تواصل اجتماعي متاح لها سوى الإنترنت. يمكننا أن نعتبره طوق إنقاذ لولا أخطاره المجهولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أرادت أن تسكن مع "صديقها الحميم" الجديد، بعد أن اقتصرت فترة المواعدة بينهما على الإنترنت حصراً. وتبين أنه يكبرها سناً بأكثر من الضعفين، ودين بجرم الاعتداء الجسدي البالغ، ومنع من التواصل من أولاده.  

ومن بين ردود الأفعال الهستيرية التي تلقيتها من كل أصدقائي، قدمت لي والدتي (في أواخر الثمانينيات من عمرها) النصيحة المنطقية الوحيدة. سألتها إن كان علينا أن ندعوه إلى منزلنا، فأجابت "طبعاً. ماذا يمكنك أن تفعلي غير ذلك؟" 

بعدها، جاء الصديق التالي [للابنة] إلى بيتنا آتياً من جامايكا، ثم خانها فور وصوله. 

وفي المقابل، امتلكت ابنتنا الأصغر هاتفها الخاص قبل بلوغها العاشرة من العمر. ومع ذلك، ظلت متخلفة عن أترابها بأعوام عدة. في مرحلة معينة، كانت الوحيدة التي لا تزال تستخدم الهاتف العمومي في المدرسة.

لست متأكدة إن كنا لنتمكن من الاستمرار والتطور [في العلاقة معها] من دون إخوتها الأربعة الأكبر.

أتذكر قصة عن فتاة عاشت تبعات الصداقات والتنمر حينما كانت في عمر الـ13، وهي قصة تلخص أخطار شبكات التواصل الاجتماعي جيداً. فلنسمها "جورجيا" ولنعتبر أن اسم صديقتها "مولي".

ساءت العلاقة بين جورجيا ومولي حينما دفعت الغيرة مولي إلى شن حملة تنمر على صديقتها. لحسن الحظ أن المدير تنبه للموضوع بسرعة وتعامل معه بحزم. وتمكنتا من التصالح قبل أن تنتقلا إلى ثانويتين مختلفتين.

لكن وسائل التواصل الاجتماعي أطلت برأسها من جديد، مع محافظة تلك المجموعة المحددة من المراهقات على تواصل دائم عبرها. وسرعان ما استأنف التنمر، بعيداً من أعين أي بالغين هذه المرة. لكن الحظ كان حليف جورجيا. وإذ حرضت مولي الصبيان وجهاً لوجه ضد جورجيا، فإن تلك المجموعة الافتراضية التي اقتصرت عضويتها على الفتيات الصديقات حصراً، أبدت حساسية أكبر [حيال ذلك التحريض]، وطلبن من مولي أن تكف عما تفعله.

اقتحمت كايت وينسلت عوالم السينما بفضل النجاح المدوي لفيلم تايتانك في العام 1997

استمرت جورجيا ومولي بتشارك أسرار لا تخبرانها لأي أحد آخر، بحسب ما تفعل الفتيات منذ فجر التاريخ، لكنهما استخدمتا وسائل التواصل التي لم يترعرع أي جيل سابق عليها، ولا يمكنه أن يفهمها. 

في إحدى الأمسيات المريعة، تواصلت والدة مولي مع جورجيا لتنقل إليها خبراً مأساوياً مفاده بأن مولي شُخصت إصابتها بالسرطان، ولا تريد أن يعرف أي أحد بذلك. بالتالي، فقد رجتها أن تحتفظ بالخبر لنفسها. 

بذلت جورجيا ما في وسعها من أجل دعم صديقتها، فأخذت تتصل بها مرات عدة يومياً وأحياناً في منتصف الليل. ووصلتها رسائل من منطقة زمنية أخرى، إذ باتت مولي الآن ترقد في عيادة متخصصة في الولايات المتحدة حيث اصطحبتها عائلتها كي تتعالج. ووجهت إلى جورجيا بعض الرسائل المباشرة من والدة مولي. وجاءت كتابات الأم ممتازة من ناحية الإملاء والقواعد (خلافاً لمولي).

جثم هذا السر كالعبء الثقيل على صدر جورجيا. وأثر في نومها ودراستها. ولعل الأسوأ أنه أضر بصحتها النفسية أثناء محاولتها التأقلم في مدرسة جديدة وعقد صداقات جديدة والنوم بعيداً من المنزل. لكن والدة مولي ظلت مصرة على الأهمية القصوى لأن لا تخبر جورجيا أي شخص عن الموضوع، حتى عائلتها.

انهارت الفتاة المسكينة في نهاية المطاف. خلال عطلة عيد الميلاد، لاحظت شقيقة جورجيا الأكبر منها سناً وجود خطب ما، وفي فورة من البكاء والرعب إزاء خذلانها لمولي ووالدتها، اعترفت جورجيا بأن صديقتها توشك على الموت.

وحثتها شقيقتها على أن تفاتح عائلتها بالموضوع، وتمكنت من إقناعها بذلك في النهاية. وهكذا كشفت القصة. 

كانت كلها محض كذب، إذ تمكنت مولي، بمساعدة خيالها الخصب ومهاراتها العالية، من اختراع القصة وانتحال شخصية والدتها أيضاً.

بالتالي، صار من الضروري مشاركة الموضوع مع المدراء الثلاثة، من المدارس القديمة والجديدة، إضافة إلى الشرطة. وقدّم تأكيد لجورجيا بأن مولي ستحصل على الدعم، لكن لم يسمح لها [جورجيا]، بكل قسوة، أن تعرف النتيجة. ولم يصل إلى جورجيا بعد ذلك أي خبر من (أو عن) مولي مجدداً.

إنها قصة حقيقية، لكنها ليست فريدة للأسف. نجحت جورجيا بتخطي الموضوع. لكن كثيرين غيرها لا ينجحون بذلك.

لا شك في أن الآباء لطالما حملوا على عاتقهم مسؤولية حماية أطفالهم. ويشمل ذلك حمايتهم من الدهس أو من الإصابة بالأمراض وأحياناً من الجوع أو البرد، فلا وجود لأي عصر ذهبي كانت فيه الطفولة من دون أخطار. حتى حينما كنت أنا طفلة.

في المقابل، غيرت وسائل التواصل الاجتماعي المهمات وصعبتها. لم يُفترض بالآباء أبداً من قبل أن يتحلوا بهذا القدر من السرعة والمرونة، ولا أن يتعلموا تلك الكميات من الأمور، وبهذه السرعة. ويرجع ذلك إلى وجود أخطار مخيفة تحدق بصحة الأطفال النفسية، إضافة إلى تلك التي تأتيهم من أنفسهم. ويشكل فيلم "أنا روث" إضافة ضرورية ومرحباً بها في هذا النقاش.

* آن أتكينز روائية وكاتبة ومذيعة.