في نهاية كل عهد رئاسي في لبنان تقام في كل مكان منه «جردة» حسابية لما لم يتحقق، ولما أُنجز. وتوضع الخسائر والأرباح تحت عنوان واحد هو «العهد»، سواء كانت مباشرة باسم الرئيس أو حزبه ومناصريه. وفي لقاءاته الصحافية عدد الرئيس عون إنجازات في مسائل رمزية، أو بيانات كتابية مثل «قانون الانتخاب»، أو المطالبة بإعادة النازحين السوريين، أو إقامة مركز الحوار الدولي في بلد لا يلقي سياسيون التحية على بعضهم البعض. في مقابل الرمزيات، هناك حقائق ووقائع صعبة أصابت البلد ولا مسؤولية للرجل فيها. فقد تكدست الكوارث الكبرى مثل انفجار 4 أغسطس (آب)، ووباء «كورونا»، وفي اللحظات الأخيرة من ولايته انتشرت الكوليرا، وتلاشت الليرة، وطوقت البطالة والعزلة السياسية البلد. ولم يجد الرئيس من يشكره في هذه الانهيارات المتتالية سوى دولة قطر، التي قام أميرها بزيارة بيروت لساعة واحدة، حضر خلالها مؤتمراً اقتصادياً، وعاد إلى المطار تاركاً وعداً بمليار دولار مساعدات، في بلد أهدر 65 مليار دولار من أجل أن يعمم الظلام والعتمة.
المشكلة أن الدول لا تعترف بسوء الحظ سبباً أو عذراً في قيادة الدول وحماية المصير. والرئيس لا يكف عن تحميل مسؤولية التردي للآخرين والتنصل من كل مسؤولية. وهو إنكار دائم رافق الدولة منذ بداية العهد. وللأسف هذا خلل هيكلي أدى إلى كل هذه الشقوق في الوطن الواحد والدولة الواحدة.
لم تحظ وثيقة في أي مكان بمثل هذا العدد من الصور، كما حصل للورقة إياها من الوسيط الأميركي آموس هوكستاين. والرئيس يضع الاتفاقية على مكتبه وهو يشرح بيده خطوط ومربعات وخلجان المنطقة الذهبية، مما يعد أهم نصر للعهد يودع به قصر بعبدا، الذي يغادره الرئيس اليوم في مهرجان من الفرح والأسى.
فهل يشعر الرئيس ومؤيدوه حقاً بالسعادة وهم يغادرون القصر الجمهوري؟ وماذا يعني المهرجان والبلد يُترك بلا رئيس، وبلا حكومة، وبلا سقف، أو قعر لليرة. يقول المثل كل أموال الدنيا لا تستطيع أن تشتري لك سيرة وماضياً. والجنرال عون كان يفضل على هذا الحشد الذي ينتهي في آخر النهار بضعة إنجازات يُذكر بها عهده بدل اتفاقية هوكستاين وحدها.
مهرجان يشبه احتفالات نهاية السنة في المدارس. زهور وبالونات ملونة ولافتات وشعارات تندد بالآخر بدل الاعتزاز بما تحقق. والآن وقد تم وداع الرئيس، سوف يبدأ البحث عن رئيس «توافقي»، لا ضعيف ولا قوي ولا معتدل. عربي الماضي، إيراني الحاضر، فرنسي الثقافة، أميركي الترسيم، روسي الدعم، برازيلي البن، سيرلانكي الشاي.
كان الحزب العوني يشكو دائماً من أنه يواجه «مؤامرة كونية» عليه. ومع ظهور مسبار «جيمس ويب» أصبح من الممكن البحث أكثر عن جذور المؤامرة على بعد 6500 سنة ضوئية.