ملخص
1.3 في المئة فقط من حالات الاغتصاب تشهد أحكام تجريم. لماذا لا يؤخذ العنف ضد المرأة على محمل الجد، على رغم وصفه بأنه مستفحل؟
في إحدى الأمسيات الماضية، جلست لمشاهدة الوثائقي الجديد الذي تعرضه شبكة "نتفليكس" بعنوان "كابوس أميركي" American Nightmare. تتناول السلسلة المكونة من ثلاث حلقات قضية أطلق عليها اسم "فيلم ’فتاة مفقودة‘ الواقعي" Gone Girl، إذ تجاهلت الشرطة المحلية حادثة اختطاف امرأة وما تلاها من ادعاءات بالاغتصاب باعتبارها كاذبة. بقيت متسمرة على الأريكة وأنا أتابع الحلقات الواحدة تلو الأخرى إلى أن وصلت إلى مقطع تقول فيه الضحية دينيس هاسكينز في مقابلة مؤثرة مع معدي الوثائقي: "ها أنا ذا، مأخوذة حرفياً في منتصف الليل، جرت سرقة جسدي وانتهاكه... لا أعرف ما الذي يجب أن يحدث لي، ما الذي يجب أن يحدث لأية امرأة حتى يجري تصديقنا".
أعادتني كلماتها لحادثة اختبرتها شخصياً، حادثة حاولت جاهدة تركها في الماضي.
وصلت الشرطة في غضون ساعة من طلبي المساعدة. يجلس رجل وامرأة قبالتي في غرفة المعيشة، ويفصل بيننا طبق ما زال نصفه مملوءاً بالمعكرونة المحشوة بالجبن والسبانخ. كانت الضابطة أول من استخدم كلمة "اغتصاب"، قالتها بسرعة وبنبرة تقريرية، كما لو أنها كانت تطلب قهوة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقعت الحادثة المذكورة قبل ستة أشهر بعد مغادرتي حفلة، كنت ثملة ومنتشية وذهبت إلى المنزل بمفردي بحسب ما أتذكر. لكن في ذلك المساء، وأنا أتناول المعكرونة، تلقيت مكالمة هاتفية من رجل التقيت به في تلك الحفلة وأصر على أنه مارس الجنس معي في تلك الليلة.
كانت هناك أسباب عدة تجعل الأمر مثيراً للقلق للغاية. أولاً، لأن هذا الرجل كان يعرف مكان سكني. ثانياً، أنني، ولأسباب مختلفة، قمت بحظر رقمه بالفعل، لكنه اتصل بي من رقم مختلف. وثالثاً، لأنني لم أتذكر وجوده في منزلي، ناهيك عن اقترابه من جسدي، وعندما أخبرته بذلك، صار حذراً وأنهى المكالمة. اتصلت بالشرطة حينها.
قالت الضابطة: "إذا كنت لا تتذكرين أنك مارست الجنس مع شخص ما، فهذا اغتصاب". هززت برأسي بصمت وهي تشرح الإجراءات. سيجري إعطائي رقم إحالة للجريمة وإيصالي بضابط متخصص في قضايا العنف الجنسي. سيتوجب علي الذهاب إلى مركز الشرطة لإجراء مقابلة مصورة. وكذلك ستجري مقابلة مغتصبي المزعوم. ستجمع الشرطة أي دليل متوفر (على رغم أن الأدلة ستكون ضئيلة نظراً إلى حدوث الاعتداء قبل فترة طويلة) وبعد ذلك سيبدأ التحقيق، وربما يفضي إلى محاكمة.
تأثرت بالكفاءة ومدى الجدية التي جرى بها التعامل مع ادعائي. نظراً إلى تعرضي لاعتداء جنسي من قبل وعدم إبلاغي عنه، بدا الأمر وكأنه الخطوة الصحيحة التي يجب اتخاذها هذه المرة. إجراء من شأنه حمايتي وحماية نساء أخريات ربما. خطوة قد تكون فارقة. وبعدما ودعت ضباط الشرطة ذلك المساء، شعرت بالثقة حيال الإجراءات. في الأقل كنت واثقة إلى أن تحدثت معي الضابطة المكلفة بشكواي بعد أسبوع.
كانت امرأة كبيرة في السن تتمتع بخبرة واسعة في هذا المجال، وأوضحت أن فرصتي في الإدانة ضئيلة للغاية، وأن خوض عملية الإبلاغ، تحت جميع الاحتمالات، يعني أنني سأضطر إلى استحضار التجربة مراراً وتكراراً، أثناء الإجابة عن الأسئلة الاستقصائية عن جسدي وعن أمر ربما حدث وربما لا. ففي نهاية المطاف، لم أكن بكامل وعيي في تلك الليلة، أليس كذلك؟
ستكون تجربة صعبة ومسببة للصدمة، بخاصة إذا لم أتمكن من تأكيد روايتي. ثم كانت هناك حقيقة أن ذلك الرجل سيكون طليقاً، بمجرد ما يسقط التحقيق إن حدث ذلك، وهو يعرف اسمي وعنواني وأنني اتهمته بالاغتصاب أيضاً. لذلك غيرت رقم هاتفي وتنازلت عن القضية.
التفاصيل التي تذكر في "كابوس أميركي" تفوق التصديق. عام 2015، اقتحم متسلل منزل دينيس هاسكينز وحبيبها آرون كوين في فاليجو بولاية كاليفورنيا، وقام بتخديرهما قبل اختطاف هاسكينز واحتجازها للحصول على فدية والاعتداء عليها جنسياً مرتين. تم استجواب كوين للاعتقاد بأنه قتل حبيبته وأخفى جثتها. عندما أطلق الخاطفين سراح هاسكينز فجأة بعد 48 ساعة، اتهمتها الشرطة ووسائل الإعلام المحلية بتدبير عملية الاختطاف متجاهلين الأدلة الحاسمة من أجل تصويرها كوحش ماكر قامت بادعاء عملية اختطافها لتوريط حبيبها لأن هذه القصة كانت أكثر إقناعاً. قصة سبق أن رويت في فيلم "فتاة مفقودة" Gone Girl الهوليوودي من بطولة بن أفليك وروزاموند بايك.
الحقيقة هي أن هاسكينز اختطفت على يد رجل يدعى ماثيو مولر. وهو محام متدرب في جامعة هارفارد وأحد جنود البحرية السابقين، ويقضي حالياً حكماً بالسجن لمدة 40 عاماً بعد إقراره بارتكاب جرائم سطو وسرقة وتهمتين بالاغتصاب. لكن ربما لما كان هذا الحكم ليصدر لولا ضابطة الشرطة ميستي كاراوسو، التي ألقت القبض على مولر لارتكابه جريمة اقتحام مماثلة حدثت بعد 10 أسابيع من اختطافه هاسكينز في بلدة دبلن القريبة في كاليفورنيا.
ثم ربطت بينه وبين حادثتي محاولة اغتصاب عام 2009 وسلسلة من الادعاءات باختلاس النظر. وفي حين لم توجه أي اتهامات لمولر على الإطلاق في هذه القضايا، إلا أن هناك أوجه تشابه بين القصص أدت في النهاية إلى عودة كاراوسو لهاسكينز، التي وجدت شعرها الأشقر على نظارات سباحة سوداء في منزل مولر.
في وقت لاحق، أظهرت وثائق توضح تفاصيل التحقيق أن سلطات إنفاذ القانون نظرت في المقام الأول إلى هاسكينز وكوين كمجرمين وليس كضحيتين. وأثناء وجوده في حجز الشرطة، قال كوين إن الخاطفين سيتصلون به على هاتفه. ومع ذلك، قامت الشرطة ببساطة بوضع الهاتف على وضعية الطيران ولم تقم بتشغيله حتى مساء اليوم التالي، عندما لاحظت مكالمتين فائتتين، واللتين، لو تمت إجابتهما، كانتا ستقودانهم للموقع الذي كانت هاسكينز محتجزة فيه. تقول هاسكينز: "لو راقبوا هاتفه بالفعل، لكان بإمكانهم إنقاذي من الاغتصاب الثاني".
إن مشاهدة كل هذا لأمر مزعج للغاية، وبشكل خاص لأن هاسكينز كما تتذكر في السلسلة تعرضت لاعتداء جنسي مرتين من قبل، لكنها لم تبلغ عن الحالة الأولى. وفي المرة الثانية، فعلت ذلك إلا أن ضابط الشرطة منعها من المضي قدماً. وكما نعلم الآن، في المرة الثالثة، لم يجر تصديقها. يظهر مقطع فيديو لهاسكينز أثناء استجوابها من سلطات إنفاذ القانون وهي تشرح تفاصيل عمليتي الاغتصاب لتواجه بالسؤال: "هل أحدثت أي ضجيج؟"
الأسئلة من هذا القبيل هي التي دفعت هاسكينز إلى إخبار صانعي الوثائقي، بيأس، بأنها لا تعرف ما الذي سيتطلبه الأمر، وما الأدلة المروعة المطلوبة، حتى يجري تصديق النساء.
بصراحة، أنا أيضاً لا أعرف الإجابة. لا تقوم خمس من بين كل ست نساء يتعرضن للاغتصاب بالإبلاغ عن الأمر. لكن يبدو أنه حتى تلك اللاتي يبلغن، نادراً ما يؤخذن على محمل الجد، وربما يكون هذا هو السبب وراء سحب ما يقرب من 70 في المئة من ضحايا الاغتصاب شكواهم ووقف التحقيقات مثلما فعلت أنا تماماً. وفي الوقت نفسه، من بين الحالات التي ينظر فيها، هناك عدد قليل فقط يؤدي إلى الإدانة، إذ أدى 1.3 في المئة فقط من حالات الاغتصاب إلى إنزال عقوبات في إنجلترا وويلز، وفقاً لأحدث البيانات.
لمشاهدة هذا يحدث في الواقع، ما عليكم سوى متابعة الأخبار. فقط في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قالت قوة شرطة ديربيشير إنها خذلت امرأة تبلغ من العمر 23 سنة، تدعى غريسي سبينكس، التي تعرضت للطعن حتى الموت على يد زميلها السابق، مايكل سيلرز، الذي كان يطاردها. سبق أن أبلغت سبينكس الشرطة عن سيلرز، معربة عن مخاوفها من أنه "مهووس" بها. لم يجر أي تحقيق وبعد بضعة أشهر قتلها.
في مكان آخر، كانت هناك القضية التي يدور حولها مسلسل "غير قابل للتصديق" Unbelievable الذي تبثه "نتفليكس"، وهو رواية درامية لجرائم اغتصاب متسلسلة وقعت في واشنطن وكولورادو وكشف عنها عام 2015، إذ اتهمت امرأة تبلغ من العمر 18 سنة رجلاً باغتصابها تحت التهديد بسكين، لتقوم فقط بسحب ادعائها بعد استجواب الشرطة. وبعد مرور سنوات، عندما لاحظت محققتان وجود نمط في قضايا الاغتصاب اللاحقة، ربطت الخيوط ببعضها والقبض على المغتصب في النهاية ووجهت اتهامات إليه بارتكاب جرائم متعددة بحق مزيد من الضحايا اللاتي كان من الممكن إنقاذ أجسادهن وسلامتهن العقلية.
إذا لم يكن تلك النساء، فنساء تعرفوهن. ربما تكونين أنت من بينهن. والعنف الذي نتعرض له جميعاً، ونلام عليه أو لا يجري تصديقنا بشكل منتظم عندما نتحدث عنه، يمتد على نطاق واسع. الأسبوع الماضي فقط، التقيت بامرأة كانت مضطرة إلى تغيير منزلها لأنها ورفيقاتها في السكن كن يتعرضن لمضايقات من مطارد كان يرسل رسائل تهديد عبر علبة البريد الخاصة بهن. كانت الشرطة ترفض القيام بأي تصرف "إلى أن يفعل شيئاً ما".
قالت السيدة: "يبدو الأمر كما لو أنهم ينتظرون أن تقتل إحدانا قبل أن يفعلوا أي شيء".
انتابني شعور بالهزيمة وأنا أشاهد "كابوس أميركي"، وبالغضب والرعب والدمار. لماذا لا يؤخذ العنف ضد المرأة على محمل الجد، على رغم وصفه بأنه مستفحل؟ يسخر منه المشرعون، ويروج له من صناع المحتوى على "يوتيوب"، ويستخدمه كتاب الأعمدة البارزون للتندر.
ولو غضضنا الطرف عن كراهية النساء، ربما يتمثل جزء من المشكلة في أن الناس لا يفهمون حقاً ما يفعله العنف الجنسي بالشخص ما لم يكونوا ناجين هم أنفسهم. بالنسبة إليهم، الاغتصاب هو مجرد مجموعة صغيرة من الإحصاءات واللقطات النمطية التي تصور رجالاً غرباء يجرون النساء إلى الأزقة – في الحقيقة معظم الجناة هم أشخاص معروفون بالنسبة إلى الضحايا - لكن الواقع مختلف تماماً.
يغير التعرض للاغتصاب الطريقة التي تتحرك بها في محيطك. تشعر وكأنك مغطى بالزجاج، وكل ما يتطلبه الأمر هو نقرة واحدة صغيرة حتى تتحطم، مما يترك ندبات على كل جزء منك. الطريقة التي ترى بها الأشياء وتسمعها وتشعر بها مختلفة تماماً. حتى الهواء يبدو أكثر كثافة ويصعب تنفسه، يكون كل نفس مصحوباً بثقل وانزعاج لم يكونا موجودين من قبل.
وفي بعض الأحيان تحاول معالجة الأمر بشكل أسرع مما ينبغي وتجد نفسك تتوقف تماماً. تكون حواسك دائماً في حال تأهب قصوى أيضاً، وجسدك هشاً وواهياً يتعرض للكدمات بسهولة شديدة. في بعض الأحيان، لا تشعر حتى أنه ملكك بعد الآن. ربما لم يعد جسدك.
عندما أنظر إلى الماضي، أشعر بارتياح لأنني لم أمض في تقديم شكواي. على حد علمي، فإن هذه التجربة لن تؤدي إلا إلى إعادة صدمتي، واستنباط ذكريات قديمة من الاعتداء السابق، وخلق ذكريات جديدة بسبب عدم تصديقي. لكن لا ينبغي أن يكون هذا هو الواقع الذي تواجهه الناجيات. لا يمكن أن يكون الحال كذلك.
ترتبط هاسكينز وكوين بعلاقة زواج سعيدة ولديهما طفلان، لكن من الواضح بالنسبة إلى أي مشاهد أن ما حدث سيرافق دينيس لبقية حياتها. إذا كان شيء واحد سيبقى عالقاً في أذهانكم من "كابوس أميركي" فليكن هذه المعلومة. ثم، وللتأكيد على خطورة هذه القضية، فكروا في التصريحات التي يزعم أن رئيس شرطة فاليجو، أندرو بيدو، أدلى بها لزملائه أثناء اطلاعهم على ما حدث قبل مؤتمر صحافي كان يخطط لتشويه سمعة هاسكينز خلاله، إذ قال: "أحرقوا تلك العاهرة".