في عهد أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان كانت بين القاضي محمد بن أبي ليلى وبين أبي حنيفة وحشة - أي (وقفة نفس) ومماحكات - ونتيجة لأنهما (دبلا كبد) ابن مروان بكثرة مشاحناتهما لهذا تركهما، ولم يتدخل للفصل بينهما على مبدأ (يا داخل بين البصلة وقشرتها ما ينوبك غير ريحتها).
ومما يروى: أنه ذات يوم كان ابن ليلى يجلس للحكم في مسجد الكوفة، فيُحكى أنه انصرف من مجلسه، فسمع امرأة تقول لرجل: يا ابن الزانيين، فأمر بها فأُخذت ورجع إلى مجلسه، وأمر بها فضُربت حدين وهي قائمة، فبلغ ذلك أبا حنيفة فقال: أخطأ القاضي في هذه الواقعة في ستة أشياء: في رجوعه إلى مجلسه بعد قيامه منه، ولا ينبغي له أن يرجع بعد أن قام منه، وفي ضربه الحد في المسجد، وقد نهى رسول الله عن إقامة الحدود في المساجد، وفي ضربه المرأة قائمة، وإنما تضرب النساء قاعدات كاسيات، وفي ضربه إياها حدين، وإنما يجب على القاذف إذا قذف جماعة بكلمة واحدة حد واحد، ولو وجب أيضاً حدان لا يوالَى بينهما، بل يُضرب أولاً ثم يُترك حتى يبرأ من ألم الأول، وفي إقامة الحد عليها بغير طالب، فبلغ ذلك بن أبي ليلى، فسيّر إلى أمير المؤمنين: ها هنا شاب يقال له أبو حنيفة يعارضني في أحكامي، ويفتي بخلاف حكمي، ويشنّع علي بالخطأ، فأريد أن تزجره عن ذلك، فبعث إليه ومنعه من الإفتاء.
وحيث إن أمير المؤمنين أيضاً لا يريد أن يتدخل في شؤون القضاء، فقد حوّل رجلاً وامرأته عندما يتشاكيان عنده، حوّلهما إلى القاضي كعب الأسدي، الذي خاطبته المرأة شاكية وقالت له: إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله، فطلب القاضي الزوج وأخبره بأنها تشكوه، فقال: أفي طعام أو شراب؟! فقاطعته المرأة وهي تقول هذه الأبيات:
يا أيها القاضي الحكيم رشده
ألهى خليلي عن فراشي مسجده
زهده في مضجعي تعبده
فاقض القضا كعب ولا تردده
فرد هو على القاضي:
زهدني في فراشها وفي الحجل
أني امرؤ أذهلني ما قد نزل
في سورة النحل وفي السبع الطول
وفي كتاب الله تخويف جلل
فما كان من القاضي (المنفتح النحرير) إلاّ أن يرد عليه بهذا الحكم، وبنفس (القافيه):
إن لها عليك حقاً يا رجل
نصيبها في أربع لمن عقل