أريد أن أقفز قفزة طويلة من العصر الأموي والعباسي والتهافت على (الجواري)، إلى عصر الأندلس ودولة الموحّدين، وألقي الضوء على أمير أو خليفة أحمل له الكثير من الإعجاب والاحترام، ألا وهو (عبد المؤمن بن علي الكومي)، الذي حكمها من مراكش عام 1147 حتى عام 1163، وفي عهده غدت دولة الموحّدين أعظم مما كانت عليه دولة المرابطين، لقد صارت حدودها الجنوبية بالصحراء الكبرى، ومن الغرب المحيط الأطلسي، ومن الشرق صحراء ليبيا – ومع الأسف لم ينصفه التاريخ كما يجب.
وذلك الرجل بنى عدداً من المساجد والمدارس وقرنها بالخدمة العسكرية دوماً، مع التمرين على فنون الحرب، ذلك أن عبد المؤمن كان يخشى أن يؤدي الانقطاع إلى العلم والدرس إلى إضعاف الهمم، وفتور الحماسة الحربية لدى الموحّدين. كما أنشأ مدرسة لتخريج رجال السياسة، وموظفي الحكومة، وقادة الجيش، وكان يجمعهم يوم الجمعة بعد الصلاة في قصره، ويمتحنهم فيما درسوا، ويوجه إليهم الأسئلة بنفسه تشجيعاً لهم على الاجتهاد، ولكي يجعل منهم رجالاً أكفاء قادرين على نفع البلاد في السلم والحرب، وفي أيام أخرى كان يمتحن تدريباتهم العسكرية، فيختبرهم في الطعن بالحراب والرمي بالقوس والسهام والمبارزة وركوب الخيل، وفي السباحة والمعارك البحرية في بحيرة أعدّها ووضع فيها سفناً كبيرة وصغيرة ليتدرب الشباب على قتال البحر، وقيادة السفن، والوثب على سفن العدو، ويقدم للمهرة الممتازين الجوائز الثمينة. وفي سنة (548هـ) لما اختلت أحوال الأندلس وطمع فيها الفرنجة، جهز عبد المؤمن جيشاً لدخول الأندلس، فأخذ الجزيرة الخضراء، ثم رندة، ثم إشبيلية، وقرطبة، وغرناطة، ثم سار بجيوشه، ونزل جبل طارق وسماه جبل الفتح، فأقام شهراً، ووفد إليه كبراء الأندلس وقام أحد الشعراء يقول:
ما للعدى جُنة أوقى من الهرب
أين المفر وخيل الله في الطلب؟
وأين يذهب من في رأس شاهقة
وقد رمته سهام الله بالشهب؟
حدث عن الروم في أقطار أندلس
والبحر قد ملأ البرين بالعرب
وعبد المؤمن كان فوق ذلك شاعراً حماسياً لا يُشق له غبار، وها هو يقول:
أقيموا إلى العلياء هُوج الرواحل
وقودوا إلى الهيجاء جُرد الصواهل
وقوموا لنصر الدين قومة ثائر
وشُدُّوا على الأعداء شدّة صائل
بها نفتح الدنيا بها نبلغ المُنى
بها ننصف التحقيق من كل باطل
فلا تتوانوا فالبدار غنيمة
وللمدلج الساري صفاء المناهل
فما العز إلّا ظهرُ أجرد سابح
يفوت الصبا في شدّة المتواصل
بني العم من عليا هلال بن عامر
وما جمعت من باسل وابن باسل