الجواري في قصور أمراء المؤمنين ظاهرة متعارف عليها، وهناك بعض الروايات عن تلك الظاهرة، ففيها أحياناً ما يمتع ويسر، وها نحن ننبش ما رواه الأوائل، ومنها:
أُدخل يوماً على المنصور جاريتان فأعجبتاه، فقالت الخبيثة التي تريد أن تستأثر به، وهي التي دخلت عليه أولاً: يا أمير المؤمنين، إن الله فضّلني عليها بقوله: (والسابقون الأولون)، فردت عليها الثانية الذكية: بل أنا الذي فضّلني بقوله: (وللآخرة خير لك من الأولى)، فما كان من المنصور إلّا أن يحتوي الثانية، ويترك الأولى (تقشر بصل)، ومما يُروى كذلك:
أن المأمون غضب يوماً على عبد الله بن طاهر، فأراد بن طاهر أن يقصده، فبعث له صديقاً برسالة مقصورة على السلام، وفي حاشيتها كلمة واحدة لا غير، وهي: (يا موسى)، فجعل يتأملها ولا يعلم ما تعني، ويبدو أن الجارية قد قرأتها –وكانت بنتاً فطنة (تفهمها وهي طايرة)، فقالت له: إنه يقصد الآية الكريمة التي تقول: (يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك)، فتيقظ عن قصد المأمون، وعرفاناً منه للجارية أعتقها لوجه الله.
ومما يُحكى عن الهيثم قال: حجت الخيزران زوجة المهدي، فعلم عنها أبو دلامة، فأسرع بالسير حتى وصل إلى موكبها، فوقف يصيح عليها بأعلى صوته: أنا أبو دلامة، قالت: سلوه ما أمره، فقالوا له: ما أمرك؟ فقال: أدنوني من محملها، قالت: أدنوه، فأُدني، فقال: أيتها السيدة، إني شيخ كبير، وأجرك فيّ عظيم، قالت: فلماذا؟! قال: أن تهبيني جارية من جواريك تؤنسني وترفق بي وتريحني من عجوز عندي قد أكلت رفدي، وأطالت كدي، وقد عاف جلدي جلدها، وتمنيت بُعدها وتشوقت فَقدها. فضحكت الخيزران وقالت: سوف آمر لك بما سألت – ولكن يبدو أنها نسيت - فلما رجعت وخرج معها إلى بغداد فأقام، ثم دخل على أم عبيدة حاضنة موسى وهارون، فدفع إليها رقعة، كتبها للخيزران، فطلب منها وترجاها أن تعطيها لها، وفيها هذه الأبيات:
أبلغي سيدتي بالله يا أم عبيده
ليس في بيتي لتمهيد فراشي من قعيده
وعدتني قبل أن تخرج للحج وليده
غير عجفاء عجوز ساقها مثل القديده
كلما أخلقن أخلفت لها أخرى جديده
وجهها أقبح من حوت طري في عصيده
فلما قُرأت عليها الأبيات ضحكت واستعادتها منه لقوله: (حوت طري في عصيده)، وجعلت تضحك ودعت بجارية من جواريها فائقة الجمال، مع آلاف الدنانير، ووهبتها له – ولا أستبعد أنه من شدة فرحته أخذ يرقص (على وحدة ونص).