واجهات المباني في المغرب معرض للفوضى و"التلوث البصري"

منذ 1 سنة 132

يروج بين المغاربة مثل يقول "الوجه المشروك عمرو ما يتنقى" أو "الوجه المشروك عمرو ما يتغسل"، ومعناه أن "الوجه المشترك في العادة يكون متسخاً أو لا يقبل الغسل"، وكذلك حال واجهات البنايات السكنية المشتركة في المغرب التي تتسم في الغالب بالفوضوية والعشوائية و"قلة الجمالية".

وعلى رغم محاولات رسمية ومدنية تروم إنقاذ "ماء وجه" المباني والعمارات السكينة، إما بمنع المظاهر المسيئة والمخلة بجمالية البنايات، أو بإلزام السكان اعتماد طلاء موحد وألوان موحدة، إلا أنه في كثير من المدن لا تزال الواجهات السكنية تستدعي كثيراً من الجهد لتحويل "القبح" إلى "جمال".

جمالية غائبة

في المدن الكبرى بالمغرب مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش وغيرها، تطل العمارات السكنية التي تضم "ملكيات مشتركة" بوجه يراه كثيرون خالياً من الألوان المبهجة، بل حاملاً لكثير من المظاهر المنفرة والمسيئة لجمالية هذه المدن الضخمة.

وهكذا تتناسل الصحون الهوائية ليس فوق سطوح العمارات السكنية فقط، بل حتى في واجهاتها وشرفاتها أيضاً، الشيء الذي يجعل منظر هذه الفضاءات العمرانية غير مريح للعين، ويحولها إلى مشهد فوضوي بامتياز. وعدا تثبيت الصحون الهوائية واللاقطات الهوائية في واجهات وشرفات الشقق السكينة في العمارات، يكثر تعليق وتنظيف الزرابي والملابس في النوافذ، أو نفض السجادات والأثاث في الدرج والممرات داخل العمارات.

يقول في هذا الصدد منير رابوني، وكيل اتحاد الملاك المشتركين (السانديك) في إحدى الإقامات السكنية بمدينة سلا، إن من مهمات "السانديك" وفق الفصل الثالث من القانون الأساسي للإقامة "تطوير هذه المساكن من حيث الجمالية والبيئة".

واستطرد بأنه حسب تجربته، عديد من السكان لا يلتزمون توجيهات الاتحاد وتوصياته، إذ يصرون على وضع الصحون الهوائية في الواجهات والشرفات، ويعلقون الملابس في الشرفات، والزرابي في الأسطح، أو يغيرون من شكل وحجم النوافذ.

ويكمل بأن هذه السلوكات والتصرفات تشوه جمالية العمارات السكنية، بالتالي جمالية الحي ومن ثم المدينة نفسها، وأن تحجج البعض بضيق مساحة الشقة مجرد ذريعة واهية، مردفاً أن "هناك قضايا عدة وصلت إلى المحاكم بسبب هذه التصرفات، غير أنها تأخذ وقتاً قبل حسمها". 

منع حكومي  

أمام وضعية عديد من واجهات المساكن والعمارات المتسمة بالفوضى وعدم التناسق الجمالي، سبق للحكومة المغربية أن أصدرت مرسوماً في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، يحظر على قاطني الشقق ذات المساحات المشتركة من وضع صحون هوائية أو لواقط هوائية على الشرفات والنوافذ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتنص المادة 13 من المرسوم الحكومي ذاته، على أنه "لا يجوز تثبيت الأجهزة المستقبلة للبث التلفزيوني مثل الهوائيات أو الصحون في واجهات البناية أو شرفاتها"، تحت طائلة أداء غرامة مالية، في محاولة لمنع ظاهرة تثبيت الصحون الهوائية في غير أماكنها.

وتورد (المادة 11) من المرسوم نفسه الذي سبق أن وقعه وزير الإسكان آنذاك محمد نبيل بن عبدالله، أنه "يمنع القيام بأي عمل من أعمال التنظيف المنزلي مثل تمشيط ونفض السجاد والفرش والأثاث في الدرج والممرات والأقبية".

وفي محاولة لمنع بعض مظاهر الأوساخ التي تلطخ جدران المباني والعمارات السكنية على وجه الخصوص، نصت المادة 19 من المرسوم الوزاري نفسه على "منع صرف المياه الناتجة من التنظيف من خلال النوافذ والشرفات".

في المقابل تمنع الوثيقة الرسمية ذاتها، إيواء الكلاب الشرسة وجميع أصناف الحيوانات الخطيرة في هذه العمارات السكنية ذات المساحات المشتركة مثل الدرج أو المصعد، حفاظاً على سلامة المبنى السكني ونظافته، كما حثت الملاك المشتركين على التقيد بقواعد الصحة والنظافة.

ويعلق منير رابوني، وكيل اتحاد الملاك المشتركين، على هذه التدابير الرسمية بالقول إنها "تظل في الغالب حبراً على ورق لعدم تطبيقها وتنزيلها على أرض الواقع إلا في ما ندر"، عازياً ذلك إلى "تعقد المباني السكنية واكتظاظ العمارات، وصعوبة تتبع جميع الحالات من طرف أعوان السلطة المكلفين".

"هي فوضى"

إضافة إلى إشكالية تشويه جمالية العمارات والمباني السكنية بالصحون الهوائية وتعليق الملابس في الشرفات والنوافذ، تظهر للعيان أيضاً مشكلة عدم تناسق ألوان الواجهات، إذ لا يتفق السكان على لون واحد ولا يلزمون ذلك إلا عند شن حملات موسمية لفرض ذلك.

يقول في هذا الصدد الباحث الدكتور محمد شقير، إن بعض المدن المغربية، مثل شفشاون أو طنجة في الشمال أو مراكش وورزازات وغيرها من مدن الجنوب حافظت على انسجام ألوان واجهات مبانيها بشكل يكرس الهوية البصرية لهذه المدن ويحافظ على هويتها، حيث تنعت شفشاون بالمدينة الزرقاء، ومراكش بالمدينة الحمراء. وأردف أنه بخلاف هذه المدن، فإن مدناً أخرى بخاصة الدار البيضاء تتسم بتشوه جماليتها، جراء عدم انسجام ألوان واجهات مبانيها، حيث يلاحظ تنافر ألوان هذه المباني، بعد أن تركت السلطات المحلية في هذه المدن المجال للسكان لطلي واجهات العمارات والمنازل بألوان مختلفة من الأبيض إلى الأحمر إلى البني، بشكل أفقد المدن هويتها البصرية، الشيء الذي تجسده بجلاء مدينة الدار البيضاء.

ويتابع الباحث المهتم بشؤون الدار البيضاء أن "هذه المدينة كان يفترض أن تصبغ واجهاتها باللونين الأبيض والأزرق على غرار المدن الساحلية، لكنها تعيش فوضى ألوان تشوه الجمالية المعمارية، فضلاً عن استفحال ظاهرة اتساخ واجهات عديد من المباني، وعدم صيانتها بشكل منتظم.

وشدد شقير على أن السلطات المحلية تتحمل مسؤولية صباغة واجهات المباني، سواء الإدارية أو الخاصة، بلون موحد ووتيرة منتظمة من خلال تكليف شركات لصباغة تابعة لهذه السلطات تقوم بهذه المهمة، وذلك على غرار ما تقوم به شركات النظافة التي يتم التعاقد معها". وتحاول سلطات عدد من المدن، بخاصة الدار البيضاء، حث سكان العمارات السكنية على وجه التحديد على صباغة الواجهات باللون الأبيض ليناسب اسم المدينة، كما أنها توجه إنذارات إلى المماطلين أو الرافضين تحت طائلة أداء غرامات مالية.