أن يشاهد المرء رياضة الهوكي على الجليد أو على العشب فهذا أمر مألوف في كثير من بلدان العالم، لكن ممارسة الهوكي على الرمال بواسطة عصي معقوفة ولاعبين حفاة ضمن طقوس شعبية فلا تشاهد سوى في منطقة محاميد الغزلان الصحراوية بالجنوب الشرقي للمغرب.
متحف الهوكي في بريطانيا يفيد بأن لعبة الهوكي على الرمال قديمة جداً، وتمارس في بعض الدول مثل إثيوبيا وتسمى "جينا"، وفي تونس وتسمى "أوجاف"، أما في المغرب فتسمى "المكحاش" أو "هوكي الرحل"، ويعود أصلها إلى مئات السنين.
منافسة على الرمال
يهرول سبعة شبان بملابس صحراوية وسط ملعب رملي وهم يتأبطون عصياً يضربون بها كرة من صوف أو وبر، ويحاولون تحت أنظار "الشيخ" (الحكم) أن يصلوا إلى خلف خط الفريق الخصم، وسط تشجيعات الجمهور المتحلق حول الملعب الشعبي.
يتلقى لاعبو كل فريق، الذي يتكون من سبعة أو عشرة لاعبين أحياناً، كرة مصنوعة من الصوف أو من وبر الإبل، يضربونها يمنة ويسرة بواسطة عصي الشجر المعقوفة الشكل. وفي أجواء من التنافسية والتشويق يبحث كل فريق عن نيل نقاط أكثر أمام غريمه بمحاولة إيصال الكرة إلى الخط المقابل المرسوم للفريق الخصم، بينما الجمهور يشجع الفريقين معاً.
مثل أية مباراة أخرى يحتكم الفريقان للحكم ويسمى "الشيخ" في لعبة "هوكي الرحل" أو "هوكي نوماد"، وعندما يحدث أن تمس الكرة رجل اللاعب يعلن عن خطأ ويسمى "بردت"، أما الهدف فيسمى "ورعت"، وبعده تنطلق احتفالات اللاعبين والجمهور.
لعبة "الهوكي على الرمال" بهذه الطريقة الشعبية التراثية تمارس بشكل رئيس في منطفة "محاميد الغزلان" التي تلقب بروح الصحراء المغربية، وتتبع إدارياً إقليم زاكورة، واشتهرت بجذبها لعشاق السكون والرمال والطبيعة الصحراوية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويواجه "هوكي الرمال" الذي اشتهر به الرحل في الصحراء للتباري والتسلية بعد العناء والكد اليومي، مصير الاندثار بمرور السنوات، وجراء تغييرات المجتمع الصحراوي نفسه، فضلاً عن التحولات التي طرأت على تركيبة الرحل بدورهم.
في محاولة لإنقاذ هذه اللعبة من الانقراض والنسيان، يحاول عدد من شباب المنطقة مزاولة "هوكي الرمال" من أجل إضفاء شيء من الحيوية على المكان، وأيضاً لتعليم الأجيال الصغيرة هذه اللعبة التراثية العريقة بالمغرب.
في هذا الصدد ينظم نشطاء في المنطقة مهرجانا دولياً خاصاً بالرحل يحضره السياح من كل حدب وصوب، وقد بلغ دورته الـ19 هذا العام، وانتهت فعالياته قبل أيام خلت، وشكلت الدورة الأخيرة من المهرجان فرصة سانحة لإحياء عدد من الطقوس والعادات التراثية العريقة للبدو الرحل، منها إعداد الخبز على الرمال أو ما يسمى في المنطقة "ميلة"، علاوة على التباري في سباق الهجن، وإقامة عروض وورشات وندوات حول نمط عيش الرحل بالمغرب.
نمط عيش الترحال
يقول نور الدين بوكراب مدير المهرجان الدولي للرحل، إن نمط عيش الترحال يعد أول نمط معيشي مارسه الإنسان على وجه الأرض، بالتالي فهو يختزن تجارب الإنسان في هذا الكون ليصبح بمثابة حاضنة أو ذاكرة للبشرية.
وأفاد بوكراب لـ"اندبندنت عربية" بأن الإنسان يعتبر ابن بيئته، والرحل كانوا محتاجين لخلق ألعاب للترفيه وأيضاً للتباري والمنافسة وإحداث أجواء من الفرجة، فضلاً عن الاحتفاء بصنع الأبطال لأن هذه المجتمعات كانت بحاجة إلى هذه الشخصيات الرمزية.
ولفت إلى أن لعبة "المكحاش" أو "هوكي الرمال" بسيطة وتنطلق من نمط عيش الرحل البسيط، إذ كلما تنقل الفريك (مجموعة من الناس) وأرادوا الترفيه عن أنفسهم من عناء السفر يحضرون كبة من الصوف أو وبر الإبل أو فراء الماعز، ويبحثون في الطريق عن عصي معقوفة الشكل تليق بلعبة الهوكي، يقطعونها من شجر الطلح أو شجر الأتل (الكناريس)، كما أنها لعبة لتصريف وتنفيس الشحنات النفسية السيئة لدى الشباب.
وأبدع الرحل في عدد من أمور الحياة من قبيل اختيار السمن في ربوع الصحراء الشاسعة. يقول بوكراب في هذا السياق "يبني الرحل خياماً مما يتوافر حولهم من وبر الإبل لكي تكون سهلة التنقل".
وشدد مدير المهرجان الدولي للرحل على أن الإنسان كان يعيش في تناغم مع محيطه وبيئته، ولا يشتط أو يبالغ في ذلك، حيث يأخذ من بيئته ما يكفي لسد حاجاته الاجتماعية والنفسية وعديد من رغباته المختلفة.
وبخصوص طريقة طهي الخبز على الرمال، سجل بوكراب أن الرحل يتنقلون باستمرار، ولا يستطيعون بناء فرن، لهذا أبدعوا في استثمار توافر الرمال الساخنة لطهي الخبز تحتها، وهي مهمة يبدع فيها الرجال أيضاً بشكل لافت.
واسترسل المتحدث "التنقل عادة ترتبط بحياة الرحل بشكل يومي أو فصلي، لهذا فهم مضطرون لتطوير مهاراتهم حتى تلائم طريقتهم في الأكل، وكلما تنقل "الفريك" أو الجماعة، يقوم الرجل بإعداد العجين ويشعل الحطب ليسخن الرمل، ويترك ذلك ليعين أسرته في بناء الخيمة، وفي ظرف ساعة يتخمر العجين وتصبح الرمال ساخنة لطهي الخبز من دون انتظار فرن.
في مواجهة الاندثار
جميع هذه العادات التراثية للرحل، خصوصاً "هوكي الرمال" أو خبر الرمال وسباق الهجن، سارت نحو الاندثار جراء عديد من الإكراهات والتغيرات المناخية، ليأتي المهرجان الذي ينعقد كل سنة في محاميد الغزلان كمحاولة لإحياء عادات الرحل.
يرى بوكراب أن المهرجان الدولي الذي يتسم بإشعاع عالمي يروم ربط الأجيال الشابة الحالية بتاريخها وأصولها وهويتها وعاداتها، ووصل الحاضر بالماضي من أجل المستقبل.
ويكمل مدير المهرجان "هناك طلب وإقبال كبير على هذه الأنشطة التقليدية من طرف عشاق السفر والمهتمين بحياة البداوة والترحال"، مشيراً إلى أن "عدد زوار المنطقة يخلق دينامية اقتصادية، كما أن الأجيال الناشئة بدأت تمارس هذه الألعاب بالتوازي مع ما هو جديد وما تتطلبه الحياة العصرية".