هوس التجميل أو هل سيصبح الجميع بوجه واحد؟

منذ 6 أشهر 77

ملخص

مع توحيد المعايير الجمالية في العالم وانتشارها بفضل مواقع التواصل الاجتماعي... أصبحت عمليات التجميل تخلق وجوهاً متشابهة في عالم غاب فيه تقدير الجمال المتنوع

ألقوا نظرة على الوجوه من حولكم. هل لاحظتم شيئاً؟ هل انتبهتم إلى أن رسمة عيون الناس جميعاً مائلة إلى أعلى بالطريقة نفسها باتجاه منبت الشعر؟ هل لاحظتم الشفاه المرسومة بتناسق ودقة؟ والخدود التي تبرز بقوة من تحت الجلد؟، ربما لم تلاحظوا أياً من هذه الأشياء، في هذه الحالة فأنتم متخلفون عن الركب كثيراً بالفعل. لكن إذا كنتم قد لاحظتم ذلك، فإذاً لا مفر من أن تمتلكوا الملامح نفسها في مرحلة ما، لأن الجمال عام 2024 أصبح نموذجاً موحداً، ولا يستطيع أحد منا الهروب منه.

تقول إلين أتلانتا، مؤلفة الكتاب الجديد "الجسد الرقمي: كيف تضر ثقافة الجمال السامة بالنساء" Pixel Flesh: How Toxic Beauty Culture Harms Women "إنها وجوه بعض أشهر النساء في عالمنا الرقمي، من كايلي جينر إلى كيم كارداشيان وبيلا حديد إلى إيميلي راتاجكوفسكي، وقد شكلت أساساً لتركيبة صناعية جديدة للجمال، إذ يُروّج لمظهر واحد للوجوه تعتبره السوق الشعبية مثالياً... النتيجة هي ثقافة جمال متجانسة، فتحسد النساء بعضهن بعضاً على أشكالهن ويسعين إلى معايير مثالية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التعديلات - مما يجعل العلاجات بالحقن والجراحة التجميلية وتعديل الصور واستخدام الفلاتر تصرفات طبيعية لبلوغ هذا المظهر (وأصبحت كلها متاحة بصورة متزايدة على مدى العقد الماضي)".

أولئك المتعمقون جداً في هذا الجانب المحدد من الثقافة الشعبية سيكونون على دراية بالفعل بهذه الفكرة بفضل مصطلح "وجه إنستغرام". المصطلح الذي صاغته الكاتبة جيا تولنتينو في مقالة لقيت رواجاً كبيراً نشرت عام 2019 في مجلة "ذا نيويوركر"، يعكس "مظهراً واحداً شبيهاً بكائن نصف روبوتي" الذي تطلبه النساء الشابات اللواتي يتهافتن إلى عيادات جراحة التجميل. تكتب تولنتينو "إنه وجه شاب بالطبع، ذو بشرة خالية من المسام وخدين بارزين... يمتلك عينين تشبهان عيون القطط ورموشاً طويلة مثل الرسوم المتحركة، الأنف دقيق وأنيق والشفتان ممتلئتان وورديتان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في ذلك الوقت، كانت هذه الإطلالة لا تزال تبدو كظاهرة جديدة نسبياً. ربما كانت هناك صدمة، وربما كان المظهر مرتبطاً فقط بوجوه بعض المشاهير (تشير تولنتينو إلى كيندال جينر وإيميلي راتاجكوفسكي كمثالين)، وبضعة من مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي المشاهير الذين تتابعونهم عبر الإنترنت. لكن بعد خمسة أعوام، أصبح "وجه إنستغرام" جزءاً من الواقع بعيداً من الإنترنت، وشيئاً متأصلاً في ثقافتنا لدرجة أنه لم يعُد يبدو غريباً بعد الآن.

هناك حالياً خيارات لا نهائية من الفلاتر التي يستطيع الناس الوصول إليها على أية منصة للتواصل الاجتماعي، تُظهر للمستخدمين كيف ستبدو وجوههم بعد عمليات التجميل المختلفة. يُعدّ استخدامها غالباً جزءاً من اتجاه أوسع يسخر من الوجوه المعدلة جراحياً ولكنه في الوقت نفسه يجعلها شيئاً طبيعياً، كم عدد الأشخاص الذين رأيتموهم يتحدثون أمام الكاميرا بشفاه ضخمة بدرجة مضحكة؟.

يقول جراح التجميل الدكتور بول بانويل: "استخدام التعديل الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح شائعاً لدرجة أن الناس يستعينون بالفلاتر والتطبيقات لإعادة تشكيل وجوههم وأجسادهم تماماً ويعتبرون ذلك أمراً طبيعياً... أصبح بإمكانك الآن إنشاء نسخة جديدة من نفسك بسرعة مثلما تنظر في المرآة كل يوم. ولأن هذه الفلاتر والتعديلات أصبحت الآن السلوك الطبيعي بالنسبة إلى المؤثرين والمشاهير، فإنها تغير تصور الناس عن مثاليات الجمال الطبيعي على مستوى العالم".

لكن ما هي العمليات التي يجريها الناس فعلياً؟. وفقاً لجمعية الجراحين التجميليين البريطانية شكلت النساء 93 في المئة من مجموع العمليات التجميلية المجراة عام 2023. وفي حين كانت غالبية العمليات الأكثر رواجاً تتعلق بالجسم (تكبير الثدي وتصغيره يأتيان في المقدمة)، كانت إحدى المفاجآت هي عملية تجميل الأجفان. وكانت هذه أيضاً واحدة من بين العمليات الأكثر رواجاً بين الرجال الذين كانوا يقبلون على عمليات تجميل الأنف وتصحيح شكل الأذن. في الوقت نفسه، زادت عمليات شد الوجه والرقبة بصورة عامة، لتصبح السادسة من حيث الشعبية بشكل عام.

من جانب آخر، تشهد عمليات البوتوكس وحقن الحشو التي يمكن أن تغير مظهر الشخص بصورة جذرية، ارتفاعاً في شعبيتها، فيقول أطباء الأسنان في المملكة المتحدة إنهم استفادوا على نحو كبير من الطلب المتزايد، فقد أظهر تدقيق بيانات لجمعية الجراحين التجميليين البريطانية من عام 2022 أن أعضاء فيها أجروا 6639 جلسة علاج بالبوتوكس، مما يمثل زيادة بنسبة 124 في المئة مقارنة بالعام السابق.

الأمر المقلق أكثر ربما ليس العمليات التي تُجرى، لكن ما يشجع على القيام بها. يقول الدكتور بانويل: "كان الناس يأتون لرؤيتي وطلب التشبه بمشاهير معينين... لكن كثيراً من المرضى يأتون إليّ الآن ويروني صوراً على هواتفهم قائلين ’هذا الفلتر يجعلني أحصل على أكبر عدد من الإعجابات والمتابعين - هل يمكنني الوصول إلى هذه الإطلالة في الواقع؟ أنا سئمت من تعديل الصور‘. إنهم يريدون أن يبدوا مثل النسخة المعدلة من أنفسهم. أجد ذلك صادماً، فالفلاتر غير طبيعية ببساطة. إنها تزيد من حجم عيني الشخص، وتغير شكل الوجه تماماً، ناهيك عن طمس العيوب التي لا يمكن إزالتها بالكامل - إذ لن يتمكن الوجه من التعبير عن أي عاطفة ببساطة".

وتتجاوز طلبات الجراحة اليوم بكثير العلاجات الرئيسة المذكورة سابقاً، فهناك عمليات تُجرى لا يتخيل معظم الناس إمكان إجرائها، فضلاً عن أنها ضرورية أو مرغوبة. ألقوا نظرة على أي اتجاه سائد في جراحات التجميل على "إنستغرام" أو "تيك توك" وستجدون آلاف الفيديوهات التي حققت ملايين المشاهدات، إذ يقوم الأطباء بالتكهن حول ما فعله المشاهير بوجوههم. تراوح الإجراءات ما بين تحسين الخدين ورفع الحواجب إلى إزالة الدهون من منطقة الخدين وزراعة الرموش (نعم، هذه العملية حقيقية). ثم هناك عملية "رفع زاوية العين" المعروفة أيضاً باسم "جراحة العين الثعلبية" التي تتضمن رفع الزاوية الوحشية للعين لخلق فتحة تشبه عيون القطط. وفي ظل بحث كثيرين عن أنواع العلاجات هذه، من الطبيعي أن نجد أنفسنا أمام هذه الإطلالة الواحدة الشبيهة بالروبوتات التي تحدثت عنها تولنتينو.

يقول الدكتور مارك سولوموس، جراح تجميل من فريق برنامج "أصغر بـ 10 سنوات" 10 Years Younger التلفزيوني الذي تعرضه "قناة 4" وبرنامج "ثمن المثالية" The Price of Perfection على قناة "آي تي في": "أعتقد بأن أكثر ما يضر في صناعة التجميل هو الأطباء والعيادات التي تسعى إلى نوع واحد من الجمال... قد يخضعون لدورة تدريبية لرفع الحاجبين، ومن ثم يحصل جميع مرضاهم على حواجب مرفوعة بالطريقة نفسها سواء كانت تناسبهم أو لا. يجب أن تكون العلاجات دائماً ملائمة للشخص كي يحصل على أفضل نتيجة تناسبه كفرد".

كايلي جينر "شكلت الأساس لمجمع صناعي جديد للتجميل" (غيتي)

هذه معضلة بالنسبة إلى الذين يجرون العمليات في الواقع، نظراً إلى المسؤولية الأخلاقية التي يتحملونها. يضيف الدكتور سولوموس: "يجب عليّ أن أحاول الالتزام بمعتقداتي بأننا نقدم خدمة مخصصة ومصممة تحسن وتغير شكل المريض إلى الأفضل استناداً إلى عوامل وجهية مختلفة عدة، فلا يتشابه وجهان بالطبع... لا يكون هذا سهلاً دائماً عندما يرى الناس وجوهاً منقحة ووجوهاً معدلة على إنستغرام ويعتقدون بأن هذا هو الأمر الطبيعي الجديد - [لكن] ليس هناك وجه طبيعي أو مثالي يناسب الجميع. إنها موضة، والموضات تتغير. عندما يتعلق الأمر بالجراحة، فإن النتائج غالباً ما تكون دائمة".

هناك تبعات طويلة الأمد على مستوى المجتمع بصورة أوسع لكل هذا أيضاً. يقول جراح التجميل الدكتور فادي حمداني: "يمكن أن يكون السعي وراء معيار جمال واحد ضاراً لأنه يعزز مثاليات غير واقعية، مما يؤدي إلى تولد مشاعر العجز وانخفاض الثقة بالنفس لأولئك الذين لا يلائمهم القالب... كما أنه يعزز الصور النمطية الضارة والتحيزات، مما يؤثر خصوصاً في المجتمعات المهمشة، ويمكن أن يدفع الناس نحو سلوكات خطرة وتدابير متطرفة لمواكبة هذه المثاليات".

وتعتبر أتلانتا أن هذا أسلوب تكتيك رأسمالي تقليدي أيضاً، فتقول: "إنه ليس أداة تسويق عبقرية فقط، إذ يخلق المعيار الجمالي العالمي مجموعة حصرية للغاية من المثاليات التي يجب على الجميع التحسين من أنفسهم كي يبلغوها، ولكنه أيضاً أداة لقمعنا الجماعي، وسيلة لإبقائنا في مسار محدد... لقد جرى استخدام التوحيد تاريخياً كوسيلة للسيطرة والتخلص من الفردية، فمن خلال الاندماج في نسخ مستنسخة من بعضنا بعضاً، والتكيف مع خط إنتاج وجوه متطابقة، نفقد الشعور بفردانيتنا وبإنسانيتنا. يتجاوز الأمر الجماليات، إنه فعل سياسي يعوق تعريفنا لأنفسنا ويحرمنا في نهاية المطاف من امتلاك القرار".

ارتفاع الطلب على العلاجات غير الجراحية التي تقدم نتائج مماثلة لتلك الجراحية  والتي عادة ما تشمل الليزر وتقنية أمواج الراديو والإبر الدقيقة - جعل تحقيق "مظهر" معدل أسهل بكثير، مما يمنح الناس الفرصة للوصول إلى المعايير الجمالية عينها من دون الخضوع للجراحة. يقول الدكتور حمداني: "شهدنا زيادة في الطلب على إجراء ’فيس تايت‘ FaceTite الذي يشد جلد الوجه ويحدد ملامحه باستخدام تقنية أمواج الراديو، بينما يجمع إجراء ’مورفيوس 8‘ بين تقنية الإبر الدقيقة والراديو لتحسين ملمس البشرة... يقدم كلا العلاجين حلاً يتكيف مع أنواع البشرة المختلفة والأعمار المتباينة، مما يوفر نتائج ملحوظة مع قليل من الألم ووقت نقاهة قصير".

من ناحية، يمكن اعتبار هذا الأمر إيجابياً - إذ يمكن للأشخاص الحصول على المظهر الذي يرغبون فيخ من دون الحاجة إلى الخضوع لجراحة خطرة - لكن ربما يزيد هذا الأمر فقط من تفاقم مشكلة أساسية موجودة، لأن هذه الجماليات إذا أصبحت متوافرة أكثر، فإن الوجوه المعدلة والمشوهة تصبح أكثر انتشاراً، مما يرفع سقف معايير الجمال أكثر ويجعلها أكثر بعداً من الواقع.

في النهاية، هذه مشكلة لن يتم حلها إلا من خلال تغيير جذري لما يعتبره المجتمع جميلاً. بدلاً من الاحتفاء بمعيار جمالي واحد نراه في كل مكان على "إنستغرام"، علينا دعم الفرادة والسمات الفردية للوجه التي تميزنا وتشكلنا.

ويحذر جراح التجميل الدكتور فاهية كريميان من أنه "على الصعيد النفسي، تقوم الضغوط الاجتماعية وتصويرات وسائل الإعلام بتشكيل هذه المثاليات بصورة كبيرة، مما يؤثر في تقدير الذات وصحة الأفراد العقلية... تشجيع قبول الذات واعتناق معايير الجمال المتنوعة أمر أساسي لتعزيز تصورات صحية أكثر للجمال".

ويعتمد الحل على وضوح الرؤية، وضمان أن ما نراه على شاشاتنا وهواتفنا الذكية هو الوجوه التي نراها في حياتنا اليومية، وليس تلك المنشأة على أيدي جراحين ماهرين في لوس أنجليس، أو خبراء تجميل باهظي الأسعار يستخدمون تقنيات الليزر المتقدمة كأسلحة، لأننا إن لم نفعل ذلك، فسرعان ما سيعفو الزمن على مصطلح "وجه إنستغرام"، كلما رأينا شخصاً خضع لعلاجات وإجراءات متعددة، لن نتمكن من التفريق. سيبدو مثله مثل الجميع، وستكون بقيتنا هي الاستثناء.