"هنا أشعر بالأمان".. مكتبات عامة تصبح ملاذاً للمهاجرين في فرنسا

منذ 1 سنة 166

يصعب إحصاء أعداد المهاجرين الذين يجدون ملاذاً في المكتبات لكسر عزلتهم والهروب من اكتظاظ مراكز الاستقبال ومن التفكير في وضعهم الإداري، هنا لست مطالباً بإبراز أوراق تثبت هويتك، تنعم بالتدفئة في الشتاء ويمكنك شحن هاتفك وحتى تحسين مستواك في اللغة الفرنسية.

في فرنسا يجد الكثير من المهاجرين، الذين لا يمتلكون مكاناً يؤويهم، ملاذاً هادئاً في المكتبات العامة، التي لا تطلب منهم المال وتقديم وثائق هوية.

الشاب السوري عُدي مرعي (18 عاماً) الذي وصل إلى فرنسا العام الماضي، واحد منهم. يجلس على كرسي ويستغرق في قراءة رسائل نصية على هاتفه الذكي الذي جاء يشحنه كما يفعل "كل يوم" في الطابق العلوي لمكتبة مركز "لو شان ليبر" الثقافي في رين (غرب فرنسا).

يقول جاره الليبي فرج العريبي، الذي أصبح بالغاً للتوّ، لوكالة فرانس برس: "أن نكون هنا أفضل من أن نكون في الخارج. لا يطلبون منّا أي أوراق أو أي مال، يريدون فقط مساعدتنا". وعند وصوله العام الماضي إلى فرنسا، أقام الشاب في نزل اجتماعي إذ كان قاصراً من دون رفقة أهل، ونصحه عامل اجتماعي بزيارة مكتبة "لو شان ليبر" في ما بعد.

أمّا اليوم، فبات يقيم في مركز إيواء في بلدة بريال-سو-مونفور في ضواحي مدينة رين، لكنه لا يزال يستقل الحافلة لزيارة المكتبة. ويوضح الشاب الليبي: "في البداية، كانت الحياة صعبة جداً في فرنسا، لكنني أشعر أنني بحالة نفسية جيدة هنا وأحسّن معرفتي باللغة الفرنسية".

دروس لغة فرنسية

يصعب إحصاء أعداد المهاجرين الذين يجدون ملاذاً في المكتبات لكسر عزلتهم والهروب من اكتظاظ مراكز الإستقبال. يقول رئيس منظمة "مكتبات بلا حدود" غير الحكومية باتريك فيل، إن هذه المكتبات أصبحت "ملاذات فعلية حيث يشعر فيها المرء بالأمان، وذلك مهم جدًا بالنسبة لمشردّين في الشارع". وباتت المنظمة تدرّب العاملين في المكتبات على استقبال المهاجرين.

وتقول المسؤولة عن هذا المشروع في المنظمة آنا أور: "وجدت المكتبات نفسها في الخطوط الأمامية، لا توجد مرافق ثقافية عامة أخرى متاحة مجاناً، فيها مثل هذه المساحات والتدفئة في الشتاء والصرف الصحي، وحيث يمكن شحن الهاتف".

من جهتها، تقول مسؤولة سياسة الاستقبال في مكتبة "لو شان ليبر" إيلين سيرتان: "نحن أشبه بقاعة محطة قطارات، لكننا أفضل منها". وتشير سيرتان إلى أن المكتبة التي تعمل فيها درجت منذ فترة طويلة على استقبال مهاجرين، لافتة إلى أن المساحة المخصصة لديها للقراء المراهقين بات يرتادها "شباب نصفهم تقريباً غير ناطقين بالفرنسية".

أصبحت مكتبة "لو شان ليبر" تقدّم حالياً مساعدة في الإجراءات الإدارية وكتباً بلغة "فرنسية مُبسّطة" وورش عمل لتعليم اللغة الفرنسية "يزيد الطلب عليها كثيراً".

يقول الشاب الأفغاني حميد الله رحيمي إنه يزور هذه المكتبة "من أجل هذه الدروس"، شأنه في ذلك شأن نحو 40 مهاجراً آخر. وبعد ثلاثة أشهر فقط من الإقامة في فرنسا، بات بإمكان رحيمي "تدبر أمره لشراء تذكرة قطار" ليذهب إلى شواطئ موربيان في غرب البلاد حيث يتطوع في جمع النفايات.

"فقّاعة"

في أفغانستان، لم يلتحق طالب اللجوء البالغ من العمر 28 عاماً بالمدرسة يوماً. وهو يعتبر الآن أن التعلم أساسي "لدماغه"، مُظهراً بفخر بطاقته الخاصة في المكتبة، وهي بطاقته الأولى من هذا النوع في فرنسا.

ولاقى هذا النموذج استحساناً في باريس أيضاً، حيث استحدث "مركز العمل الاجتماعي ابروتستانتي" الذي يمرّ عبره نحو 12 ألف مهاجر سنويًا "مكتبة صغيرة" خاصة به، وهي "فقّاعة" متاحة للأطفال أثناء إنجاز الأهالي للإجراءات الإدارية، بحسب مديرة اللجوء في هذا المركز آن بابو.

وتعتبر الشابة المالية آيساتو سيسوكو (26 عاماً) أن تلك القاعة نعمة، إذ تمكّنت من صياغة "طلب الحصول على الحماية بسبب الختان" بمفردها حين تركت ابنتها في المكتبة الصغيرة.

وتشير آن بابو أيضًا إلى أن هذه المبادرة تسمح بتلبية حاجات تتخطى "الحاجات الأساسية". وتقول: "لدينا طلبات تسجيل في مكتبة البلدية وفي مركز الأنشطة الترفيهية"، مضيفة: "هؤلاء الناس بدؤوا يسمحون لأنفسهم فجأة بالتفكير في أشياء أخرى غير وضعهم الإداري".