"ابنة الدرب الأحمر التي قادها شغفها لقراءة الكلاسيكيات الإنجليزية والفرنسية، بأن تكون أول امرأة مصرية تشغل منصب سفيرة، وثاني وزيرة للشئون الاجتماعية في مصر، أستاذة القانون الدولي بجامعة القاهرة، المحامية والسياسية عائشة راتب، التي قادت معارك كثيرة ضد سياسات الدولة وأولها رفض تعيين8ها كقاقضية لكونها أنثي، وكذلك مطالباتها الكثيرة للحد من اختصاصات الرئيس، والاعتراض علي السلطات الاستثنائية التي منحها الدستور للرئيس محمد أنور السادات.
ولدت عائشة في الدرب الأحمر في 22 فبراير عام 1928، لأسرة تنتمي إلي الطبقة الوسطي، من أم أجنبية وأب مصري، حصلت علي الثانوية من مدرسة السنية بالسيدة زينب وكان ترتيبها السادس، وكانت قراءتها لكلاسيكيات الأدبين الإنجليزي والفرنسي، دافعا للالتحاق بكلية الآداب، وبالفعل تقدمت إلي الكلية، لكن عادت وسحبتها بعد أسبوع للالتحاق بكلية الحقوق التي اشتهرت بتخريج السياسيين والزعماء وكانت تسمي كلية الوزراء.
تخرجت من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1949 ضمن العشرة الأوائل آنذاك، قدمت عائشة راتب للحصول على منصب قاضية في مجلس الدولة (أعلى هيئة قضائية في مصر) ورُفضت لكونها أنثى، وقال رئيس الوزراء وقتها حسين سري باشاأن وجود قاضية امرأة في ذلك الحين «ضد تقاليد المجتمع»، فقامت برفع دعوى ضد الحكومة لانتهاك حقوقها الدستورية، وتعتبر قضيتها الأولى من نوعها في مصر،خسرت راتب قضيتها وقد اعترف رئيس مجلس الدولة عبد الرزاق السنهوري بأنها خسرت القضية لأسباب سياسية وثقافية، وليس بناءً على القانون المصري أو الشريعة، ثم ذهبت لفترة قصيرة إلى باريس لمواصلة تعليمها ومن ثم تلقّت درجة الدكتوراه في القانون عام 1955.
تعد عائشة راتب جزء من اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي عام 1971 حيث ساعدت في صياغة الدستور الجديد لمصر، ومن بين جميع أعضاء اللجنة، كانت الوحيدة التي اعترضت على السلطات الإستثنائية التي منحها الدستور للرئيس آنذاك محمد أنور السادات، شغلت منصب وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية في الفترة من 1974 وحتى 1977 وتعتبر ثاني امرأة تشغل هذا المنصب، وطوال مدة توليها هذا المنصب كانت قادرة على إصدار إصلاحات للنساء في الدولة على الرغم من محاولة الشيوخ المتعصبين لإفساد سمعتها.
وضعت عائشة راتب قيودُا على مسألة تعدد الزوجات والتأكيد على قانونية الطلاق فقط إذا شهد عليه قاضي، وعملت على مساعدة الفقراء ووضعت قانونًا لتعيين المعاقين، قدمت استقالتها عام 1977 أثناء ثورة الخبز احتجاجًا على رفع الحكومة للدعم عن السلع الأساسية مما أثر على المواطنين الفقراء في مصر، عُينت عائشة راتب كأول إمراة تشغل منصب سفيرة في مصر عام 1979، وبصفتها سفيرة، قادت مصر إلى مكانة متوازنة في عالم ملئ بالعلاقات الدولية المستقطبة، عملت راتب سفيرة لدى الدنمارك في الفترة من 1979 إلى 1981 ولدى جمهورية ألمانيا الفيدرالية من 1981 إلى 1984، انتقدت راتب الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لأنها أحست بأن فترة حكمه خلقت فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء، وتوفت عائشة راتب في الجيزة نتيجة لسكتة قلبيةمفاجئة في 2013.
كانت الوحيدة في اللجنة المركزية وبحضور الرئيس محمد أنور السادات التي طالبت بتحديد اختصاصات رئيس الجمهورية، ففوجئت بورقة صغيرة تصل إليها مكتوب فيها «ارحمينا يا دكتورة» فعلق السادات قائلا: «سيدة قالت رأيها بصراحة وحددت اختصاصات رئيس الدولة، وهو موجود وقاعد فوق في اللجنة المركزية تيجي وزيرة»، وبهذا اختارها السادات وزيرة للشئون الاجتماعية براتب 235 جنيها، عندما تولت منصبها كانت الدولة في ظروف حرب الاستنزاف وانفجار أزمة المهجرين من مدن القناة، وارتفاع الأسعار وانخفاض الدخول فأصدرت قرارا برفع قيمة راتب عسكري الجيش من 2.5 جنيه إلي 10 جنيهات>
وأصدرت عائشة راتب قانونا يعطي للشباب حق الحصول علي معاش حتي عمر 26 سنة، وأعطيت الحقوق للابنة المطلقة في الحصول علي معاش أبيها مرة أخرى في حالة طلاقها، وأصدرت قانون الأحوال الشخصية الذي أعده فريق من العلماء وكان لا يبيح الطلاق إلا أمام القاضي ولكن السادات سحبه لأنه واجه معارضة شديدة، وتفجرت مظاهرات طلاب الأزهر ضد القانون، بالإضافة إلى «قانون الخدمة العامة» للشباب والشابات الذين لم يؤدوا الخدمة العسكرية للعمل في المشروعات التنموية ومحو الأمية بالقري والنجوع، وقانون الـ 5% الذي يفرض علي الجهات الحكومية تعيين 5% من مجمل موظفيها من المعاقين.
في أعقاب أحداث 18 و19 يناير 1977 قدمت استقالتها للرئيس السادات، مع عدد من الوزراء، بعد أن اختلفوا مع الرئيس السادات في أسباب الأحداث، فكان رأيه أنها انتفاضة حرامية، وهم كانوا يروا غير ذلك انها انتفاضة شعبية، فقررت تقديم استقالتها مما أغضب السادات. كان من المتبع أن الوزير الأستاذ بالجامعة، يعود لجامعته بعد انتهاء عمله الوزاري، أما هي فظلت في البيت لمدة شهر دون أن يصدر قرار العودة للجامعة، وطلب منها الكثيرون كتابة مذكراتها، لكنها رفضت قائلة ” لم أكن أريد التعرض لرجل أكرمني، واختارني للوزارة مرتين، وترك لي مطلق الحرية طوال مدة الوزارة، لأفعل ما أشاء مادمت أعتقد أنه صواب “.
بعد ذلك عينها الرئيس السادات سفيرة بوزارة الخارجية وتم اختيارها سفيرة بالدنمارك، وخلال فترة عملها في الدنمارك علم الرئيس السادات أن أبنائها يقيمون في ألمانيا فنقلها سفيرة هناك، عندما اعتزلت العمل السياسى بعد خروجها من الوزارة، فإنها لم تقدم استقالتها من الاهتمام بالشأن العام، بل واصلت العطاء من خلال المتاح من العمل الأهلى المنزه عن شبهات التدخل الرئاسي.
وكان لعائشة راتب العديد من المؤلفات وأبرزها، الفرد والقانون الدولي، المنظمات الإقليمية والمتخصصة.
التنظيم الدبلوماسي والقنصلى، النظرية المعاصرة للحياد، ثورة 23 يوليو 1952، العلاقات الدولية، العلاقات الدولية العربية، المناطق المنزوعة السلاح، بعض الجوانب القانونية للنزاع العربي – الإسرائيلي، التنظيم الدولي، القانون الدولي العام (بالاشتراك)، وحصلت علي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة، عام 1995.