هل يُشكّل الجوع السلاح الأكثر فتكًا في الصراعات الحديثة؟

منذ 2 أشهر 40

بقلم:  Clara NabaaChef Andrés Torres

هذا المقال نشر باللغة الإنجليزية

يجد الطاهي أندريس توريس أن حجم المجاعة على الصعيد الدولي هو دليل على فشلنا الجماعي حتى الآن في الوفاء بالتزاماتنا الإنسانية.

وفي القرن الخامس الميلادي، كتب صن تزو عن كيفية استخدام التجويع كتكتيك حرب، لتجويع العدو حتى ييأس من الاستسلام. وبينما تغيرت الجوانب الأخرى للحرب، وانتقلت من الخيل إلى الدبابات والسيوف ثمّ إلى المدافع الرشاشة، يبدو أن طرق استهداف الاحتياجات الأساسية التي تساعد في البقاء على قيد الحياة لا تزال مستخدمة.

فحوالي 783 مليون شخص حول العالم لا يحصلون على ما يكفي من الطعام، ويعيش أكثر من 85% من هؤلاء الأشخاص في البلدان المتأثرة بالنزاعات. ويبدو أن هذه ليست مصادفة، فالمعتدون يستخدمون التجويع عمدًا في مناطق النزاع من غزة وأوكرانيا إلى اليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

في العام 2018، أصدرت الأمم المتحدة القرار 2417، الذي يعترف بالصلة بين النزاع والمجاعة. واليوم، لا يزال النزاع هو المحرك الرئيسي لانعدام الأمن الغذائي الحاد والمزمن.

الجوع "سلاح فتّاك"

لا بدّ من الجهات الرئيسية الفاعلة مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة الاعتراف بأن الجوع يتحوّل إلى سلاح. ورغم أننا شهدنا ارتفاع كبيرة في الأموال المخصصة للمساعدات الغذائية الإنسانية، لا سيما في أوكرانيا، إلا أن عدم الاعتراف بهذه الصلة لا يزال يعيق الدعم الفعال.

لا تزال المفاوضات بشأن المساعدات الإنسانية تثير الشكوك حول قيمة المساعدات الغذائية على المدى الطويل مقارنةً بأنواع المساعدات الأخرى، ومع ذلك فإن معالجة انعدام الأمن الغذائي هو جوهر الحل.

في آب/أغسطس، أشار وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إلى أن التجويع المتعمد لسكان غزة يمكن أن يكون ”مبررًا وأخلاقيًا“ لتحقيق أهداف البلاد، وذلك في أعقاب اتهام المحكمة الجنائية الدولية للقيادة الإسرائيلية باستخدام الجوع عمدًا كتكتيك حرب.

وقد أدت الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية وتدمير البنية التحتية الحيوية إلى إعلان خبراء الأمم المتحدة عن مجاعة في جميع أنحاء غزة.

وقد وُصفت وفيات الأطفال في جميع أنحاء القطاع بسبب سوء التغذية والجفاف بأنها جزء من ”حملة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل".

وقد واجهت روسيا اتهامات مماثلة في نزاعها مع أوكرانيا، حيث تعمدت تدمير نقاط توزيع المساعدات وتقييد إيصال المساعدات الإنسانية، على سبيل المثال، إلى ماريوبول أثناء هجومها على المدينة في أوائل عام 2022، مما ترك المواطنين دون الحصول على الغذاء أو مياه الشرب الآمنة.

استغلال أزمة الجوع

في السودان، يغرق أكثر من 2.5 مليون سوداني في ”أسوأ أزمة جوع في العالم"، حيث تواصل القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تجويع المدنيين العالقين بينهما خلال النزاع الدائر منذ أكثر من عام ويتهم الطرفان بعضهما بعرقلة إيصال المساعدات.

وتقدر منظمة ”أنقذوا الأطفال“ أن ثلاثة من كل أربعة أطفال سودانيين يعانون الآن من الجوع يومياً. ويتم استغلال هذا الجوع في حد ذاته، إذ يتم إغراء الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية للانضمام إلى الجماعات المسلحة مقابل الطعام، ثم يُطلب منهم المشاركة في أعمال عنف مروعة.

وعلى الرغم من هذه الكارثة الإنسانية، إلا أن الاستجابة الدولية لم تواكب الحاجة. فبينما تم التعهد بتقديم ملياري دولار أمريكي في مؤتمر مخصص في نيسان/ أبريل 2024، تم تخصيص أقل من نصف هذا المبلغ للمساعدات الإنسانية.

وتشير التقديرات إلى أن 60% من الوفيات في الحرب الأهلية المستمرة منذ عقد من الزمن في اليمن ناتجة عن المجاعة. ومع ذلك، فقد انخفضت جهود جمع التبرعات الإنسانية في عام 2023 عن الهدف الذي حددته الأمم المتحدة بمبلغ 3.1 مليار دولار.

وخلال عام 2023، أدى النقص في التمويل إلى سحب المساعدات الغذائية من 10 ملايين أفغاني بين أيار /مايو وتشرين الثاني/ نوفمبر.

وفي نهاية المطاف، إن السبيل الوحيد لإنهاء مجاعة النازحين بسبب العنف هو تأمين السلام والاستقرار الدائمين، ويجب أن تُعطى أي خطة طويلة الأجل الأولوية لجهود بناء السلام. وكذلك بالنسبة للوقاية من الوفيات الناجمة عن المجاعة، فهي تتطلب اتخاذ إجراءات فورية وعملية وفعالة.

فشل جماعي

مع وصول الصراع إلى مستويات عالية بعد الحرب العالمية الثانية، يتزايد انعدام الأمن الغذائي عاماً بعد عام. وإن الحماية من الجوع وسوء التغذية حق أساسي من حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

في الوقت الذي تتزايد فيه الشكوك حول موثوقية الحلفاء الرئيسيين، من الضروري أن يثبت الاتحاد الأوروبي على موقفه ويواصل السعي نحو القضاء على الجوع. وإن حجم المجاعة على الصعيد الدولي هو شهادة على فشلنا الجماعي حتى الآن في الوفاء بالتزاماتنا الإنسانية.

وبطبيعة الحال، فإن توفير المساعدات الإنسانية الضرورية أمر في غاية الصعوبة، ولكنه ليس مستحيلاً. كما أنه ليس أمراً اختيارياً، حيث أن حياة الملايين من الناس الذين يعيشون في أشد الحالات بؤساً تعتمد على ذلك.

كتب هذا المقال الطاهي أندريس توريس، وهو مؤسس المنظمة غير الحكومية ”غلوبال هيومانيتاريا“ ومالك ورئيس الطهاة في مطعم ”كاسا نوفا“ الحائز على نجمة ميشلان الخضراء في سانت مارتي ساروكا في برشلونة. وقد حصل على جائزة الباسك العالمية للطهي لعام 2024 تقديراً لتأثير طبخه وجهوده في مجال الاستدامة والعمل الإنساني.