عندما كنت في منتصف الثلاثينيات جلست في عيادة مستشارة نفسية حازمة أخبرتني بأنني كنت أقوم بكل شيء بشكل خاطئ عندما يتعلق الأمر بالحُب، وقالت لي إن الحُب بالنسبة إلي عبارة عن ذروة من الأوقات المثيرة والمنخفضات المدمرة للروح، ودورة فاشلة من الانجذاب والابتعاد.
شعرت بالصدمة، فمنذ متى انحدرت حياتي العاطفية إلى هذا الحد لتصبح شبيهة بحصة مدرسية مدعمة بلوح أبيض ورسومات بيانية؟
ولكن لم يكن ذلك حديثاً عن الأنواع المضحكة من التأثير العاطفي الرومانسي، بل أُخبرت عن إدماني على الحُب، وعلى ما يبدو لم يكن بوسعي التحكم به بل على العكس فالرومانسية هي التي تحكمت بي، ولم أكن أعرف بماذا أفكر؟
أنا؟ مدمنة على الحُب؟
بدا الأمر أشبه باسم عطر، ولكن هل يمكن أن يكون ذلك صحيحاً؟ وهل كان الإدمان على الحُب السبب في شعوري الدائم بأنني مسجونة في نسختي الخاصة من مسلسل "سيكس أند ذا سيتي" Sex and the City؟
أخبرتها أنه كلما انتهت إحدى علاقاتي العاطفية ووصلت إلى حائط مسدود أشعر بأن الألم العاطفي لا يطاق وبأنني محطمة، ولكن الشوق والهوس لشريكي السابق يستمران يوماً بعد يوم، وعندما تتحول الأيام إلى أشهر أصاب بالندم ويأكلني الحنين إلى ذكريات الأوقات الرائعة معاً، وأتساءل إن كنا سنعود معاً من جديد؟ وهل بوسعي أن أجعله يشعر بالغيرة؟
لو أنني كنت أكثر تقبلاً لطبيعته الانعزالية، ولو أحببت فريق "مانشستر يونايتد" فهل كنا سنبقى معاً؟
لو أن علاقتي بوالدته كانت أفضل ولو لم أشتكِ من إدمانه على العمل؟
للإدمان على الحُب أوجه عدة مع أنها ليست مرتبطة كلها بالرعب من العلاقة الحميمة، فهناك المدمن على الحُب المهووس، والمدمن على الحُب الاتكالي، والمدمن على الحُب النرجسي، والمدمن على العلاقات العاطفية، والمدمن على الحُب الانطوائي، والمدمن على الحُب الرومانسي.
وفيما سردت لي معالجتي تلك المصطلحات فقد بدأت تطن في رأسي كلغز يصعب حله عن الحُب في مجلة "كوزموبوليتان"، "أي نوع من المدمنين أنتِ؟" قيل لي أيضاً بأن المدمنين على الحُب والمتهربين منه ينجذبان إلى بعضهما بعضاً بصورة غير مقصودة، وبأنهما ينخرطان في "رقصة إدمان مشتركة" تعرف لدى الأشخاص العاديين بالكابوس التام متى ما انحسر الاندفاع الأولي للـ "دوبامين" [ناقل عصبي مرتبط بالمتعة والمكافأة والتحفيز، وفي سياق إدمان الحُب فغالباً ما تتميز المرحلة الأولى من العلاقة الرومانسية بالإفراز المتزايد للـ "دوبامين" مما يخلق مشاعر شديدة من النشوة].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ذلك الوقت كنت توقفت عن تعداد عدد المرات التي كانت علاقاتي العاطفية فيها أشبه بحلقات مسلسل "توم أند جيري" [لعبة القط والفأر]، ولم يكن بوسعي مطلقاً استئصال حركة "الدفع والسحب" (التجاذب) مهما حاولت جاهدة، وكان عشاقي يضعون دائماً جدراناً عاطفية لتجنب الحميمية، وكنت أمضي ما تبقى من العلاقة منشغلة بإعادتها إلى سابق عهدها من عصر النعيم الرومانسي، وكنت أتوق للحُب كمن يتضور جوعاً، وهذا ما كان يدفعني إلى الجنون.
ولكنني لم أكن أشبه غلين كلوز في "فاتال أتراكشن" (التي تلعب دور المرأة المهووسة) ولم أكن أشبه أياً من "المدمنين على الحُب" الذين التقيتهم خلال رحلة علاجي.
أدركت ليزي*، وهي واحدة من مدمني الحُب الذين التقيتهم في مجموعة "مدمني الحُب والجنس المجهولين" SLAA، أنها بلغت الحضيض عندما وجدت نفسها متنكرة بالكامل وجاثية خلف سلة مهملات في مكتب حبيبها في محاولة يائسة لإلقاء نظرة عليه.
وقالت لي، "في تلك اللحظة شعرت بأن حياتي متوقفة على رؤيته، وعندما سمعت أحدهم يتمتم قائلاً ’انظروا إلى تلك المجنونة‘ اعتراني الشعور بالخجل وأدى إلى تفكيري بالانتحار، وحاولت الاتصال به ومراسلته أكثر من 40 مرة في ذلك اليوم، وكان الإحباط مؤلماً ولم أعد أعرف من أنا لأنني فقدت أي حس بالذات، ولحسن الحظ بحثت عن المساعدة".
وبحسب المعالجة النفسية الأميركية والمتعافية من إدمان الحُب والجنس كيري كوهين ومؤلفة كتاب "مجنونة بك: كسر تعويذة إدمان الحُب والجنس" Crazy for you: Breaking the Spell of Sex and Love Addiction، فإن الإدمان هو تشخيص محرج بالنسبة إلى معظم النساء، وتضيف أنه "من الصعب الجمع بين النسوية وقضاء النهار كله مع الشعور بالقلق حول كيفية شعور رجل ما تجاهك، أضيفوا إلى ذلك أن كثيراً من تصرف المدمن على الحُب يقارب سلوك شخص يفتقر إلى احترام الذات، وفي أسوأ الحالات بوسع الإدمان على الحُب أن يلهم السلوك الاستغلالي مثل التعقب والمطاردة، كما يحصل مع الحبيبة السابقة المهووسة، ويعتقد مدمنو الحُب أنهم مكروهين ومن ثم يجعلون من أنفسهم غير محبوبين من خلال تصرفاتهم. إنها نبوءة تتحقق بصورة ذاتية".
اعتقدت دائماً بأن فشل علاقاتي هو خطأ يقع على شريكي لأنني كنت أضع نفسي دائماً في موقع الضحية، وكنت متزنة على مدى تسعة أشهر حينذاك، ولكنني فجأة بدأت أعاني انسحابات الوقوع في الحُب بجنون، وبحسب معالجتي النفسية فقد قمت باستبدال دواء بدواء آخر.
وفي هذا السياق تقول كوهين بأن الحركية بين المدمن على الحُب والمُتجنب له يتبع في العادة مساراً محدداً، وأن "المُتجنب للحُب أو الانطوائي يكون ماهراً في جذب المدمن على الحُب، وعندما يقترب هذا الأخير يبتعد الشخص الانعزالي مما يسبب للمدمن قلقاً وإحباطاً يشعر جراءه المُتجنب بالتجاهل والهجر، فيعود للاقتراب من جديد، وهكذا دواليك، وبسبب دورة المد والجزر بين الشخصين تبدو العلاقة متوترة للغاية وتتخللها دائماً حالات من الانفصال والعودة، وهذا ليس حُباً بل مسرح الحُب، ويحصل الشخصان على صدمة من الإدمان نتيجة هذا النوع من التوتر والإجهاد".
وفي سياق متصل لا تبدو المعالجة النفسية كلير غريفين في إطار العلاقات والمديرة السريرية في مركز بورتوبيلو للصحة السلوكية غرب لندن متحمسة لاستخدام "إدمان الحُب"، بل تفضل أن تطلق عليه تسمية "الإدمان على العلاقات"، وتقول "بالنسبة إلي فإن وضع الحُب مع الإدمان لا يبدو منسجماً، وأعتقد أنه يمكنكم أن تنخرطوا في علاقة فاشلة حقاً، ولكن يبقى الشعور بالحُب أصيلاً وحقيقياً".
وتتابع غريفين أن الأشخاص المنسحبين من علاقة يختبرون مشاعر أولئك الذين يقلعون عن تعاطي المخدرات نفسها، مع فارق وحيد وهو أن الأمر يكون أقل وضوحاً للعيان.
وتضيف، "خلافاً للإدمان على المخدرات حيث تكون التداعيات مدمرة بطريقة ملموسة أكثر فغالباً ما تكون التداعيات العاطفية غير مرئية في حال الإدمان على الحُب، وعلى رغم أن مشاعر الانسحاب تبدو أحياناً نفسها، إلا أن المجتمع قد يبدي قدراً أقل من التفهم لأولئك الذين يعانون من تلك الانسحابات، واعترافاً أقل بالتحديات التي يواجهونها".
وفي هذا الصدد يعتبر الدكتور سكوت ليونز، وهو طبيب نفسي شامل ومؤلف كتاب "مدمن على الدراما" Addicted to Drama، أنه عندما يشير الخبراء إلى نوعية الحُب الموجودة في حالات الإدمان على الحُب فهم يشيرون إلى "نسخة رومانسية مفرطة وغير ناضجة وخيالية". وبالنسبة إلى الأشخاص العالقين في دوامة من هذا النمط فنادراً ما تكون الحميمية الحقيقية متوافرة، وغالباً ما يهتمون بنسخة الشريك التي رسموها في مخيلتهم أكثر من الاهتمام بالشريك الذي يحظون به في الواقع، وبالنسبة إليهم فإن الحُب الحقيقي يقترن بحس من القلق والخطر، ولهذا يصبحون منشغلين بمقاربة مدمرة وناسفة للحُب تكون أقرب إلى التعلق العاطفي المرضي".
وغالباً ما تكون اضطرابات التعلق، كما تعرف، نتيجة الصدمات الماضية أو سوء تقدير الذات أو مشكلات الطفولة، وبالنسبة إلي توجب عليّ أن أتعلم كيف أتوقف عن الاعتماد على التحقق الخارجي لكي يظهر لي بأنني محُبوبة، وهو ما قمت به خلال مسيرة تعافي المؤلفة من 12 مرحلة.
ولكن تعتقد كوهين بأن علاج الإدمان على الحُب أصبح بالياً، وتقول بأن التعافي يتطلب "فحصاً نقدياً لمقاربة مجتمعنا للحميمية، فضلاً عن الاهتمام الدائم بكيفية استيعابنا لكثير من هذه الرسائل والمغالطات التي تغذي خيال مدمن الحُب في شأن الحُب".
بوسعي أن أنتزع صفحة من كتابها وألقي كل اللوم على الأفلام والاستمرار في الاعتقاد أن هناك قصة حُب رائعة تنتظرني، ولكن يجب أن تنبع أولاً من مكان صحي في داخلي.