على هامش مونديال 2022 في قطر المخصص للرجال، تشارك أكثر من ست حكمات رئيسات وحكمات الراية اللواتي اختارتهن "الفيفا" في التحكيم، وكونهن يحكمن للمرة الأولى في مناسبة مهمة جداً لهن أي المونديال، ويدرن مباريات الرجال الجامحين والمقاتلين من آل الكرة والهدف، فإن هذا الدور يمكن أن يكون مناسبة للإشادة بكرة قدم السيدات، التي لم تستقطب حتى اليوم جمهوراً عريضاً وكافياً، ليضعها في مستوى وضخامة ولا حتى على الأقل إمكانية منافسة الحدث، الذي تنتظره المليارات حول العالم، ويستخدم فيه اللاعبون كل شغفهم الذكوري بلعبتهم من أجل الفوز، عدا بعض الدول التي لم تحظ لعبة كرة القدم (حتى الرجالية) باهتمام كما في الولايات المتحدة الأميركية، التي يتربع فريقها للسيدات على عرض مونديال السيدات العالمي.
ويعرف الاتحاد الدولي لكرة القدم بأن حالة كرة قدم السيدات حول العالم، أكثر من جيدة قياساً بالتوقعات، ويقول المسؤولون في الاتحاد إن مستقبل كرة القدم سيقوم على مشاركة النساء في كل الأشكال الممكنة، وصار بإمكان الجمهور حول العالم معرفة اللاعبات المشهورات، وأكثرهن من الهدافات الأميركيات والألمانيات المسيطرات على مونديالات كرة قدم السيدات، وكذلك المدربات الجديدات اللواتي يدربن النساء والرجال أيضاً. وبعد مونديال قطر، ستشتهر حكمات حول العالم بعد مشاهدتهن يركضن في الملعب مع نجوم اللعبة، ما سيجعل المباريات مختلفة للمرة الأولى في المونديال، باعتبار أن امرأة ستكون حاملة الصافرة والبطاقتين اللتين يكرههما اللاعبون أي الصفراء والحمراء.
وسرعان ما بدأ رواد وسائل التواصل الاجتماعي بنشر الدعابات، وتخيل المشاهد الطريفة التي قد تقع بين هؤلاء الحكمات واللاعبين الغاضبين أو مع المدربين الذين سيصرخون من أطراف الملعب اعتراضاً، أو غضب الجمهور في حال اعترض على صافرة غير صحيحة.
كانت النساء والفتيات يلعبن كرة القدم منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر من بين الأوساط المتعلمة والأرستقراطية، وعلى رغم ذلك بقيت رياضة كرة القدم حكراً على الرجال لمدة 70 عاماً، وكانت مباريات السيدات التي ينظمنها بأنفسهن توصف في صحف ذاك الزمن (وقد كانت الوسيلة الإعلامية الوحيدة)، بأنها مباريات هزلية أكثر منها مباريات كرة يتنافس فيها فريقان بشراسة من أجل الفوز.
المشاركة المبكرة
كانت أول حالة مسجلة لسيدات يلعبن كرة القدم في الولايات المتحدة عام 1892، عندما لعبت الطالبات في مدرسة فيلادلفيا، لكن المؤرخة الرياضية كاتي تايلور تشكك في صحة القصص التي تم تناولها في القرن التاسع عشر ولعب النساء لكرة القدم، لأن أي لعبة نظمت في مدارس الفتيات كانت غير رسمية وغير تنافسية.
وبحسب سجلات الأرشيف الرسمية، فقد أقيمت في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1896 مباراة بين فريقين من خمس نساء لكل منهما، في أحد النوادي التي يجتمع فيها الرجال في نيويورك، وكانت على سبيل الترفيه. وذكرت صحيفة "ذا صن" أنه بعد بضع ساعات اضطر قائد الشرطة المحلية للتدخل لوقف الحدث بعد أن بدا حشد من الرجال يشاهدون المباراة وكأنهم يتلصصون على النساء في تنافسهن الكروي.
وجاءت التغطية الإعلامية الأولى لمباريات السيدات عام 1925 من وكالتي "أسوشيتد برس" و"نيويورك تايمز" في الولايات المتحدة، وبقيت مجرد ألعاب ترفيهية حتى عام 1965، حين أنشأ رجل أعمال أميركي دوري كرة القدم للمحترفات، لكنه توقف عن العمل عام 1973.
أما اليوم، فوفقاً للفيفا، هناك 29 مليون امرأة وفتاة يلعبن كرة القدم في جميع أنحاء العالم، ويتوقع الاتحاد أنه مع الاستراتيجيات التي وضعت هذا العام لدعم كرة السيدات حول العالم، سيرتفع الرقم إلى 60 مليون لاعبة بحلول عام 2026، من جميع الفئات والأعمار، صعوداً من دوري أطفال المدارس وأندية الأطفال المستقلة حتى الأندية الكروية النسائية، التي وصلت إلى العالمية في المسابقات المحلية والدولية.
النساء يتقدمن بالكرة بأقدامهن
تنمو كرة القدم للسيدات بسرعة في جميع أنحاء العالم، وفي الإحصاءات وأرقام "الفيفا"، فإن أوروبا تضم أكبر عدد من اللاعبات المسجلات في أندية رسمية، إذ يبلغ عددهن ما يقارب مليوني لاعبة اليوم، بينما كان العدد أكثر بقليل من مليون عام 2014، وأنفقت الدول الأوروبية منفردة والاتحاد الأوروبي ما يقل قليلاً عن مليار يورو لحساب كرة قدم السيدات عبر الاتحادات الوطنية، وهذا الرقم الذي يعود إلى عامي 2012 و2013 لم يتضخم كثيراً، وفي كل الأحوال فإن تكاليف لعبة كرة قدم السيدات تبدو بسيطة جداً أمام الأموال الطائلة التي تنفق في ملاعب الرجال وعالم كرة القدم الواسع، الذي يشهد على خسارة وربح الرهانات والجوائز والصفقات الإعلانية الضخمة.
وارتفع عدد الدول التي تضم أكثر من 100 ألف لاعبة عام 2017، وهي إنجلترا وفرنسا وألمانيا وهولندا والنرويج والسويد، وقد تضاعف عدد اللاعبات المصنفات ضمن فئات المحترفات وشبه المحترفات في السنوات الأربع الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما المبلغ الإجمالي للأموال المستثمرة في الرياضة فقد ارتفع ثلاث مرات تقريباً في السنوات القليلة الماضية، ما يدعم رأي مشجعي تطوير كرة قدم السيدات في "الفيفا" وفي الأندية المحلية.
ولكن على رغم توسع هذه اللعبة النسائية، إلا أن الفرق النسائية تشكو من تمييز بحقهن في دعمهن وتمويلهن، ففي مونديال 2015، بدأ الخلاف مع إدارة "الفيفا" قبل بدء المونديال، ورفعت لاعبات عدة دعوى قضائية ضد "الفيفا" لأنها تقيم البطولة على عشب صناعي، وليس على عشب طبيعي يستخدم في مباريات الرجال، وفي عام 2019، رفعت لاعبات أميركيات وأفريقيات الصوت عالياً في موضوع الأجور، إذ إن التفاوت في الأجور في لعبة كرة القدم كبير جداً بين النساء والرجال، وهذا ينطبق على اللاعبات والمدربات والحكمات.
وتعقيباً على هذه المشكلات التي طفت على السطح على رغم محاولات "الفيفا" للحد من التمييز الجنسي في اللعبة، نشر"الفيفا" تقريراً في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بعنوان "استراتيجية كرة القدم للسيدات"، من أجل تعزيز كرة القدم للسيدات عبر تسويق اللعبة بشكل أكثر فعالية.
كما يسعى "الفيفا" إلى مضاعفة عدد اللاعبات في العالم ليصير بحلول عام 2026 نحو 60 مليوناً، من خلال رفع مستوى أندية كرة قدم السيدات والدوريات في جميع الاتحادات الأعضاء، ومضاعفة عدد الاتحادات الأعضاء التي تنظم بطولات الشباب بحلول عام 2026.
وعلى المدى القصير، فإن هدف الاتحادات الأعضاء هو التأكد من أنه بحلول عام 2022، تكون جميع الاتحادات الأعضاء في "الفيفا" قد طورت استراتيجيات كرة قدم شاملة، وأن يكون هناك تعاون وتثقيف وتأييد أكبر لكرة قدم السيدات بين "الفيفا" والاتحادات القارية والاتحادات الأعضاء.
جهود "الفيفا" وجهود النساء حول العالم
واستحدثت "الفيفا" التصنيف العالمي للسيدات لإعطاء نظرة شاملة على القوة الحالية للمنتخبات الوطنية، التي تمثل بلدانها في كرة القدم للسيدات، وتعتبر "أن مستقبل كرة القدم سيكتب بنون النسوة"، وهذا الاستنتاج مرده إلى أن لعبة كرة القدم للسيدات قد نمت بشكل كبير على المستويات كافة، وهذا سيسهم في دفع كل فرق السيدات إلى رفع تصنيفها وكل اللاعبات إلى القيام بجهود كبيرة لتصنيفهن.
وكانت أهداف "الفيفا" إشراك جميع الفاعلين لتمكين الفتيات والنساء في عالم كرة القدم الدولي، على أن يصبح هذا القسم من اللعبة من أساسيات العالم الكروي، سواء في جذب الجمهور أو في تشجيع الفتيات على اللعب، وتدريبهن في مدارس محلية انتشر عدد كبير منها في العالم وتحديداً في الدول النامية، حيث يحلم كل الأطفال بأن يصبحوا نجوم كرة قدم عالميين وعالميات، وكانت "الفيفا" قد وضعت خطة لتنفيذها بحلول العام الحالي، ووضعت استراتيجيات كرة القدم للسيدات في كل الاتحادات الأعضاء على أن تتم بحلول عام 2026، مضاعفة عدد الاتحادات التي تنظم دوريات للفئات الناشئة عقب توسيع نطاق كرة القدم في البرامج المدرسية، وإنشاء أكاديميات النخبة، وزيادة عدد المدربات والحكمات المؤهلات، ما يؤدي إلى تحسين دخول الفتيات إلى اللعبة بشكل ملحوظ.
وكان الأمر المشجع للقيام بهذه التطورات والاستراتيجيات الجديدة، هو متابعة مليار مشاهد لبث مباريات كأس العالم للسيدات 2019، فوضعت اتحادات كرة قدم السيدات برامج تسويقية منها الترويج لأفضل اللاعبات وجعلهن سفيرات لترويج اللعبة حول العالم، وبدأ تمثيل النساء في هيئات صنع القرار الرئيس داخل المؤسسة الكروية.