السؤال:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، منذ مدة و أنا أمر مع زوجتي بمشاكل في حياتنا اليومية و هي تلح بطلب الطلاق و أنا أتهرب من الموضوع بالإجابة الله يهديك ، استعيذي من الشيطان و ذات يوم إذا بها تصاب بهيستريا و أمسكت بسكين و أرادت أن تقطع يدها إن لم أطلقها و بصعوبة كبيرة أفلته منها و هممت بالخروج لكي لا أقع في المحظور و إذا بها تلحقني و تهددني إن لم أطلقها سوف تخرج إلى الخارج و تفضحنا و صراحة خفت عليها أن تفعل شيئا بنفسها و في لحظة عضب لم أعي نطقت بالطلاق هل يقع أم لا؟ و الله شهيد على ما أقول
الإجابة:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن كان الحال كما ذكرت فإن الطلاق لا يقع؛ لأن من شرط وقوع الطلاق القصد إلى اللفظ، ولا يتحقق هذا مع الإكراه؛ لأن تهديد زوجتك أغلق عليك باب الاختيار، فخرج اللفظ بغير إرادة منك، ولا رغبة في فراقها.
والمكره هو من أُرْغِمَ عَلَى أمر إن لم يفعلْهُ يحصُلُ له من الضَّرَرِ ما أكره عليه، فَهَذا قد أُغْلِقَت عليه أبوابُ القصد والإرادة، فلم يكن قلبه منفتحًا لإرادة ما قال، ولا فعل ما أكره عليه، وإنما يريد – أي المكره - الخَلَاص من الشرِّ، وَلَا خَلَاص له إلا بفعل ما أكره عليه، فصار لا اختيارَ له، ولا إرادةَ.
والاختيار الذي هو شرط في تصرفات المكلف يكون صاحبه حرًا، إن شاء طلَّقَ، وإن شاء لم يطلق، إن شاء تَكَلَّمَ، وإن شاء لم يتكلم؛ فمن أغلق عليه باب الإرادة، والاختيار، فلا يَقَعُ طلاقه؛ لكونه مقهورًا، لم يَتَرَتَّبْ على اللفظ أَثَرُهُ، فَيَدْخُلُ في قوله - تعالى -: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وقوله - تعالى -: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5]، بل إن التلفظ بكلمة الكفرُ يَسْقُطُ مُوجِبُهُ بالإكراه، فما دونَهُ من طلاق وغيره أولى؛ قال - تعالى -: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ} [النحل: 106].
قال العلامة ابن القيم في "إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان" (ص: 61):
"أنه لم يقلُ أَحَدٌ: إن مجرَّدَ التَّكَلُّمِ بلفظ الطلاق مُوجِبٌ لِوُقُوعِهِ عَلَى أي حالٍ كان، بل لا بدَّ من أمرٍ آخَرَ وَرَاء التَّكَلُّمِ باللفظ، وَطَائفةٌ اشتَرَطَت أن يأتي به في حال التكليف فقط، سواءٌ قَصَدَهُ، أو جَرَى عَلَى لسانِهِ من غير قصدٍ، سواءٌ أُكْرِهَ عليه، أو أتى به اختيارًا، وهذا مذهب من يُوقِعُ طلاق المكره، والطلاق الذي يجري عَلَى لسان العبد من غير قصد منه، وهو المنصوص عن أبي حنيفة في الموضعين، وطائفةٌ اشْتَرَطَتْ - مع ذلك - أن يأتي باللفظ مختارًا، قاصدًا له؛ وهو قول الجمهور الذين لا يُنفِذُون طَلَاقَ المُكْرَهِ.
ثم منهم مَنِ اشْتَرَطَ - مع ذلك - أن يكون عالمًا بمعناه؛ فإن تَكَلَّمَ به اختيارًا غير عارف بمعناه، لم يَلْزَمْهُ حكمُهُ؛ وهذا قول من يقول: لَا يَلْزمُ المكلفَ أحكامُ الأقوالِ حتى يكون عارفًا بمدلولها، وهذا هو الصواب.
ومنهم: مَنِ اشْتَرَطَ - مع ذلك - أن يكون مُريدًا لمعناه، ناويًا له؛ فان لم ينوِ معناه، ولم يُرِدْهُ، لم يَلزَمْهُ حكمُهُ، وهذا قول من يقول: لَا يَلْزَمُ لِصَرِيحِ الطلاقِ النيةُ، وقولُ مَن لا يُوقِعِ الطلاقَ الهازلَ؛ وهو قولٌ في مذهبِ الإمام أحمدَ، ومالكٍ في المسألتين؛ فَيَشْتَرِطُ هؤلاءِ الرِّضا بالنطقِ اللِّسانيِّ، والعلمَ بمعناه، وإرادةَ مُقْتَضَاهُ". اهـ.
وعليه فلا يقع الطلاق في الحالة المذكورة،، والله أعلم.