طفولة بعيدة وأحلام مبعثرة عاشها السعودي نواف قبل ثلاثة عقود مضت.
حين كان يبلغ من العمر 10 أعوام، راودت مخيلته صراعات "مازنغر" بطل مسلسل الأنمي الياباني الذي اشتهر بمنطقة الشرق الأوسط خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الـ 20، وهيمن عليه الأمر وهو ينقل صراعاته من الأرض إلى الفضاء. نما خياله وهو يشاهد سفينة الفضاء والفضائيين أثناء متابعته حلقات "غرانديزر"، وزاد شغفه مع رؤية سباق فضائي يتحول إلى مركبات بقيادة بطل الأنمي "أوبتيموس" في حلقات "المتحولون".
أمسى نواف يقلب نظره في السماء متخيلاً أجساماً وكائنات تحوم في الفضاء حالماً بالالتحاق بها، لكن أحلام طفولته والتحاقه بالفضائيين سقطت أرضاً بعدما اصطدمت بالدراسة وضرورة التخطيط للمستقبل بواقعية، بعيداً من الخيال الذي ظل يراود عقله الباطن.
أجسام طائرة بين خيال الأطفال وصراع القوى الكبرى
على مدى الأيام الماضية تداولت وسائل الإعلام العالمية إسقاط الجيش الأميركي مجموعة من الأجسام الطائرة فوق أراضي الولايات المتحدة وفي كندا، بعدما أعلن قائد القيادة الشمالية الأميركية وقيادة الدفاع الجوي الفضائي لأميركا الشمالية الجنرال غليندي فانهيرك أنه لا يستبعد أن تكون الأجسام الفضائية المجهولة من خارج كوكب الأرض، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
ما كشفت عنه السنوات من حديث عن "الأجسام الطائرة" أيقظ أحلام نواف بعدما أصبح رب أسرة أربعيني، وأعاد ما توارى من شريط ذكرياته عن أفلام الكرتون التي استحوذت خيالاته هو وأقرانه.
دراما "المانغا" في عقول الأطفال
كثيراً ما يجذب عالم الـ "أنيميشن" والكرتون انتباه الأطفال وحتى البالغين لما يتضمنه من مؤثرات بصرية وسمعية قد تبهرهم، وكذلك القصص الدرامية والعلمية التي تأخذهم إلى عالم مثير، إذ نجحت مسلسلات الـ "مانغا" اليابانية خلال ثمانينيات القرن الماضي في إمتاع العالم العربي بالخيال العلمي ومغامرات الفضاء، فتم دبلجة أشهر مسلسلاتها إلى العربية، ومنها "غرندايزر"، بعدما عرضت المحطات التلفزيونية في دول الشرق الأوسط حلقاته الـ 74، ولقي نجاحه صدى أوسع مما حققه في بلاده الأم، ولا يزال تأثيره بين الأجيال موجوداً رغم مرور أربعة عقود من عرضه الأول.
لا يزال نواف يتذكر كيف شكل المسلسل الكرتوني "غرندايزر" خيال طفولته البعيدة. "يدور المسلسل حول الحرب الأزلية بين الخير والشر، إذ يهرب فيها البطل (دايسكي) وأخته (ماريا) إلى الأرض بعد أن فقدا والديهما في غزو فضائي قام به الشرير (فيغا) الذي يعيش داخل سفينته الفضائية للقتال والسيطرة على الكوكب، لكن (دايسكي) يكون له بالمرصاد ويتقاتل معه بواسطة مركبته المتطورة (غرندايزر) في الفضاء الخارجي حتى ينجح في القضاء عليه.
لم تتوقف مغامرات مسلسلات الفضاء عند أسلحة "غرندايزر" الفتاكة، فهناك سفينة الفضاء "ياماتو" التي حملت أبطالها الشجعان الملقبين بـ"نسور الفضاء"، وهي سلسلة أخرى من الأنمي الياباني تسرد حكاية سفينة فضائية كانت هي الأمل الوحيد لنجاة سكان كوكب الأرض لجلب جهاز يطهرها من الإشعاعات وآثار الحروب النووية، حاربت في حلقاتها مخلوقات غريبة ضمن مغامرات غير مسبوقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بين السماء والأرض
انتشرت أفلام الكرتون عن الفضاء والأطباق الطائرة بسبب تضخيم شأنها على شاشات السينما والدراما الأميركية، فيما تعود عناية الإنتاج الفني بسباق الفضاء على رغم موازنته الضخمة إلى كونه أحد فصول الحرب الباردة خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، إذ تسابق الأميركان والسوفيات خارج الأرض بهدف فرض الهيمنة العلمية في استكشاف الفضاء بين عامي 1957 و1975 والتي كانت بدايتها إرسال أقمار اصطناعية، ومن ثم إرسال رواد الفضاء نحو السماء لأهداف علمية واستثمارية زادت وتيرتها خلال الفترة الأخيرة، وكشفت عن أوجه الصراع على نحو حاد واقعياً وسينمائياً، ولعل إطلاق النسخة الثانية من فيلم الخيال العلمي الملحمي الأميركي "أفاتار" المعروض حالياً في السينما العالمية ليس ببعيد مما يدور في أفق الفضاء بعدما صار المنتج الثقافي أداة ترويجية لما يدور من صراع بين القوى الكبرى لتقاسم كعكة النفوذ في السماء.
وعلى صعيد سياسي وواقعي تداولت وكالات الأنباء العالمية دخول محطة الفضاء الصينية المرحلة الأولى من تطبيقاتها وتطويرها، وإعلان بكين خطة لإطلاق أكثر من 60 عملية فضائية في 2023 بعد أن اكتملت الشهر الماضي أول محطة فضاء صينية في مدار حول الأرض، فيما رفضت وكالة الفضاء الأوروبية المشاركة بإرسال روادها إلى المحطة الصينية.
فيما اتهمت واشنطن من جانبها برنامج الفضاء الصيني بأنه عسكري، وأكدت إستراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة حتمية تجاوز الصين وتأكيد المكانة الرائدة للولايات المتحدة في مجال الفضاء ومواجهة روسيا والصين.
كما أعادت تجربة إسقاط القمر الاصطناعي الروسي التي أجرتها موسكو في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، الحسابات حول محطة الفضاء الدولية التي يديرها سبعة رواد الفضاء، أربعة منهم أميركيون إضافة إلى ألماني وروسيان.
الأجسام الغربية
حرب الفضاء بين معسكري الشرق والغرب والسعي إلى التحقق من احتمال الحياة على القمر والكشف عن المريخ والمجرات هو ما جعل الفضاء مادة دسمة لأفلام السينما ومسلسلات الأنمي العالمية التي ارتبطت بأفكار زيارة الأجسام الغريبة للكرة الأرضية ورد فعل الإنسان ومحاربتها له وقصص الفناء.
لكن المثير أن أمر هذه الأجسام الغريبة لم يتوقف أخيراً على الشاشة وحسب، بل امتد إلى الواقع بعد ظهور أجسام فضائية في السماء الأميركية خلال الأسابيع الماضية، مما يفتح تساؤلات دارت في فلك الخيال الذي تشكل لدى الجيل البالغ الـ40 من عمره تقريباً، وبين مسيرة العلم بمكتسباته الفضائية، فهل هي حقيقة أم خيال؟ وأين كانت هذه الكائنات الفضائية؟ وهل الزوار المزعومون من عوالم أخرى مسالمون وخيرون؟ أم سيهاجمون البشرية ويدمرونها كما الخيال الذي تجسد في الـ "أنيميشن" قديماً؟ ولماذا تظهر الآن؟
والواقع أن أقطاب العالم تتصارع على الأرض سواء بشكل عسكري مباشر أو غيره، أو عبر الحروب الاقتصادية والإعلامية وغيرها، لكن ما يحدث مؤشرات إلى احتمال انتقال هذه الصراعات إلى ساحة جديدة هي الفضاء.
ما تعايش معه خيال نواف قبل أربعة عقود ربما يصبح حقيقة، فالأمر ربما يتعدى كونه حرباً خفية بين الصين والولايات المتحدة وباقي القوى الكبرى، لا سيما أن مسألة ظهور كائنات وأجسام فضائية أصبح رفضها أقل من ذي قبل، ومع التطور التكنولوجي بات الأمر مقبولاً.
وفي وقت يذهب العلم والمنطق نسبياً أن عالم الفضاء لا وجود له على الأرض من الأساس، وأنه لا وجود لكائنات فضائية تتصارع مع البشر للسيطرة على الأرض، خرجت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان وأكدت أنه "ليس هناك أي مؤشر إلى أنشطة لكائنات فضائية"، إلا أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي لم يكشف أي معلومات عن الأجسام ومن وراءها، والهدف منها بعد إسقاطها وجمع حطامها، وربما تبدي لنا الأيام ما نجهله اليوم عن القول الفصل بين الواقع والخيال في شأن الأجسام الفضائية.