هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يخترع؟

منذ 1 سنة 197

يبدو أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، أو المحرك التكنولوجي الذي يُشغّل روبوت الدردشة الشهير «شات جي بي تي»، يملك مجموعة لا حدود لها من الحيل. إذ يمكنه إنتاج كل شيء حسب الطلب من الوصفات، وخطط الإجازات، إلى شيفرة الكومبيوتر، والجزيئات للأدوية الجديدة.

لكن هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يخترع؟

كان علماء القانون وسلطات براءات الاختراع وحتى الكونغرس يدرسون هذا السؤال. الأشخاص الذين يجيبون بـ«نعم» - عدد صغير ولكنه متزايد - يخوضون معركة لا تكلّ في تحدي الاعتقاد الراسخ بأن الإنسان وحده هو الذي يستطيع أن يخترع.

يستحضر الاختراع صوراً لعمالقة مثل توماس إديسون ولحظات يوريكا - «وميض العبقرية المبدعة»، على حد تعبير قاضي المحكمة العليا ويليام دوغلاس ذات مرة.

لكن هذا أكثر بكثير من مجرد مناقشة فلسفية حول الذكاء البشري مقابل ذكاء الآلة. ويقول الخبراء: إن دور الذكاء الاصطناعي ووضعه القانوني في مجال الاختراع لهما أيضاً آثار على طريق الابتكار المستقبلي والقدرة التنافسية العالمية.

استضاف مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة اجتماعين عامين العام الحالي أُطلق عليهما اسم جلسات استماع للمخترعين من الذكاء الاصطناعي.

في الشهر الماضي، عقد مجلس الشيوخ جلسة استماع حول الذكاء الاصطناعي وبراءات الاختراع. وكان من بين الشهود ممثلون عن شركات التكنولوجيا والمستحضرات الصيدلانية الكبرى. وإلى جانبهم على طاولة الشهود كان الدكتور راين أبوت، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة «سوري» في إنجلترا، الذي أسس مشروع المخترع الاصطناعي، ومجموعة من المحامين في مجال الملكية الفكرية، وعالم في الذكاء الاصطناعي.

قدّم المشروع حالات اختبار مجانية في الولايات المتحدة وأكثر من 12 دولة أخرى تسعى للحصول على حماية قانونية للاختراعات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي.

قال الدكتور أبوت، وهو أيضاً طبيب ومدرس في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا: «الأمر يتعلق بتحقيق الحوافز المناسبة لعصر تكنولوجي جديد».

ويزعم الدكتور أبوت أن الذكاء الاصطناعي الذي يتقدم بسرعة يختلف تماماً عن الأداة التقليدية المستخدمة في الاختراعات، ولنقل: قلم رصاص أو مجهر على سبيل المثال. الذكاء الاصطناعي التوليدي هو أيضاً نوع جديد من برامج الحواسيب. فهو لا يقتصر على القيام بأشياء مبرمجة خصيصاً، بل ينتج نتائج غير مكتوبة، كما لو أنه «ينتقل إلى مكان شخص آخر» وإنما بصورة إبداعية.

الهدف الرئيسي لمشروع أبوت هو إثارة وتعزيز النقاش حول الذكاء الاصطناعي والاختراع. وقال: إنه من دون حماية براءات الاختراع، سوف تضيع ابتكارات الذكاء الاصطناعي في عالم غامض من الأسرار التجارية بدلاً من الإفصاح عنها في سجل عام؛ مما يُبطئ التقدم في هذا المجال.

يقول مارك ليملي، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة استانفورد: إن مشروع المخترع الاصطناعي «جعلنا نواجه هذه المشكلة الصعبة ونكشف عن الثغرات الكامنة في النظام».

لكن حُكام براءات الاختراع عموماً يتفقون على أمر واحد: المخترع يجب أن يكون إنساناً، على الأقل في ظل المعايير الحالية.

حقق المشروع نتائج متباينة حتى الآن لدى هيئات براءات الاختراع في جميع أنحاء العالم. منحته جنوب أفريقيا براءة اختراع لحاوية مشروب موزعة للحرارة جرى توليدها بواسطة الذكاء الاصطناعي، ومعظم البلدان، بما في ذلك الصين، لم تتخذ قراراً بعد. وفي الولايات المتحدة، وأستراليا وتايوان، رُفضت المطالبات المماثلة. بعد أن رفض مكتب براءات الاختراع الأميركي طلب براءات الاختراع الخاص بالمشروع - وهو قرار أيّدته محكمة استئناف فيدرالية - انضم لورنس ليسيغ، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، إلى مذكرة موجزة قُدمت هذا العام إلى المحكمة العليا.

دعماً للمطالبة ببراءة اختراع المشروع؛ كتب ليسيغ ومؤلفوه المشاركون: إن حكم محكمة الاستئناف الفيدرالية «يحرم فئة كاملة من الاختراعات المهمة والمنقذة للحياة من أي حماية»، و«يعرّض المليارات من الاستثمارات للمخاطر الحالية والمستقبلية» من خلال تقويض الحافز الذي سوف توفره حماية براءات الاختراع.

رفضت المحكمة العليا الأميركية النظر في القضية. تسرد الكثير من براءات الاختراع أسماء الكثير من المخترعين، وغالباً ما تُذكر أسماء موظفي الشركة بينما يُعدّ مالك براءة الاختراع هو صاحب العمل. وهذا يشير إلى وجود أرضية وسطى لنظم الذكاء الاصطناعي كمخترع مشارك، يُعزى إليه الفضل ويُكشف عنه بالكامل - كشريك وليس كصانع منفرد.

قال السيناتور كريس كونز (الديمقراطي من ديلاوير)، رئيس اللجنة الفرعية القضائية المعنية بالملكية الفكرية: «قد ينتهي الأمر بنا إلى حيث نقف، ولكن هذا خط كبير جداً ينبغي تجاوزه».

إذا كان منح مكانة مخترع الذكاء الاصطناعي يشكّل امتداداً اليوم، فإن هذا لا يعني توفير حماية أقوى للملكية الفكرية فيما يتصل بالتكنولوجيا سريعة التطور.

قدّم كل من السيناتور الجمهوري كونز والسيناتور ثوم تيليس مشروع قانون الشهر الماضي لتوضيح أنواع الابتكارات المؤهلة للحصول على براءات الاختراع. والمقصد من ذلك تقديم حل تشريعي لحالة عدم اليقين التي أثارتها سلسلة من قرارات المحكمة العليا. ويقول الخبراء القانونيون: إن الحصول على براءات الاختراع في مجال الذكاء الاصطناعي، إلى جانب التشخيص الطبي والتكنولوجيا الحيوية، سيكون أسهل حالاً على الأرجح.

قال ديفيد كابوس، المدير السابق لمكتب براءات الاختراع والشريك في شركة «كرافاث - سواين ومور»: إن مشروع القانون لا يتعلق بالذكاء الاصطناعي على وجه التحديد، ولكنه «يعترف باتجاه التقدم بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي» نحو حماية أقوى لبراءات الاختراع. في جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ، قدّم الدكتور أبوت حجّته لاختراع الذكاء الاصطناعي، بمساعدة حاوية مشروبات غريبة المظهر كان يحملها ووصفها. جرى إنشاؤها بواسطة نظام الذكاء الاصطناعي المُدرَّب على المعرفة العامة. لم يكن لديها تدريب في تصميم الحاويات، ولم يُطلب منها أن تصنع واحداً.

صُمم الذكاء الاصطناعي للجمع بين الأفكار والمفاهيم البسيطة في أفكار ومفاهيم أكثر تعقيداً، وتحديد متى يكون للمرء نتيجة إيجابية، وهي العملية التي تتكرر مراراً وتكراراً. تمت تغذية التصميم الناتج في طابعة ثلاثية الأبعاد. تستخدم الحاوية الهندسة الجزئية لتحسين نقل الحرارة، وهو نوع من مضادات الثيرموس. يمكن استخدامها، على سبيل المثال، لصنع الشاي المثلج، والمغلي، والمنقوع، والمبرد بسرعة.