هل يتطلب الزواج الناجح الطلاق من العائلة؟

دفعني حفل تتويج الملك إلى التفكير، فالمشهد أشبه بحفلة زفاف مع ما يرافقه من هدايا ولائحة مدعوين مرموقين والتركيز على ثنائي واحد وأولادهما.

كان الجزء الأكبر من نقاش التتويج حول احتمال حضور هاري وميغان المراسم، مما يبين أنه على رغم أن الحفل يدور حول الملك، فهو يتعلق عملياً بطفل معين، بابن معين وزوجته المختلفة جداً.

فميغان الممثلة الأميركية المطلقة من أصول مختلطة، التي هزت أساس المؤسسة الملكية منذ البداية تركت وراءها آثاراً عميقة، من حفلة الزفاف التي دعي إليها علية القوم إلى "ميغزيت" (الانفصال عن العائلة المالكة أسوة بـ ’بريكست‘)، ثم تلك المقابلة مع أوبرا ومزاعم السلوك العنصري لأعضاء العائلة المالكة، سواء عن قصد أو عن غير قصد.

لكن لكي ننصف ميغان وهاري فكل خطوة يقومان بها تظهر اتحادهما كثنائي قبل كل شيء، فقد تمسك أحدهما بالآخر في السراء والضراء، وهذا ما دفعني إلى التساؤل: هل قررا أن يطلقا عائلتيهما؟ لأن هذا ما أراه بكل وضوح.

نعلم جميعاً بأن ميغان طلقت والدها بمرارة وربما عن حق، لكن هذا طلاق من نوع مختلف، فقد انفصل هاري عن باقي أفراد العائلة المالكة وتحديداً والده وشقيقه، بعد تباعد طويل مشحون بالعواطف ومليء بالمراسلات المريرة، وكانت تلك المرة الأولى التي يظهر فيها هاري في العلن إلى جانب الملك وكاميلا وويليام منذ هاجمهم في كتاب مذكراته، "سبير".

وقد انتقد في الكتاب "بابا" وتربيته الباردة وبعده منه، ودعا "زوجة والده الشريرة" كاميلا بالـ "خطرة"، متهماً إياها بالتضحية به على "مذبح علاقاتها العامة"، واتهم ويليام بالاعتداء عليه جسدياً، وهذا أكثر ما صدمني.

باعتباري شخصاً تزوج حديثاً، هل عليّ أنا أيضاً الانفصال عن عائلتي؟ قصدت أبي لكي أعرف الجواب فرد برأيي على سؤالي بسرعة شديدة بقوله "نعم عليك أن تطلق والديك وعليك أن تفعل ذلك لكي تلتزم بشيء جديد. إن الأمير هاري أحمق لكنه ثائر، وأعتقد بأنه أقدم على التصرف الصائب". 

أعتقد بأن هذا الأمر حكيم، تُخلق لوالدين تتفق معهما، إن شاء الله، لكن شريكك في الحياة أهم شخص في حياتك، وهو من اخترت أن تقضي باقي عمرك معه، ولو ظهرت مسألة خلافية بين الآباء والشريك فأخشى بأنه لن يكون هناك سوى فائز وحيد.

هل تريد والدتك بشدة أن ترى ابنها الحبيب يتزوج في مكان يعجبها؟ أعتذر منك يا أمي، لكن العروس تعرف المكان الأفضل.

هل لدى والديك رأي معين في نوع المدرسة، خاصة أو حكومية، التي يريدان أن يرتادها أول حفيد لهما؟ سنفكر في الموضوع.

هذه ليست دراما بل هذا ما تقوم عليه الزيجات المتينة الصلبة، وحتى أكثر الآباء إلحاحاً يفهمون هذه النقطة في قرارة أنفسهم، فقد مروا هم أيضاً بهذه التجربة.

وهاري "رجل يتبع زوجته"، كما يروق له أن يذكرنا في غالب الأحيان، فهو يتكلم بحماسة عن زوجته ويخوض معارك في المحاكم من أجلها ويعمل من المنزل مع زوجته، أما رائحته المفضلة، كما قال لمضيف البرنامج الحواري الأميركي ستيفن كولبير هذا الشهر، فهي "زوجته".

لم يكن أمام تشارلز أية فرصة في هذه القضية، ولا بد من أن هاري الذي اعتنق أسلوب الحياة في كاليفورنيا يعرف أكثر عبارة مبتذلة تلصق على السيارات في أميركا "زوجة سعيدة، حياة سعيدة"، لكن في هذه الحال سارت الأمور بشكل ممتاز.

كما يقول المؤرخ سايمون سيباغ مونتيفيوري في آخر كتاب له، كان السلاطين العثمانيين يدبرون اغتيال أبنائهم الذين يتمردون عليهم خنقاً على يد أشخاص صم وبكم يستخدمون حبال الأقواس، أما الخان المغولي فكان يدوس الأبناء الإضافيين بحوافر الأحصنة، وبالمقارنة مع هذا يبدو القصر الفخم في لوس أنجليس والاتفاقات مع "سبوتيفاي" وضعاً مريحاً جداً، وكل هذا يوصلني إلى نتيجة بأن هاري على حق.

بعد تتويج والده مباشرة تحل الذكرى الخامسة لزواج دوق ودوقة ساسكس، وأنا أعلم لأي حدث سأعطي الأولوية.

أيها الأمهات والآباء استمتعوا باللحظات اللطيفة التي تقضونها مع أحبائكم الصغار، إذ ربما ليس اليوم ولا غداً، لكن في وقت قريب سيأتي شخص مميز ويسحرهم ويغير شكل حياتهم، وقد تذرفون دمعة أو اثنتين لمعرفتكم بأن حكمكم انتهى، لكن إن كنتم تحبون شيئاً فعليكم أحياناً أن تحرروه.