هل هي فرصة أخيرة لحلّ القضية الفلسطينية؟

منذ 1 سنة 148

يُتَّهم الفلسطينيون بأنَّهم امتهنوا إضاعةَ الفرص لحلّ قضيتهم التي دخلت قرنين من الاستعصاء، حتى وصفت بقضيةِ العصر المزمنة.

وجد هذا الاتّهام من يصدقه، ويعتبره علامة فارقة للنهج الفلسطيني في التعامل مع القضية في كل المراحل التي مرَّت بها، أي منذ منتصف القرن العشرين إلى الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين.

ولهذا التصديق سببان مؤكدان الأول قوة الإعلام الصهيوني ومن يتأثر به من الإعلام الغربي العملاق.

والثاني ضعف الإعلام الفلسطيني والعربي المنبثق من ضعف السياسات وقدراتها في التأثير على المواقف الدولية، وخصوصاً تلك المتأثرة بالسياسات الأميركية والغربية التي تبنت الرواية الإسرائيلية، ودعمتها، إلا من بعض مبادرات صغيرة كانت تظهر بين وقت وآخر، تبدو موضوعية إلا أنَّها كانت عديمة الفاعلية.

دروس التاريخ مفيدة إذا ما استعين بها لرسم سياسات أكثر نجاعة في الحاضر... ولأننا كما يقال «أبناء اليوم» فلننحِ جانباً الجدل حول من المسؤول أكثر عن إضاعة الفرص؟ الفلسطينيون أم الإسرائيليون أم أطراف ثالثة؟

فما الذي يجري اليوم، بعد أن فشلت كل فرص الأمس؟ ولنناقش الأمر من زاوية ما يُرسم من خرائط ليس للشرق الأوسط بل للعالم كله، ومعالمها الأولية.

- مشاريع الطرق العملاقة، الصينية والهندية.

- سطوة الاحتياطات ومخزون الطاقة على المعادلات السياسية، التي حصل شبه انقلاب بشأنها، بحيث لم تعد السياسات التقليدية هي التي تقود العلاقات الاقتصادية، بل العكس تماما هو ما يحدث الآن.

- تراجع قدرات الحسم العسكري في أي صراع، والحالتان الأوكرانية والشرق أوسطية تصلحان دليلا على ذلك، إلا إذا صحونا يوماً لنرى كييف تُسقط موسكو ونرى موسكو تُسقط الائتلاف الدولي المناوئ لحربها التي بدأت خاطفة ومضمونة النتائج في أيام وأسابيع، لتتحول إلى حرب عالمية بالواسطة يحسب زمنها بالسنوات.

الشرق الأوسط الجديد سيكون المتغير الأساسي على مستوى خريطة العالم، ولأول مرة تكون خريطته الجديدة وفق صيغ حل سياسي لمصادر التوتر فيه حاجة لأهله، ولكل الدول التي لها مصالح أساسية فيه. لم يكن الأمر كذلك زمن الحرب الباردة وما تلاها، حيث الشرق الأوسط هو صاحب الامتياز الذي لا يضاهى في إنتاج الحروب بكل أشكالها، فإن لم تكن إقليمية فهي أهلية، وإن لم تكن لا هذه ولا تلك فتوتر داخلي في معظم كياناته يغري كل الأجندات على الاستثمار فيه، ولا لزوم لسوق أمثلة على ذلك.

لست من الذين يتبنون فكرة انهيار النظام الدولي القديم، ونهوض نظام جديد على أنقاضه، فذلك أمر يجسد انقلاباً كونياً يحتم إلغاء مؤسسات واقتصادات واصطفافات إقليمية ودولية، إلا أن الأصح أن تغييرات جوهرية تجري داخل النظام القديم الذي لا يزال حياً وفعالاً، يجسدها نشوء قوى جديدة أو ذات إمكانات مستجدة، وكلها تقاتل لتحسين موقعها داخل النظام، مع بروز ظاهرة الازدواجية الإيجابية في تحقيق المصالح، ومثال ذلك في منطقتنا «السعودية» التي لا تجد نفسها مضطرة للاصطفاف مع قوة ضد قوة منافسة. والهند على المستوى القاري، التي تلاحق مصالحها أينما وجدت في أميركا أو الصين، أو روسيا أو إيران، من دون تقييد نفسها بحتمية دفع أثمان لخياراتها ، و«بريكس» كإطار دولي مستجد لا يخرج عن هذا السياق، رغم أن هنالك من بشر به كنواة لنظام دولي جديد ومستقل!

خريطة العالم الجديد داخل إطارات نظامه القديم أي الراهن ولكي يتحقق فشرط الأساس فيه الهدوء والاستقرار، وهذا ما يُجمع عليه العالم بشأن القضية الفلسطينية، ليس كما كان الأمر في السابق تضامنا مع الحق والعدالة، وإنما في إطار صون المصالح وتطويرها في مناخ مواتٍ لطموحات كيانات وشعوب العالم الجديد، انطلاقا من معادلة أن الخرائط الجديدة لا تستقيم مع حروب جديدة.

الاستثناء الذي لا يزال قائما تجسده الطريقة الإسرائيلية في التعامل مع الخرائط المعدة للمنطقة والعالم، ويبدو أنه لا هم لها في هذا التغيير الكوني الكبير إلا أن ترى خرائطه خالية من الحروف الستة التي هي «فلسطين» وحين أقول الاستثناء الوحيد، فهو كذلك في الواقع والأرقام، فلم يبقَ في العالم دولة لا ترى مستقبل الشرق الأوسط مزدهراً ومستقراً من دون حل الدولتين، إذاً لا بد من استكمال المعادلة بالشق الثاني منها، وهو دولة فلسطينية وفق إجماع دولي نادر قلما وجد مثله إزاء القضايا الإقليمية والدولية.

على ضوء ما ينجم عن التطلع الجمعي لولادة شرق أوسط جديد، وقبل أن يرسم النافذون خرائطه لتتحول إلى مشروع يطبق فعلاً على الأرض. فهل بوسعنا رؤية فرصة حقيقية لحل النزاع المزمن، وهل نرى من يستثمرها أو يهدرها؟

وهذه المرة... ربما تكون الفرصة الأخيرة.