في بداية الأسبوع الحالي بدأت تعليقات مستترة تظهر في مبنى «الكابيتول هيل» بشأن وجود «تهديد أمني خطير» مجهول الاسم، وبحلول يوم الخميس أخبر جون كيربي، متحدث باسم البيت الأبيض، الإعلام الأميركي، بالأمر الذي كان يتحدث عنه أعضاء في الكونغرس، وهو قدرة روسية جديدة متعلقة بالفضاء مضادة للأقمار الاصطناعية تنتهك معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، ويُشتبه في أن تكون سلاحاً نووياً خاصاً بالفضاء.
يقول مسؤولون إنَّ النظام ليس نشطاً بعد، ولم يذكروا أي تفاصيل بشأن ما يمكنه فعله. مع ذلك إذا كان هذا ما يشير إليه البيت الأبيض، ربما نجد أنفسنا في مواجهة لحظة «سبوتنيك» الخاصة بهذا الجيل. عندما أطلق الاتحاد السوفياتي السابق عام 1957 أول قمر اصطناعي وصدم الأميركيين، كانت إدارة أيزنهاور تعلم بقدرات الأقمار الاصطناعية التي يتمتع بها السوفيات قبل ذلك بعامين. والآن ونحن نعلم ما تخطط له روسيا، لا يمكن للولايات المتحدة تحمل تكلفة الإبطاء في اتخاذ إجراء.
سيمثل وجود سلاح نووي روسي قادر على استهداف الأقمار الاصطناعية مصدر قلق وفزع لعدة أسباب؛ أولاً أنه أمر غير قانوني، حيث تحظر معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، التي كانت روسيا طرفاً فيها، نشر «أسلحة نووية أو أي نوع آخر من أسلحة الدمار الشامل» في المدار المحيط بكوكب الأرض. ويمكن أن يكون لذلك أثر مزعزع للاستقرار على وضع جيوسياسي فوضوي بالفعل، ويمنح روسيا القدرة على تعريض أثمن أصول أميركا للخطر. في الوقت الذي حققت فيه الولايات المتحدة تقدماً كبيراً في مجال الدفاعات الفضائية، سوف تجد صعوبة كبيرة في الدفاع عن أقمارها الاصطناعية في مواجهة هجوم نووي في الفضاء؛ ويمثل ذلك تهديداً خطيراً.
تجعل الأقمار الاصطناعية جوانبَ عديدةً من حياتنا اليومية ممكنة، بداية بالملاحة وتوقع أحوال الطقس، وصولاً إلى البث التليفزيوني والمعاملات المالية.
إنَّ فكرة حدوث انفجار نووي في الفضاء ليست بالجديدة، حيث أجرى كل من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية اختبارات تفجير نووي على ارتفاع كبير خلال فترة الخمسينات والستينات، من بينها اختبار «ستارفيش برايم» الأميركي عام 1962 عندما فجرت الولايات المتحدة رأساً حربياً وزنه 1.4 مليون طن فوق صاروخ «تور» على بعد 250 ميلاً أعلى الأرض. أحدث الانفجار موجة نابضة مغناطيسية كهربائية انتشرت عبر الغلاف الجوي، وسخّنت الإلكترونيات على الأرض على بعد مئات الأميال من الاختبار، مما تسبب في حدوث تدفقات كهربائية على الطائرات، والشبكات الكهربائية، وتعطل الاتصالات بموجات الراديو. كذلك تراكم الإشعاع النووي المعزز في الفضاء على الأقمار الاصطناعية الموجودة في المدار مما أدى إلى تلف أو تدمير ثلث تلك الأقمار الاصطناعية.
كذلك ليس بالجديد على روسيا مخالفة الاتفاقات المتعلقة بالسيطرة على الأسلحة النووية، فقد انتهكت خلال الأعوام القليلة الماضية معاهدةَ القوى النووية متوسطة المدى لعام 1987، وعلّقت مشاركتها في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة الاستراتيجية الجديدة لعام 2010، وألغت المصادقة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.
ما يبدو غير مسبوقٍ الآن هو أن روسيا قد تتحرك باتجاه نشر أسلحة نووية على أقمار اصطناعية تدور بشكل مستمر حول الأرض ليتم تفجيرها في الأوقات والمواقع التي تختارها موسكو. ومن الصعب الفصل بين هذا التطور المحتمل وبين الحرب، التي تدور رحاها في أوكرانيا، والتي أظهرت خلالها روسيا ميلاً نحو التهديد والتلويح بحرب نووية.
في 27 فبراير (شباط) 2022، أي قبل الغزو بثلاثة أيام، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جعل الأسلحة النووية الروسية في حالة «الاستنفار القصوى». كذلك نشرت روسيا مؤخراً أسلحةً نوويةً في بيلاروسيا، للتصدي إلى أي هجوم من جانب حلف شمال الأطلسي، كما يقال، ولمنع المزيد من الدعم الغربي لأوكرانيا. تواصل موسكو إجراء تجارب نووية بانتظام على أنظمة توصيل نووية متطورة جديدة مثل الطوربيدات ذاتية التحكم التي تعمل بالوقود النووي، وصواريخ «الكروز» (الصواريخ الجوالة). تنص العقيدة العسكرية الروسية على أن روسيا سوف تستخدم الأسلحة النووية في حال حدوث أي هجوم ضد أصول روسية رئيسية، أو تهديدات لوجود الدولة، ويعتقد الخبراء أن روسيا يمكن أن تستخدم أسلحةً نوويةً في أي أزمة من أجل الإشارة إلى عزمها.
أوضحت روسيا مدى أهمية الأصول القائمة على الفضاء في ساحة المعركة في أوكرانيا، حيث تزود شبكة «ستارلينك»، بما لديها من آلاف الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض، القوات الأوكرانية باتصال لا يمكن قطعه. وتناقش وزارة الدفاع الأميركية علناً وصراحاً استثماراتها في مجموعات من الأقمار الاصطناعية الكبرى. ويتم النظر إلى مئات الأقمار الاصطناعية، التي يتم استخدامها في التحذير من الصواريخ، وفي مجال الاستخبارات والاتصالات، باعتبارها وسيلةً لزيادة الصمود في مواجهة مجموعة متنوعة من أخطار الفضاء المتزايدة. سوف تبحث موسكو عن طرق لاستهداف تلك المجموعات من الأقمار الاصطناعية الكبرى والقضاء على ما توفره من تميز وأفضلية.
مع ذلك سيكون أي تفجير نووي في الفضاء عشوائياً، حيث سيتسبب في ضرر أو تدمير أي أقمار اصطناعية في طريقه، وفي نطاق منطقة المدار نفسها. ولن يؤثر ذلك على الأقمار الاصطناعية الأميركية فحسب، بل أيضاً على الأقمار الاصطناعية للمعتدي، إضافة إلى عدد غير معلوم من الأقمار الاصطناعية التي تدور في الفضاء والمملوكة لأكثر من 90 دولة، ورواد فضاء يعيشون في محطة الفضاء الدولية ومحطة الفضاء الصينية. مع ذلك ما لدى روسيا لتخسره أقل، فبرنامج الفضاء الذي كانت تتفاخر به يوماً ما في حالة تدهور واضمحلال، وتحيط به العقوبات، وذكرت أنها تعتزم سحبه من برنامج المحطة النووية الدولية بعد عام 2024. كذلك تشغل موسكو حالياً مرتبة متدنية متراجعة عن الصين في إجمالي عدد الأقمار الاصطناعية التي تدور في المدار.
مثلما دفع «سبوتنيك» القادة نحو اتخاذ إجراء خلال القرن الماضي، ينبغي أن تكون هذه اللحظة مثل تلك اللحظة. أولاً على الولايات المتحدة وحلفائها العمل على منع روسيا من جعل تلك القدرة واقعاً. يمكن للولايات المتحدة أن تمنح الأولوية لحشد الإدانة الدولية لروسيا. كذلك ينبغي أن تتشارك المعلومات الاستخباراتية مع حلفائها، كما فعلت بعد انتهاك روسيا لمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى، ويمكنها أيضاً أن تعمل مع شركات فضاء تجارية لجمع معلومات عن المشروع الروسي. ويمكن أن يتخذ ذلك الضغط عدة أشكال مثل إصدار قرار من جانب الأمم المتحدة مشابه للقرار الذي صدر عام 2022، والذي يدعم وقفاً لنوع واحد من التجارب على الأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية. وينبغي أن تكون الصين مهتمةً بهذه الجهود والمحاولات أيضاً بالنظر إلى استخدامها سريع التوسع للفضاء، بما يشمل خطط نشر مجموعتين فضائيتين مماثلتين لـ«ستارلينك».
* محللة للسياسات الأميركية ومسؤولة حكومية عملت نائبة رئيسية لوكيل وزارة الدفاع لشؤون الاستخبارات
* مديرة مشروع الشؤون النووية وزميلة رفيعة المستوى في برنامج الأمن الدولي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية
* خدمة «نيويورك تايمز»