السؤال:
ارى ظاهرة منتشرة في هذا الوقت.. عندما يرى الناس رجلا مع امرأة غير محجبة سواء ابنته او اخته او زوجته يصفونه فورا بالديوث هل يجوز لهم فعل ذلك رغم عدم علمهم اذا كان راض بذلك ام لا؟
الإجابة:
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فإن الله قد جعل في نفوس بني آدم قوى غضبية تتجلى في الغيرة على الأهل والأبناء وجميع محارمه، ومن لم يكره أن تكون زوجته أو ابنته غير مستترة بالستر الشرعي فهو ديوث بلا شك؛ ففي الحديث الصحيح ((ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدًا: الديُّوث من الرِّجال)) الحديثَ، والديوث هو من لا غيرة له، والمسلمون متفقون على ذم الدياثة، وقد عُرِّفت الدِّياثةُ بألفاظٍ مُتقاربة يجمعها عدم الغيرة على الأهل.
أما جواز إطلاق لفظ ديوث على بعض الناس، فلا بأس به إذا كان الفعل يدل على انتفاء القوى الغضبية من قلبه تجاه زوجته ومحارمه، وهذه حقيقة الدياثة، والقوى الغضبية من قوى النفس البشرية، فتوجد عند المسلم والكافر، حتى من لم يأته نذير ولم يسمع وحيًا، ولم يؤمنوا بجنة ولا نار، والغيرةُ على المحارم هي موجَب تلك القوى، ولذلك اتفق أهل العلم على أن من تزوج بغيًا كان ديوثًا.
أما من يسير في الطرقات مع زوجته المتبرجة أو ابنته، فإن إطلاق وصفه بالدياثة فيه تفصيل؛ لأن الفعل يحتمل أنه لا يستقبح ذلك، أو يستحنه، فهذا بلا شك ديوث لا يغار على عرضه.
ويحتمل أنه قصر في تأديب بناته وهنّ صغار، فلما كبرن عسر عليه إقناعهن بالحجاب، ولا سبيل لإكراههن على الحجاب، وهذا مع تقصيره الشديد لا يسمى ديوثًا؛ لأنه لا يقرهن على ذلك، وإن كان يتعين عليه عدم اصطحابهن إلا إذا دعت الضرورة أو الحاجة أو المصلحة الراجحة، مع الاستمرار في النصيحة برفق ولين؛ فبالكلمةُ الطيبة والموعِظة الحسنة تتحقَّق المَصلحةُ إن شاء الله، فالإسلام يُصحِّح عادات المسلم السيئة، ويَنقلها للأحسن، والمسلم ليس له الاختيار فيما فَرَضَه اللهُ عليه؛ تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، فما أمَرَ الله به لا يُترَك لقول أحدٍ مِن البشر كائنًا مَن كان، ولا يَصِحُّ التعلُّل وخلق الأعذار في عدم الاستجابة لشرع الله تعالى، فكلُّ هذا خطرٌ على الدين ولا يَليق بمُؤمِنة أبدًا، وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، وقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
أما الزوجة فيجب عليه ابتداء ألا يتزوج إلا صاحبة الدين، فإن خالف الأمر النبوي وتزوج متبرجة، قصرها على الحجاب، وألزمها بالحِجاب الصحيح، ويجب عليها طاعته؛ فإن ذلك من القَوَامة التي جَعَلها الله للرجل، وإذا أصَرَّت على التبرج ولم يتمكَّن من إلزامها بالحِجاب، فقد ذَهَبَ البعض إلى وجوب فِراقها في تلك الحال، وإن كان الأَوْلى الاستمرار في الصبر عليها، مع السَّعْي في إصلاحها بكل وسيلةٍ، والاجتهاد في إعانتها على تَقْوِيَة صِلَتها بربها؛ فحجاب الزوجة ليس شأنًا خاصًّا بها وحدها، وإنما هو مُرتبِطٌ بالزوج أيضًا.
هذا؛ ومن المقرر في الشريعة الإسلامية أن أولُ واجبات القِيَم وربِّ الأسرة هو تَهْذيب زوجتِه وتربية الأبناء؛ كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، قال مجاهد: "أَوْصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدِّبوهم"، وقال تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]، فالمنهجُ الإسلامي نظَّم البيوت، وأقامَها على أُسُس متينة، حَمَّلَ فيها المؤمنين تَبِعة أهليهم، كما يُحمِّلهم تَبِعة أنفسِهم، وما يتطلَّبه مِن الجهد والاهتمام البالغ بتكوين المسلمة كي تستطيعَ أن تُنشِئ البيت المسلم؛ فالأمُّ هي مَن تُربِّي الأجيال وليس الرجل، وتوجيه الخطاب للزوج لثِقَل هذا الواجب؛ ليأخذ الاستعداد والأهبة لبَذْل الجهد المباشر، والصبر عليه، فالرَّجل هو رئيس البيت وواجبه الأول أن يَحُول بين الزوجة والأبناء وبين عذاب الله، وهذا ليس بالأمر الهَيِّن، بل هي تَبِعَة ثقيلة رهيبة، والله والمستعان.
وروى البخاري ومسلم عن عبدالله قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول؛ فالإمام راعٍ وهو مسؤول، والرجلُ راعٍ على أهله وهو مسؤول، والمرأة راعية على بيت زوجها وهي مسؤولة، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول))..
إذا تقرر هذا، فلا يجوز إطلاق لفظ الدياثة على من تزوج امرأة متبرجة أو أحد بناته متبرجات، أو سار مع إحداهن، حتى يعلم رضاه عن ذلك أو إقراره له، ويظهر الرضا في فلتات اللسان وفي أعمال الجوارح، وظاهر الحال،، والله أعلم.