السؤال:
يا شيخ لا استطيع ان ارسل هذه الرسالة الا بجهد واظن باب التوبة اغلق في وجهي ومررت بظروف ورؤية احلام وامور كثيرا منها ثقل هائل على قلبي بسبب ذنوبي حتى بدأت احس بسوء خاتمتي . اريد ان اعرف ما حكم عصياني بعد ان ارسل الله لي اشارات وتصورات مثل مكان مظلم او نار في عقلي فقط بأن ما افعله خطأ حتى وصل بي الامر ان احسست وكأن احدا يقول في داخلي(لو ان الله والملائكة ظهروا لي ويقولوا لي ما تفعله خطأ فهل ستستمر على فعلك؟)وكنت احس ان الله يطلعني على غيب في عقلي لكن كنت مستمرا على الذنب حتى حسيت ان الله تركني
الإجابة:
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن من عظيم فضل اللله ورحمته أنه يقبل توبة كل من تاب إليه توبة صحيحة، ويعفو عنه؛ فهو سبحانه وتعالى غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ومهما عظم والذنب وقبح الكفر وغلظ الشرك، فإن التوبة تمحو ذلك جميعًا، والله سبحانه وتعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب، ولم يستثنى من هذا إلا من تاب بعدما رأى ملك الموت؛ قال الله تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ* أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: 135، 136]، وقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} [النساء: 48]، وقوله: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 119]، وقوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا* وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 70، 71]، وقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82]، وقوله:{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْ} [مريم: 60]. تعالى:{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]، فكل من تاب لله توبة نصوحًا، واجتمعت فيه شروط التوبة من الإقلاع عن الذنب، والعزم على عدم معاودته، والندم على فعله:- فإنه يقطع بقبول توبته تفضلاً من الله ورحمة؛ لأن المغفرة من وعد الله والله لا يخلف الميعاد؛ قال الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}[الشورى:25]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: التائب
أما عدم قبول التوبة عند الموت؛ فقد قال تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ}[النساء: 18]َ، قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقالوا لي: "كل من عصى الله فهو جاهل، وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب".
وتأمل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول في مجموع الفتاوى (11/ 388): "إذ الواجب الإقرار لله بفضله وجوده وإحسانه" وللنفس بالتقصير والذنب" كما في الحديث الصحيح: "سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها إذا أصبح موقنًا بها فمات من يومه دخل الجنة، ومن قالها إذا أمسى موقنا بها فمات من ليلته دخل الجنة"، وفي الحديث الصحيح الإلهي: "يقول الله تعالى: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه"، وفي الحديث الصحيح: "يقول الله: من تقرب إلي شبرًا تقربت منه ذراعًا، ومن تقرب إلي ذراعًا تقربت منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة"، وفي الحديث الصحيح: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني"، وقد ثبت: "أن الله تعالى كل نعمة منه فضل، وكل نقمة منه عدل"، وقد ثبت من حكمته ورحمته وعدله ما يبهر العقول... العبد لا ينبغي له أن يقترح على الله شيئًا معينًا؛ بل تكون همته فعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور، فمتى أعين على هذه الثلاثة جاء بعد ذلك من المطالب: ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". اهـ.
فدعك من تلك الوساوس، واقطعها ولا تسترسل معها، وأصدق اللجوء إلى الله عزّ وجلّ بالدعاء، وأقبل عليه سبحانه بفعل المأمور وترك المنهي عنه وتوكل على الله، وأحسن الظن بالله، وانظر إلى سعة رحمة الله؛ فمحبة الله والخوف منه سبحانه ورجاؤه هي أعظم محركات القلوب إلى الله؛ قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 5]، وقال: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218].
إذا تقرر هذا، فالواجب عليك الفرار إلى الله تعالى بالتوبة فبابها مفتوح في كل وقت، وأصدق اللجوء إلى الله تعالى، وأكثر من ذكره وشكره وعبادته، وأكثر من قراءة القرآن الكريم بتدبر وتأمل،، والله أعلم.