لقيت خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، المعروفة على نطاق واسع باسم الاتفاق النووي الإيراني، ترحيبًا عالميًّا كبيرًا، باعتبارها أحد الإنجازات الدبلوماسية الكبرى في ذلك الوقت.
ولكن بعد ثلاث سنوات فقط، سحب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب بلاده من الاتفاق، ونفذ ما قاله لسنوات بعدما وصف الاتفاق بأنه "سيّء"، وادّعى أنه يستطيع أن يفعل ما هو أفضل من ذلك بنفسه.
انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق، لم يؤدِّ إلى تدمير خطة العمل الشاملة المشتركة بالكامل، ولكنه زاد من تأجيج التوترات بين واشنطن وطهران، وجعل من الصعب على الأعضاء الأوروبيين في الاتفاق الحفاظ عليه.
والآن، يزعم ترامب أنّ محادثات "مباشرة" بدأت بين واشنطن وطهران للتوصل إلى اتفاق جديد، من شأنه أن يمنع إيران من معالجة اليورانيوم إلى عتبة التخصيب بنسبة 90% التي تسمح باستخدام اليورانيوم في صنع الأسلحة النووية.
وفي مؤتمر صحفي عقده في المكتب البيضاوي يوم الاثنين، وإلى جانبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعد ترامب بعقد "اجتماع كبير جدًا" يوم السبت المقبل في عُمان لبدء العملية، التي يمكن، نظريًا، أن تمنع هجومًا مباشرًا متوقعًا على المنشآت النووية الإيرانية من قبل الجيش الإسرائيلي.
ووفقًا لسكوت لوكاس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية دبلن الجامعية والمتخصص في العلاقات الأمريكية - الشرق أوسطية، ليس من السهل رؤية ما يمكن أن تأمل هذه المحادثات في تحقيقه بالفعل.
وقال لـ"يورونيوز": "المشكلة الحقيقية هنا يختصرها هذا السؤال: ما هي المطالب التي سيضعها وفد ترامب على البرنامج النووي الإيراني".
"وأضاف: هل نعود إلى عام 2015، حيث تخلى الإيرانيون عن مخزون الـ20% من اليورانيوم المخصّب، وحدّدوا نسبة التخصيب بـ3.67%؟ لم يكن ترامب راضيًا عن ذلك في عام 2018، فما الذي يمكن أن يفعله الإيرانيون أكثر من ذلك، خاصةً أنهم ينطلقون الآن من وضع نوويًّ أكثر تقدمًا".
"لديهم اليورانيوم المخصب بنسبة 60٪ الذي ينتجونه، وربما لديهم القدرة على الوصول إلى نسبة 90+" أضاف لوكاس.
وأكد أنه "قد لا يكون من الممكن إعادة المارد إلى القمقم من حيث العودة إلى شروط عام 2015".
حافة الكارثة
إن مخاطر عدم التوصل إلى اتفاق كبيرة - كما أوضح النصف الأخير من فترة رئاسة ترامب الأولى.
وبعد انسحابه من الاتفاق النووي، كاد ترامب أن يدفع بالولايات المتحدة وإيران إلى صراع شامل. ففي حزيران / يونيو 2019، ورداً على إسقاط إيران لطائرة بدون طيار من دون طيار، أمر بشنّ غارات جوية على أهداف إيرانية، لكنّه ألغاها بينما كانت الطائرات الأمريكية لا تزال في الجو.
ووفقًا لترامب، فقد فعل ذلك بعد أن تم إطلاعه على أن 150 شخصًا كان من الممكن أن يُقتلوا بسبب الغارات الأمريكية المقرّرة.
ثم في كانون الثاني / يناير2020، اغتالت إدارته أحد الشخصيات العسكرية الإيرانية البارزة، وهو قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، بغارة بطائرة بدون طيار على طريق مطار بغداد الدولي.
وردت إيران بضربات صاروخية على قواعد في العراق تستضيف عسكريين أمريكيين، وبدا لفترة وجيزة أن هناك فرصة جدية لاندلاع انفجار كبير.
لكن، بعد خمسة أيام فقط من اغتيال سليماني، أسقط الحرس الثوري الإيراني طائرة ركاب أوكرانية، بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار طهران الدولي، ظناً منه على ما يبدو أنها كانت طائرة كروز أمريكية. ومضت عدة أيام قبل أن تعترف السلطات الإيرانية علناً بما حدث، لكن الحادث أثار على الفور احتجاجات مناهضة للحكومة. ورغم نجاة نظام طهران، إلا أن التصعيد الفوري مع الولايات المتحدة توقف فعلياً.
أوقات عصيبة في طهران
في السنوات التي تلت ذلك، واجهت إيران تحديات كبيرة. فقد تضررت بشدة وفي وقت مبكر من جائحة كوفيد-19، وزادت العقوبات والمشاكل الاقتصادية التي واجهتها من صعوبة الاستجابة لانتشار الفيروس.
وكانت هناك موجات متعددة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة، حيث ازدادت ثقة الإيرانيين الشباب، على وجه الخصوص، في التعبير عن غضبهم من معاملة السلطات الوحشية في كثير من الأحيان للنساء وقمع الديمقراطية.
وفي الوقت نفسه، ألحقت حرب إسرائيل مع حماس وحزب الله أضرارًا بالغة باثنين من أهم حلفاء إيران من غير الدول، وتقصف واشنطن الآن حليفًا آخر هو الحوثيون في اليمن.
وفي هذا السياق تفتح إدارة ترامب المحادثات النووية من جديد. ومع اقتراب موعد الانخراط الرسمي الواضح في نهاية هذا الأسبوع، يشير لوكاس إلى وجود تباين في الطريقة التي يبدو أن الطرفين يتعاملان بها مع المحادثات.
وقال ليورونيوز: "يرسل الإيرانيون وزير خارجيتهم، لذا فهم يظهرون مدى جديتهم في هذا الأمر".
وأضاف: "يرسل ترامب صديقه المطور العقاري ستيف ويتكوف، الذي يُفترض أنه كان مبعوثًا إلى الشرق الأوسط ثم مبعوثًا إلى روسيا. وقد أدلى مؤخرًا بمقابلة مع تاكر كارلسون قال فيها إن بوتين يهتم حقًا بترامب ويدعو له بعد محاولات الاغتيال".
من ناحية أخرى، قال لوكاس إن أساسيات القضية في الواقع بسيطة للغاية.
وأوضح: "على الرغم من أن المرشد الأعلى قال علناً 'لن نتفاوض مع متنمّر'، إلا أن هذا الموقف مشابه للموقف الذي كانت عليه إيران في عام 2013، عندما أقنع (لرئيس آنذاك حسن روحاني المرشد الأعلى بضرورة التفاوض بسبب الاقتصاد".
وأضاف: "ما يريدونه هو رفع العقوبات، بكل بساطة. فهم يريدون أن يكونوا قادرين على التجارة، ويريدون إعادة ربطهم بالنظام الدولي".
"ليس هناك الكثير من الجزرات الأخرى التي يمكن أن تقدمها الولايات المتحدة. المشكلة ستكون، ما هي العصي"، أشار لوكاس.
العاصفة المتجمعة
وفيما يتعلق بالتصريحات العلنية، لم يظهر ترامب أي تردّد في إطلاق التهديدات، وإن كانت غامضة. وقال يوم الاثنين: "إذا لم تنجح المحادثات مع إيران، أعتقد أن إيران ستكون في خطر كبير".
وتضع ولايته الرئاسية الثانية بالفعل ضغوطًا جديدة على طهران، في شكل الأزمة الاقتصادية العالمية المتسارعة الناجمة عن سياسة ترامب الجمركية المترامية الأطراف، والحرب التجارية الناتجة عنها، والتي أدت بالفعل إلى تدهور الأسواق العالمية - وأسعار النفط معها.
ويقول لوكاس: "الاقتصاد الإيراني في ورطة كبيرة والتضخم مستمر في الارتفاع. يقولون رسميًا أنه أقل من 35% بقليل، وبشكل غير رسمي ربما يكون أعلى من ذلك بكثير، خاصة بالنسبة للمواد الغذائية والضروريات."
وأضاف: "لقد انخفضت العملة تمامًا منذ تشرين الثاني/ نوفمبر والبنية التحتية في حالة سيئة للغاية، والآن سيتضررون من انخفاض أسعار النفط بسبب مغامرة ترامب المتعلقة بالتعريفات الجمركية".
لكن في حين أن الأزمة الاقتصادية العالمية الجديدة قد تؤذي إيران بشكل مباشر وقاسٍ قريباً، فإن أي محادثات ستطغى عليها مشكلة أخرى: انسحاب واشنطن المتزايد من ضمان أمن حلفائها، وما نتج عنه من نقاش حول الانتشار النووي بين حلفائها.
فعندما تم إبرام اتفاق عام 2015، كانت كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة الأخرى التي كانت في الأفق التي تعمل على الانتشار النووي المباشر، والتي كانت بالفعل دولة منبوذة تخضع لعقوبات شديدة.
ولكن اعتباراً من ربيع هذا العام، أصدرت روسيا عدة تهديدات نووية ضد أوروبا، بينما واصلت الصين بناء ترسانتها، ويقترح البعض في الولايات المتحدة علناً العودة إلى تجارب الأسلحة النووية.
ونتيجة لذلك، هناك حديث متزايد عن تكاتف الدول الأوروبية معًا لمشاركة ردع نووي بقيادة أنغلو-فرنسية، وقد ذكر رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك صراحةً إمكانية أن تطور بلاده قدرتها النووية المستقلة.