في ظل الغياب الواضح للفن الحقيقي والمحترف تغيب آلية تجارب الأداء عن المشهد الدرامي في الوطن العربي الذي تتحكم بإنتاجاته المحسوبيات والنجوم الذين يملكون جيوشاً من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن قاعدة اختيار الممثل المناسب للدور الذي يعد من البديهيات التي تقوم عليها مهنة التمثيل، يتحدث عدد من صناع الدراما في العالم العربي عن غياب أو تغييب هذه القاعدة وتأثيرها في المشهد الدرامي.
تجارة وعلاقات
تقول الناقدة المصرية خيرية بشلاوي في حديث إلى "اندبندنت عربية"، "لا يوجد شيء اسمه تجارب أداء في العالم العربي، بل إن العلاقات والتجارة هما المسيطران، والممثل ذو القيمة في شباك التذاكر هو الذي يسند إليه الدور بغض النظر عما إذا كان مناسباً له أم لا، أي أن فكرة الممثل المناسب للدور المناسب غير موجودة لأن الحرص على فنية العمل أو المنتج الفني لم تعد ضرورية، لأن الفن تحول إلى مزاج وسلعة تتمتع بالجاذبية والقدرة على التوزيع باسم الممثل أو الكاتب، مع أن الكاتب النجم لم يعد موجوداً وقد يكون أحمد مراد هو الكاتب الوحيد الرائد في الصناعة المصرية، أما النجوم فتجاريون في ظل سيطرة الكوميديا التي تنزلق إلى التهريج والـ ’إيفيه‘ ومن يبرع فيهما يحظى بالجماهيرية، بدليل تحول السينما إلى منتج وجمهور مستهلك ومنتج يخضع لحساسية الجمهور وذوقه الفني وللمرحلة الاجتماعية السياسية الفنية".
الحصان الرابح
ولأنه تبين أن نجومية الممثل ليست هي الحصان الرابح، بدليل فشل عدد من الأعمال التي كان أبطالها نجوماً معروفين، توضح بشلاوي أن "الممثلين الذين يتمتعون بنجومية كبيرة قلائل جداً ومن بعد عادل إمام ونور الشريف وغيرهما من الأسماء المهمة لا يوجد نجوم كبار قادرون على التحكم بالعملية الإنتاجية وحتى المنتج لم يعد هو نفسه، لأن العقلية اختلفت والانصياع لمزاج الجمهور المتدني فنياً وذوقاً لا مفر منه، علماً أن نجاح بعض الأفلام لا يعود لمستواها الفني بل لقدرتها على صناعة معادلة كيماوية مع الجمهور، لذا فإن آلية تجارب الأداء غير موجودة والحس التجاري هو الذي يتحكم بالعملية الإنتاجية في ظل انعدام وجود إنتاج فني خالص وقوي يدقق في المادة الموضوعية التي تتم معالجتها واختيار الممثلين إلا فيما ندر، كما في مسلسل ’الاختيار‘ للمخرج بيتر ميمي الذي أخرج أيضاً فيلم ’حرب كرموز‘ وعدداً من الأعمال التلفزيونية الجيدة".
وتتابع الناقدة المصرية أن الدولة "يجب أن تكون جزءاً من العملية الإنتاجية مع اعتماد توجه سياسي فني موضوعي لضبط العمليتين الإنتاجية والفنية، ومراعاة الأسس الفنية التي لا بد منها في أي عمل فني".
وتضيف، "لا يراعي كل عمل فني الدقة في الموضوعية وفي اختيار النجوم، بل كل نجم له ثمن يحدده حجم جماهيريته وسعره في شباك التذاكر، وحقيقة أنا لا أعرف من هم النجوم الذين يخضعون لتجارب أداء وهل هذه الآلية موجودة في الأساس، فالكاتب المهم يعرف من هو الممثل المناسب للدور الرئيس، علماً أننا نعيش اليوم زمن الممثل الذي يبحث عن رزقه بأي شكل ولم يعد هناك وجود للممثل صاحب القضية، وفي حال وجد فإنهم يسخرون منه، لكن من حيث المبدأ يصبح الـ ’كاستينغ‘ ممكناً عندما تتوافر مادة موضوعية جادة جداً وعملية إنتاجية تخضع لرقابة ذاتية يشرف عليها مخرج محترف وجاد يدقق في كل التفاصيل لتقديم عمل فني، وفي مثل هذه الحال لا بد من أن يقبل الممثل بتجارب الأداء وبأي دور".
غياب المؤسسات وهيمنة الأفراد
وفي سياق متصل يعتبر الممثل السوري محمد الجراح الذي خاض بعض التجارب الاخراجية أن العالم العربي لا علاقة له بتجارب الأداء التي يفترض أن يخضع لها الممثلون لأن الكل يعمل بصورة غير مؤسساتية، ويستدرك "صحيح أن بعض الشركات تعتمد تجارب الأداء ولكنها مرهونة لإرادة أفراد وليس لمعايير تتعلق بالصلاحية الفنية أو الجدارة، بدليل أنني أشارك في أعمال مع ثلاثة أو أربعة ممثلين ينتقلون من عمل إلى آخر مع أن أداءهم غير مناسب للشخصيات، مما يؤكد بأن القرارات ترتبط بإرادة أصحاب العمل ولا تقوم على معايير فنية، وخلال الأعوام الماضية كان الـ ’كاستينغ‘ من ضرورات العمل الفني وكان المخرج يجتمع بالممثلين ويتولى عملية اختيار الممثل المناسب للأدوار، وفي مصر كان الكاتب أسامة أنور عكاشة يتدخل ويتعاون مع المخرج في رسم الشخصيات، لذا لم يكن هناك تكرار في أسماء الممثلين الذين يشاركون في أعماله إلا إذا اقتضت الضرورة، والمعايير التي كان لها علاقة بالصلاحية الفنية تحولت اليوم إلى معايير جمالية خاصة في الأعمال اللبنانية والسورية، لأنها مرهونة بقرارات المحطات العارضة للعمل وشركات الإنتاج التي احتكر بعضها عدداً من الممثلين ولا تتعامل مع غيرهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعما إذا كان غرور النجم لا يسمح له بقبول تجارب الأداء ويجد فيها انتقاصاً لقيمته ومكانته واسمه، يرى الجراح أن إدارة العمل المحترفة مهنياً وليس مزاجياً تفرض على كل الممثلين الالتزام بقراراتها من دون استثناء، موضحاً أن "من يرفض يجلس في بيته، واليوم نادراً ما تطبق تجارب الأداء على النجم الكبير وحتى على الممثلين الثانويين الذين يحيطون به دائماً لأنه يحبهم ويحبونه، والحال الاحترافية غابت عن الساحة ومعظم المخرجين محكومون بقرارات المحطات العارضة وشركات الإنتاج التي تفرض عليهم الممثلين ومواقع التصوير والمساعدين وبكرات التصوير، أي أنهم تحولوا إلى ميكانيكيين لا أكثر، كما أنه توجد تخمة مفرطة في الأعمال على حساب القيمة الفنية أو الأدائية الفنية".
كما يشير الجراح إلى أنه لا يرفض الخضوع لتجربة أداء ويضيف، "عندما تعاونت مع المخرج بسام الملا خضعت لبروفات لمدة شهر كامل إلى أن توصلنا إلى صيغة تمكنني من الحضور في المسلسل مع أنه كان قد اختارني للمشاركة فيه، وفي الماضي يُرشح أكثر من اسم ممثل للدور الواحد، أما اليوم فلا وجود للخيارات وأصبحت كل القرارات بيد المنتج المنفذ، ولم تعد شركات الإنتاج تستند في أعمالها إلى الروايات العالمية أو الكتاب المحترفين أو الروائيين الكبار كما كان سابقاً".
اختيار عشوائي
ويؤكد الممثل طارق العلي أن آلية الـ ’كاستينغ‘ المتبعة عالمياً معتمدة أيضاً في الخليج، ويقول "عادة يتم اختيار العناصر التي تسهم في نجاح العمل ومن بينهم النجوم الذين يشاركون فيه، ولكن دور شركات الانتاج مهم جداً ويمكن أن يحصل خلاف بينها وبين النجم على الدور أو الأجر، لكن الاختيار العشوائي يلحق الضرر بالعمل وغالباً ما يكون هناك حرص على اختيار فريق عمل متجانس وقادر على الاقناع".
قدرات الممثل
الممثل اللبناني ميشال حوراني فضلاً عن كونه يدرس مادة التمثيل في الجامعتين اللبنانية والأنطونية، فهو شارك في الفيلم العالمي "وادي المنفى" وخضع لتجربة أداء قبل قبوله للدور، ويعتبر أن تجارب الأداء جزء أساس في عملية أي إنتاج درامي مسرحي أو تلفزيوني أو سينمائي لاختيار الممثل المناسب للدور المناسب.
ويضيف، "هو ليس اختباراً لقدرات الممثل، وبخاصة المحترف، بقدر ما هو بحث عن الممثل الأفضل للدور من قدرات تمثيلية ومواصفات فيزيولوجية عدا عن أن بعض الأدوار تتطلب مهارات بدنية معينة، وهذه الآلية معتمدة عالمياً حتى بالنسبة إلى كبار النجوم وكذلك عربياً، ولكن ليس بالمعايير العالمية نفسها، وهي تطبق في السينما والمسرح أكثر من التلفزيون حيث يعود قرار اختيار النجوم وممثلي الأدوار الثانوية للمنتج لاعتبارات تسويقية وشخصية، وفي معظم الأحيان تعتمد تجارب في الأعمال التلفزيونية عند البحث عن وجوه جديدة، مع أنه يفضل أن تطبق هذه الآلية على جميع الممثلين لضمان اختيار الممثلين المناسبين للأدوار كونها تنعكس على نوعية الأعمال".
ويتابع، "في تجربتي العالمية في فيلم ’وادي المنفى‘ مع المخرجة الأميركية آنا فار خضعت لمثل هذه التجربة مع مجموعة الممثلين المرشحين للدور من خلال مقطع تمثيلي مصور، ومن ثم مباشرة مع المخرجة التي اختارتني للدور، وهي خطوة ضرورية كونها لا تعرفني ولتتأكد أنني الأنسب للشخصية".
وفي المقابل يرى حوراني أنه انطلاقاً من تركيبة النجوم العرب فإن القليل منهم يقبلون بتجارب الأداء لأنهم يعتبرون أنهم معروفون أداء وشهرة وانتشاراً، وعلى هذا الأساس يختارون للدور.