على الرغم من أن التعددية اللغوية منصوص عليها في ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، إلا أن اعتماد أي لغات جديدة يجب أن يُوافق عليه بالإجماع من قبل الدول السبع والعشرين الأعضاء في التكتل.
يحاول بيدرو سانشيز، القائم بأعمال رئيس الوزراء الإسباني، تأمين دعم الأحزاب الانفصالية للبقاء في السلطة من خلال دفع الاتحاد الأوروبي للاعتراف ببعض اللغات الإقليمية الإسبانية. لكن هذه الرغبة ليست بالأمر السهل التحقيق، فالتكلفة العالية والنقص المحتمل في أعداد الموظفين المؤهلين وحذر الدول الأخرى قد يفسد خططه.
طلبت مدريد الأسبوع الماضي في رسالة إلى الاتحاد الأوروبي إضافة اللغات الباسكية والكتالونية والغاليسية إلى قائمة لغات الاتحاد الأوروبي الرسمية الأربعة والعشرين. ومن المرجح أن يتخذ مجلس الشؤون العامة قراراً بشأن اعتماد أو رفض اللغات عندما يجتمع في أيلول/ سبتمبر.
الاعتماد على دعم الأحزاب الإقليمية الأصغر ليس بالأمر الجديد بالنسبة لسانشيز الذي وصل إلى السلطة في عام 2018 بعد أول تصويت ناجح على الإطلاق بحجب الثقة عن رئيس الوزراء آنذاك. وأتبع ذلك بعد عامين بتشكيل أول ائتلاف في إسبانيا منذ عودة البلاد إلى الديمقراطية، والذي تم تمريره فقط بسبب الصفقات المبرمة مع الأحزاب الانفصالية الكاتالونية، مما أثار غضب السياسيين اليمينيين.
لماذا يسعى سانشيز للدفع باتجاه اعتماد اللغات الإقليمية؟
أسفرت الانتخابات العامة في تموز/ يوليو 2023 عن برلمان معلق مع عدم فوز الكتل اليسارية أو اليمينية بمقاعد كافية لتشكيل حكومة ائتلافية بمفردها. لذا يرى سانشيز ضرورة جذب الأحزاب الانفصالية للتصويت له كرئيس للوزراء، ويرى أن تعزيز اللغات الإقليمية الإسبانية ربما يحقق له ذلك، ما يفسر اهتمامه المفاجئ بتلك اللغات.
منذ أن كشفت حكومة سانشيز عن خططها اللغوية الأسبوع الماضي، تحركت بسرعة لتوسيع قبول اللغات الإقليمية. وبعد حصولها على دعم الأحزاب الانفصالية، تم التصويت لصالح حليفة سانشيز المقربة ورئيسة البرلمان الكاتالوني فرانسينا أرمينغول كرئيسة جديدة لمجلس النواب.
أعلنت أرمينغول أنه سيتم الآن السماح للباسكية والكاتالونية والغاليسية بالدخول إلى البرلمان الإسباني، وقالت إن استخدام هذه اللغات الثلاث في البرلمان "يعد حقيقة من حقائق الحياة الديمقراطية الطبيعية" حيث "يجب أن يمثل البرلمان إسبانيا الحقيقية وأحد نقاط القوة العظيمة لبلادنا هو تنوعها اللغوي وثرائها".
لكنها طالبت بالصبر و"مساحة للقاء المجموعات البرلمانية والسعي إلى التوصل إلى اتفاقات وبدء العمل حتى يصبح استخدام [اللغات الرسمية الثلاث] حقيقة واقعة في مجلس النواب".
على الرغم من أن اللغات الثلاث لم يسبق وأن حظرت من الناحية الإجرائية مطلقاً، إلا أن كل رئيس للبرلمان كان له القرار بالسماح للأعضاء بالتحدث باللغات الإقليمية من عدمه في البرلمان. تاريخياً، كان مسموحاً ببعض العبارات باللغات الإقليمية، ولكن لم يُسمح بإلقاء خطابات كاملة بها.
محاذير الاعتماد الأوروبي
جدير بالذكر أن السماح بالتحدث باللغات الإقليمية داخل إسبانيا سيكون أسهل بكثير من إقناع الاتحاد الأوروبي باعتماد ثلاث لغات جديدة.
فعلى الرغم من أن التعددية اللغوية منصوص عليها في ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، إلا أن اعتماد أي لغات جديدة يجب أن يُوافق عليه بالإجماع من قبل الدول السبع والعشرين الأعضاء في التكتل. مصدرا القلق الرئيسيان بالنسبة للتكتل سيكونان: أولاً، الخوف من تأثير الدومينو واتباع دول أخرى نهج إسبانيا، وثانياً، وربما الأمر الحاسم، سيكون التكلفة.
هناك العديد من اللغات الوطنية والإقليمية الرسمية المشتركة في مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، اللغة الفريزية، التي يتحدث بها 500000 شخص منتشرين في أجزاء من هولندا. عند اتخاذ قرار بشأن التصويت لصالح اعتماد اللغة الباسكية والكاتالونية والغاليسية كلغات رسمية للاتحاد الأوروبي، ستدرك هولندا أن الضغوط المحلية قد تتزايد لطرح الفريزية كلغة رسمية إذا تم اعتماد لغات إقليمية أخرى بنجاح.
أما بالنسبة للتكلفة، قال متحدث باسم المفوضية للصحفيين هذا الأسبوع إن المؤسسة أنفقت حوالي 300 مليون يورو على الترجمة العام الماضي، لكنها "ليست مقسمة حسب اللغات".
ورداً على سؤال حول التكلفة التي يمكن أن تضيفها هذه اللغات الإقليمية الثلاث، أضاف أن "الأمر كله يعتمد على الظروف الفردية، كل هذا يتوقف على اللغة التي تتحدثها وفي الوقت الحالي هو سؤال افتراضي".
على الرغم من أن اللغة الأخيرة التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي كانت اللغة الكرواتية في عام 2013، إلا أن الحالة التي يجب النظر فيها هي على الأرجح اعتماد اللغة الأيرلندية.
على الرغم من منح الأيرلندية صفة لغة عمل في عام 2007، إلا أن القرار لم يدخل حيز التنفيذ إلا بعد مرور 15 عاماً. هذا التأخير كان بسبب نقص المترجمين.
يوجد ما يقل قليلاً عن مليوني متحدث بالأيرلندية في أيرلندا، كذلك نقص الموارد التكنولوجية أعاق أيضاً التبني الكامل للغة.
ولهذا السبب جزئياً، في عام 2017، كانت اللغة الأيرلندية هي اللغة الأغلى في الاتحاد الأوروبي، حيث بلغت تكلفة الترجمة للصفحة ما يصل إلى 42 يورو. أنفق البرلمان الأوروبي أكثر من ميزانيته بـ 3 ملايين يورو في نفس العام.
في حين أن اللغة الكاتالونية يتحدث بها حوالي 10 ملايين شخص، فإن اللغة الباسكية والغاليسية قد تعاني من تجاوز التكاليف على الطريقة الأيرلندية ونقص المترجمين. الباسكية على وجه الخصوص، وهي لغة معزولة يُعتقد أنها أقدم لغة باقية في أوروبا، يتحدث بها حوالي مليون شخص فقط.
في أوائل عام 2016، طلبت قبرص من الاتحاد الأوروبي الاعتراف باللغة التركية كلغة رسمية، في محاولة لتعزيز عملية إعادة توحيدها. وبعد مرور سبع سنوات، لم تصدر أي إشارة من أي مؤسسة تابعة للاتحاد الأوروبي بشأن مسألة اعتماد اللغة التركية.