منذ شنت حماس هجومها على إسرائيل من غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الذي أسفر عن مقتل 1400 شخص، معظمهم من المدنيين، صعّدت القوات الإسرائيلية توغلاتها في الضفة الغربية.
حول مسجد يشكل معلما تاريخيا في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، تتجلى مشاهد العنف المتصاعد في الضفة الغربية المحتلة مع تكثيف القوات الإسرائيلية لهجماتها.
صور "الشهداء" الفلسطينيين الجدد تُلصق فوق صور الذين سبقوهم، مع زيادة الجيش الإسرائيلي لعملياته العسكرية، ومواجهة المقاتلين الفلسطينيين له، وسط اشتداد وتيرة الصراع المستمر منذ عقود بسبب الحرب بين إسرائيل وحماس.
إمام المسجد إسماعيل جرادات أوضح: "عندما تكون هناك جنازات في المسجد، بشكل عام، فإن الخطب تتناول مواضيع المحبة والرحمة والسلام بين الناس".
وأضاف رجل الدين البالغ 53 عاما في المسجد حيث شُيع ثلاثة من مقاتلي الجهاد الإسلامي الجمعة "في بعض الأحيان، تناقش الخطب الموت وأهمية تعلم الدروس منه".
ومنذ شنت حماس هجومها على إسرائيل من غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الذي أسفر عن مقتل 1400 شخص، معظمهم من المدنيين، صعّدت القوات الإسرائيلية توغلاتها في الضفة الغربية.
وأدت الحرب في غزة إلى مقتل نحو 9.800 شخص، وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس هناك، ولكن السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية تقول إن أكثر من 150 شخصا قتلوا أيضا في الأراضي، التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.
ويعدّ مخيم جنين الذي يسكنه نحو 23 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة، معقلا للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ولكن إسرائيل تقول إن المخيم "معقل للإرهاب". وفي أيار/مايو نفذ الجيش الاسرائيلي أكبر عملية له هناك منذ سنوات أسفرت عن مقتل وجرح عدد كبير من الفلسطينيين، بينهم مقاتلون وأطفال. كما قُتل جندي إسرائيلي برصاص رفاقه من طريق الخطأ خلال العملية.
"على خطاي"
قبالة المسجد يقف شاب يبلغ من العمر 18 عاما مرتديا سترة عسكرية بالقرب من مكان قال سكان محليون إن مسلحا زميلا له قتل فيه خلال عملية مداهمة إسرائيلية هذا الأسبوع.
وقال الشاب واضعا اصبعه قرب زناد بندقية هجومية يحملها: "تعززت معنوياتنا" بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، مضيفا أن "وتيرة المقاومة في الضفة الغربية ارتفعت".
وأفاد الجيش الإسرائيلي في بيان أنه اشتبك مع "مهاجمين مسلحين" في جنين هذا الأسبوع وقتل "عدة أشخاص". وأضاف البيان أن طائرة قصفت "خلية مسلحة ألقت عبوات ناسفة"، واندلعت معركة بالأسلحة النارية، وتم العثور على عبوات ناسفة "جاهزة للاستخدام" على جوانب الطرقات.
ويعاني مخيم جنين الذي أنشىء عام 1953 من أعلى معدلات الفقر والبطالة بين المخيمات الـ19 في الضفة الغربية، وفقا للأمم المتحدة.
خلال هذا الأسبوع تناثرت في المخيم العوائق والأفخاخ التي تنصب للدبابات والحفر، التي خلفتها الجرافات الإسرائيلية، وأضاء الرصاص الليل قبل أن يكشف ضوء النهار آثاره على الجدران.
وخارج المسجد وقف مسلحون شبان يحدقون بانفعال في السماء إثر سريان أنباء عن تحليق طائرة إسرائيلية مسيرة. وقال أحدهم "اؤمن بعدالة قضيتنا وأقاتل من أجلها ومصيري هو الجنة إذا قتلت"، مضيفا "إذا كان لدي أطفال مستقبلا، أعتقد أنهم سيسيرون على خطاي".
"قلوب من حجارة"
تتاخم المسجد محطة قطار مهجورة شكلت مأوى للاجئين خلال "النكبة". وتُقدّر الأمم المتحدة عدد الفلسطينيين، الذين هجروا جماعيا مع قيام دولة اسرائيل عام 1948 بنحو 760 ألفا، وهو ما يشكل جذور الصراع الحالي.
وتزدان المحطة بأعلام حركة الجهاد الإسلامي السوداء والصفراء.
ومثل حماس التي تعهدت إسرائيل القضاء عليها، فإن الحركة المدعومة من إيران والتي تنشط أيضا في غزة مصنفة "منظمة إرهابية" من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وقبل عشرة أيام، قام إبراهيم الدمج البالغ 43 عاما بنقل أولاده، بمن فيهم ابنه المراهق، إلى خارج المخيم بعيدا من العنف وانجذاب الشبان للفصائل المسلحة منذ بدء الحرب في غزة.
وقال الدمج "كل شيء ممكن"، مضيفا "عندما يرون الجيش الإسرائيلي يقتل ويعتقل أفرادا من عائلاتهم، فإن ذلك قد يدفعهم مستقبلا إلى التفكير في الانضمام إلى المقاومة".
أما محمد عبيد البالغ 33 عاما فقال بينما كان يشير إلى بقعة دماء على حائط يحمل أيضا آثار شظايا "الآن، قلوب أطفالنا من حجارة بسبب كل ما يرونه، حتى من هم في سن الثالثة أو الرابعة".