هل دخل ماسك بقدميه إلى جحيم «تويتر»؟

منذ 2 سنوات 270

دعونا لا نشتت تركيزنا بكل تغريدات وتصريحات إيلون ماسك. حديثه عن الدفع مقابل التوثيق أو المجزرة الوظيفية التي قام بها بعد فصل 3700 موظف، ما يعادل نصف موظفي «تويتر» أو ردوده على كل مَن ينتقده بقوله: ولكنك ستدفع 8 دولارات! دعونا ننسى كل هذا ونركز على السؤال الأهم: هل يقوم ماسك بالشيء الصحيح فيما يتعلق بحماية حرية التعبير في منصته؟ وهل صحيح أنه حرر العصفور من قفصه ولن يرجعه له مرة أخرى؟
من الصعب الإجابة عن هذا السؤال الآن، نحتاج ربما إلى أشهر لنعرف رؤيته عملياً ونختبر عزيمته، ولكن يمكن القول نظرياً إن ماسك يتصرف بطريقة صحيحة. المشكلة الكبرى التي واجهتها «تويتر» أنها افتقدت الحيادية والعدالة في عرض الآراء المختلفة. يراها كثيرون أنها اصطفت مع الجانب اليساري التقدمي وضيّقت الخناق على الأطياف الفكرية والسياسية الأخرى. هذا لا يعني أنه لا توجد أصوات عديدة مخبولة مضطربة في اليمين وتردد نظريات المؤامرة، وتنشر الأكاذيب المضرة وتستحق المنع، إلا أن «تويتر» تحولت لأداة سامة بأيدي الناشطين المؤدلجين الذين طردتهم «تويتر» وحمل ماسك المغسلة في إشارة لتنظيف المكان الموبوء.
أكبر غلطة ارتكبتها «تويتر» وأضرت بسمعتها هي إغلاق حساب الرئيس ترمب في وقت حساس. لقد فُهم هذا التصرف أنه انحياز صارخ للحزب الديمقراطي ومناصريه، وظلم صارخ للجمهوريين ومناصري الرئيس السابق. لماذا لم يُغلق حسابه لفترة مؤقتة؟ لماذا لم يتم تحذيره بسبب تغريداته المقسمة للمجتمع؟ لو حدث ذلك لكان تصرفاً أكثر حكمة وسيحافظ على سمعة المنصة ولكن يبدو أن شهوة القمع تفوقت على صوت التعقل.
في وقتها ربحت «تويتر» سياسياً وآيديولوجياً ولكنها بالتأكيد خسرت جزءاً كبيراً من سمعتها كمنصة تستقبل مختلف الآراء ومختلف الشخصيات حتى لو كانت صاخبة وجدلية واستقطابية، وهذا هو السبب الذي جعل الكثيرين يرون في ماسك الرجل المخلّص والمنقذ من هذه السلطة الاستبدادية في فضاء «السوشيال ميديا».
يفهم ماسك أزمة الثقة هذه، وهذا ما قصده بتحرير العصفور المسجون سابقاً من عقلية النشطاء السابقين الذين يديرون المنصة بحسب أهوائهم الآيديولوجية. شخص آخر تم أيضاً حجبه من «تويتر» هو عالم النفس الكندي جوردان بيترسون. من الصعب وصفه بالعنصرية أو الشطط الفكري، ولكنه حُجب لأنه كتب تغريدة ناقدة وصف فيها الطبيب الذي أزال ثديي الممثلة المتحولة جنسياً إيلون بيج بالمجرم. طُلب منه أن يحذف التغريدة حتى يُعاد حسابه، ولكنه رفض معتبراً ما قاله يدخل ضمن حرية التعبير.
أكثر الغاضبين من ماسك هم من تيار اليسار الذين اعتقدوا أن المنصة لم تعد بحوزتهم وهم محقون في هذا الحكم. فشركات التقنية العملاقة كانت متحالفة فكرياً وتملك قوة هائلة لحجب أي شخصيات أو أفكار تراها خطيرة أو تحريضية أو غير علمية، مثل تلك المتعلقة بالاحتباس الحراري أو قضايا الإجهاض أو الهوية الجنسية للفرد. ماسك بصفقة الـ44 ملياراً كسر هذا الاحتكار وأخرج «تويتر» من التحالف الحديدي، ومن المتوقع أنه سيمنح مزيداً من الحرية لأصوات جديدة حتى لو كان يختلف معها.
ولكنّ الغاضبين منه يذكّرونه بما ينتظره وهم محقون أيضاً؛ حيث كتب أحدهم بعد إتمام الصفقة: «ماسك، مرحباً بك في الجحيم»، قصده أن ماسك دخل في الجحيم الذي سيسببه له حلفاؤه في اليمين؛ حيث سيرددون أفكار الكراهية والعنصرية والأخبار المزيفة وسيُفشِلون تحويل «تويتر» إلى منصة جاذبة للمعلنين الذين يهربون من الاستثمار في البيئات المسمومة، إضافة إلى الاستجوابات السياسية من أعضاء الكونغرس المترصدين له وتدخلات الدول التي ستضغط على ماسك مستغلة الاستثمارات الأخرى التي يملكها فيها. وقد اتهمه خصمه جيف بيزوس، قبل أشهر، بمحاباة الصين التي تفرض نفوذها عليه، واتهم بايدن «تويتر» بنشر الأكاذيب (بايدن انتظرَ حتى تملّك ماسك «تويتر» ليطلق مثل هذه الاتهامات!).
يمشي ماسك على طبقة رقيقة من الثلج ولإنجاز مهمته العسيرة عليه أن يحمي حرية التعبير ويمنح الجميع فرصاً متساوية في الجهر بأفكارهم، وإعادة الثقة للمنصة الشهيرة وجلب الأموال لها وتطويرها وإقناع أو إجبار المشتركين على الدفع والقيام بمفرزة فكرية دقيقة تفصل بين الأفكار المقبولة حتى لو كانت غير منطقية والتي يجوز نشرها وتلك الضارة بالمجتمع. باختصار، سيُغضب الكثيرين وستلاحقه السكاكين من اليسار واليمين مصيباً كان أو مخطئاً. وبمجرد أن نتأمل هذه المسؤوليات ندرك حجم المهمة الشاقة التي قرر طوعاً أن يخوض فيها ويدفع لأجلها 44 مليار دولار!