هل حضرتم صلاة الجماعة؟

منذ 1 سنة 245

يقول بعض الزملاء إنَّ الدعوة للحرية، عبثٌ لا طائلَ تحته. وهم يحتجون بأنَّه لا يوجد تعريف معياري متفق عليه للحرية، وأنَّ المجتمعات الغربية قد أخفقت في تطبيقها، رغم أنَّها عنصرٌ محوريٌّ في الثقافة العامة لتلك المجتمعات، كما أنَّها جزءٌ من الأرضية الفلسفية التي يقوم عليها نظامها الاجتماعي والقانوني. فإذا كان مؤسسو هذا المبدأ قد أخفقوا فيه، فغيرهم - أي المجتمعات الشرقية - أقربُ إلى الإخفاق وأولى به.
نعلم جميعاً أنَّ هذا كلام لا يصح في ذاته. كما لا يصلح دليلاً على عبثية الدعوة للحرية في أي مجتمع، شرقياً كان أو غربياً.
دعنا نبدأ بافتقار الحرية إلى تعريف معياري: الواقع أنَّ الغالبية العظمى من دارسي العلوم السياسية متفقون على التعريف الذي اقترحه المفكر البريطاني إيزايا برلين، في محاضرته الشهيرة «مفهومان للحرية».
تتعلَّق أكثر بحوث إيزايا برلين بتاريخ الأفكار. وهو يرى أنَّ مرور الزمن ينحت في الأفكار والمصطلحات الشائعة، فيغير في مضامينها أو في حمولتها السياسية أو الأخلاقية، أو في موقعها ضمن منظومات القيم السائدة في المجتمع. لكن ثمة خيطاً خفياً يربط بين النسخ العديدة للفكرة الواحدة، رغم تحولاتها عبر التاريخ. هذا الخيط يدلنا على حقيقة الفكرة، والمعنى العميق الذي يريد البشر إظهاره حين يستعملونها. وجد برلين نحو 200 تعريف مختلف للحرية. ثم حدد الخيوط التي تصل بينها، فلخصها في معنيين، أطلق على الأول اسم الحرية السلبية (الحرية من) وتعني الأمان من تدخل الآخرين اعتباطياً في حياتك. وأطلق على الثاني اسم الحرية الإيجابية (الحرية في)، أي التمتع بالحقوق التي ينشئها القانون. وأميل شخصياً إلى اعتبار الأول شرطاً لكرامة الإنسان.
لكن دعنا نفترض أنه لا يوجد تعريف واحد للحرية، ولا معنى منضبط كما يقولون... فهل هذا يبرر إنكارها أو استنكار الدعوة إليها؟ هل يتقبل الرافضون أن يطرق أحد المارة باب بيتهم، ليسأل إن كان أهل البيت قد حضروا صلاة الجماعة أم لا، هل يتقبلون أن يوقفهم شخص في الشارع، كي يفتش جوالاتهم للتأكد من أنها لا تحوي أشياء سيئة، هل يودون أن تقوم جهة ما بتسجيل مكالماتهم، ثم مساءلتهم عما يقصدون بهذه الكلمة أو تلك؟ هل يقبلون أن يتصل بهم شخص، ليسألهم عن مصدر أموالهم، وكيف صرفوها ولماذا، هل يرغب أستاذ جامعي في أن يستدعى بين حين وآخر، لتقديم مبررات كلامه للطلبة حول هذا الموضوع أو ذاك؟ وأخيراً... هل نرغب في رؤية شيء يشبه محاكم التفتيش التي أقيمت في القرون الوسطى، للتحقق من «صحة اعتقاد» المتهمين بالابتداع والمروق عن الكاثوليكية؟
لقد ضربت هذه الأمثلة لأنها كانت تحدث فعلياً، في وقت من الأوقات في بعض البلدان. وأعلم أن الذين يجادلون ضد الحرية لا يريدون أياً مما ذكرناه، ويخشون جدياً من حدوثه. ولهذا أقول لهم إن رفضهم لتلك الأمور، هو التعبير الدقيق عن الرغبة في الحرية، لا سيما في معناها الأول. فلنبحث عن عاقل في أي مكان في العالم، يقول بالفم الملآن إنه يرحب بأي واحدة من التدخلات التي ذكرتها.
أخيراً.. أتساءل هل يمكن لمواطني أي بلد، غربي أو شرقي، أن يتخلصوا من تلك التدخلات التي ذكرناها، هل يمكن أن يضعوا قانوناً يمنع المتدخلين والمتطفلين؟
أجزم أنهم سيجيبون بنعم. فهم بالتأكيد قادرون على منعها بقوة التثقيف أو قوة القانون. وهذا بذاته دليل على إمكانية نجاح الدعوة للحرية وضمانها بالقانون، في الشرق أو في الغرب.
واضح إذن أن التعريف ليس مشكلة، وأن التطبيق في أي مجتمع ليس مستحيلاً، أليس كذلك؟