هل تمرض السياسة؟

منذ 1 سنة 202

الجواب نعم. وربما تموت أيضاً! وبنظرة على التطورات السياسية في الكويت يستطيع المتابع أن يرى مظاهر الإجهاد. الوقت الأقصر في تاريخ الكويت السياسي بين قفل باب الترشيح وحدوث الانتخابات، والعدد الأقل من المرشحين. تشعر ممن تلتقي بأن هناك عدم اكتراث أو حتى إهمال من طائفة من المواطنين، وخفوت الأمل بإصلاح ممكن! وظهور دعوات للمقاطعة، بدليل أن عدداً من النشطاء بدأوا يدعون على وسائل التواصل الاجتماعي (بعدم العزوف عن الانتخاب)، وقد خلت الحملة الانتخابية من مظهر (خيم المرشحين).

الأسباب كثيرة؛ منها دورات (الانتخاب والأبطال)، والتي لا يبدو أنها ستنتهي في القريب، والثانية عدم قناعة مجتمعية بأي إنجاز ملموس، لا من الجسم التشريعي، ولا من الجسم التنفيذي، والذي تتكاثر فيه النفعية وتقل المهنية على مر الزمن، وتتراكم حوله ثقل البيروقراطية. هذه الصورة ليست هي السائدة، هناك رأي وربما أقلية، ترى أنه ما زالت هناك (مساحة للإصلاح)، ولكنه رأي يعتمد على العاطفة والرغبة في الأمل أكثر مما يعتمد على الوقائع على الأرض.

الوقائع على الأرض تقول إن الأزمات السياسية في الكويت تتحول إلى مزمنة، بسبب التقاعس عن حلّها حلاً جذرياً، وتزداد نسبة عدم الثقة في الإدارة العامة؛ لأنها تفتقد الإنجاز من جهة، وهناك فقر شديد في الرشادة واختيار الأفضل في الإدارة العامة من جهة أخرى؛ لذلك فإن التجربة والخطأ هما القاعدة، من دون رؤية تقود الجميع إلى أهداف محددة. الشعور باللامبالاة نابع من فقد المراجعة الشاملة للتجربة الطويلة التي تركت مستوى من القلق الاجتماعي والتراجع الإداري، ولا يبدو حتى الآن على الأقل أن هناك رغبة أو حتى قدرة على المراجعة الشاملة.

فالحلول متاحة، ولكنها تحتاج إلى رغبة اجتماعية شاملة لتغيير المسار، وقرار نافذ، سواء على الصعيد التشريعي أو على الصعيد التنفيذي.

ترك العملية السياسية على نفس آلياتها ما زال يسبب العديد من الأمراض، لعل أكثرها ظهوراً على السطح هو (مرض الكرسي)، فكل من مر على الكرسي الأخضر لفترة أصبح لديه شبه إدمان، عدا قلة من الأعضاء السابقين.

كان الحل المقترح، ولا يزال، هو المنابر السياسية أو الكتل البرلمانية، والتي تتجمع تحت راية برنامج واضح يعرفه الكافة، ويرشح الفرد من ذلك المنبر، ويحاسب من جمهوره في فترات متقاربة، على أساس السعي لتنفيذ البرنامج وتحقيق المصالح العامة وليس الشخصية، هذا التقليد إن شئت، والذي يسمى في أغلب الديمقراطيات (الأحزاب)، هو السائد في المجتمعات الديمقراطية، فالمحاسبة هنا من القواعد دائمة ومستمرة وواعية وصارمة، يساندها إعلام مجتمعي خالٍ من المصالح والأنانية. بعض التجمعات (المنابر) موجودة في الكويت من دون الاعتراف بها، وعلى القاعدة الخطأ، وهي قاعدة (الإسلام الحركي) بشقيه السني والشيعي، وهي تجمعات قليلة العدد ينتابها (قلق مرضي على الهوية) ومؤثرة على الآخرين؛ لأنهم (أفراد) يسهل تطويعهم؛ إما بالإغراء وإما بالتخويف؛ لجعلهم ينتجون قوانين بها (استنزاف مالي ومحافظة اجتماعية)!

المطلوب تجمعات مدنية وقانونية وعابرة لجماعات ما قبل الدولة، لها قواعد تحاسبها، أما الاعتماد على الشخصانية والعلاقات القبلية والمالية (في بعض الشرائح) فلن تزيد التجربة إلا خفوتاً وتعثراً، وشخصانية وزبائنية.

ربما تلك الخطوة تخرجنا من الدائرة المغلقة في اختبار رجال ونساء الجسم الرقابي والإداري، والتي يختار معظمها في الجانبين اليوم على خلفية عائلية وقرابية أو موالية، وآخر ما يتوافر فيهم الكفاءة والقدرة العلمية والإنجاز.

الدارس الموضوعي للساحة الكويتية لا يمكن له أن يضع كل الحمل المسبب للتراجع على متخذ القرار، هو جزء من كل، فالضغوط الاجتماعية والمصلحية تلعب دورها الملاحظ عليه، بسبب المراوحة بين فكرة (إدارة الدولة) وجاذبية (إدارة القرية) أو (المجتمع الصغير)، فإنتاج سياسة عامة فعالة يعتمد على جودة المعلومات المتوافرة وكفاءة المتابعة وقدرة المنفذين، هنا لا نجد تلك المعلومات ولا المؤسسات التي تنتجها، كمثل سبر الرأي العام علمياً ومعرفة توجهاته، إنما الأمر متروك للإشاعة والتهويل وحتى (الفجور) والكذب على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تنفجر بكل تلك الموبقات التي ليس لها سقف أخلاقي، بخاصة في فترات الانتخابات، ولا يوجد في الدولة جهاز يتابع، والأهم يقدم الحقائق كما هي، الصمت هنا يؤدي أولاً إلى اتخاذ سياسات خاطئة، فكثير من المسؤولين تسيرهم آراء في (تغريدات)، وبعضها حتى مبهم المصدر، وآخرون يرون في ذلك التوجه أو الآخر أنه السائد في المجتمع، فيتخذون قراراتهم على أساسه، من دون النظر لمصالح وربما رغبات (الأغلبية الصامتة)، وثانياً تنتج سياسات عمياء في التعليم والصحة والخدمات، ليست بالضرورة تخاطب المصلحة العامة، وفي بعض الأوقات حتى سمعة البلد الخارجية!

الأخطر أن الكويت كمثلها دول إنتاج النفط، أهم ما يتوجب أن تنظر إليه وتتوجّه له هو إيجاد بدائل للنفط، فالأسعار تتراجع والبورصات تخسر، والبديل شعار سهل الإشارة إليه، صعب تنفيذه، حيث يحتاج إلى رؤية وقدرة، وتناغم في مؤسسات اتخاذ القرار، فهو حلقة دائرية، على سبيل المثال سوف تعجز أجهزة الدولة في القريب عن استيعاب هذا الكم من الخريجين، والذي تضمنه حتى الآن النصوص الدستورية، فيتوجب رسم الخطط لاستيعاب ذلك الفائض في القطاع الخاص، ولكن بسبب ضعف التعليم، وأيضاً إضعاف القطاع الخاص، فإن استيعاب ذلك الكم سيكون من شبه المستحيل، مما يسبب ضغطاً اجتماعياً، وبالتالي فإن الخيار هو إعادة النظر في العقد الاجتماعي، مع عمل دائم وجدي، أولاً لتجويد التعليم، والذي يسمع عنه (فضائح مجلجلة) لا يعرف المجتمع كيف عولجت، كمثل (تسريب الاختبارات أو ارتفاع نسبة الغش)، وتورط البعض في الملفين من الجسم نفسه، وأيضاً مصارحة أن الحديث عن (إسقاط القروض) مثلاً هو حديث انتهازي يرمي إلى استنزاف الميزانية العامة لا غير، أما السير وراء رغبات (المجتمع الاستهلاكي) فهي وصفه ناجعة للاصطدام بالحائط!

آخر الكلام:

لا توجد أدوية لأمراض السياسة، تحتاج إلى عقول!