هل تصبح تطبيقات الصداقة دواء الوحدة لهذه الألفية؟

منذ 1 سنة 184

ليلي امرأة شابة كانت في الـ26 من عمرها عندما أدركت أن كل واحدة من صديقاتها المقربات ترتبط بعلاقة عاطفية جدية. تتذكر بعد مرور عامين: "كن جميعهن في مرحلة مختلفة من الحياة مقارنة بي... وعلى رغم عدم شعوري أبداً بأنني صديقة احتياطية، إلا أنني أردت توسيع دائرة صداقاتي والالتقاء بأناس جدد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

سعياً وراء تحقيق غايتها، فعلت ليلي ما يفعله كثيرون في سنها عندما يريدون شيئاً ما، لجأت إلى الإنترنت. تقول: "نزلت تطبيق ’بامبل للصداقات المقربة’ Bumble BFF. تطلب الأمر بعض الوقت حتى راق لي أحدهم، لكنني تعرفت في النهاية على ريا، كانت لدينا اهتمامات متشابهة ونتعاطى مع العلاقات بصورة متقاربة ومرت صحتنا العقلية بتجارب متماثلة. كانت عازبة أيضاً، الأمر الذي كان له تأثير. الآن، هي واحدة من أقرب أصدقائي".

لو عدنا بالزمن خمسة أعوام أو نحو ذلك، لبدت قصة مثل قصة ليلي صادمة، بل غريبة حتى. بالتأكيد، تكيفنا مع فكرة التعرف إلى الشركاء العاطفيين عبر الإنترنت، على رغم عدم تقبل المجتمع لهذه الطريقة. لكن البحث عن أصدقاء في فضاء إلكتروني؟ ألا يفترض أن تعثر عليهم في الحياة الواقعية؟ أليس من المفروض أنك تمتلك منهم ما يكفي بالفعل؟

ليس الوضع هكذا تماماً. عام 2021، أطلق تقرير أسترالي على جيل الألفية (المولودون بين عامي 1981- 1996) والجيل "زد" Z [اسم أطلقه الباحثون وعلماء الديموغرافيا الغربيون على المواليد بين العامين 1997 و 2012] لقب الجيلين الأكثر عزلة، بحيث أفاد نصفهم تقريباً (51 في المئة) و (54 في المئة) على التوالي، بأنهم يشعرون بالوحدة بشكل متكرر - وهي أرقام أعلى بكثير مقارنة بالأجيال الأخرى. في المقابل، وجد مسح أجراه موقع "يوغوف" YouGov عام 2019 أن 30 في المئة من جيل الألفية يشعرون بالوحدة "دائماً" أو "غالباً"، في حين أن ربعهم تقريباً لم يتمكن من القول إنه يمتلك صديقاً واحداً.

قد تكون هذه الإحصاءات مفاجئة لبعضهم، لا سيما أولئك الذين يفترضون أن جيلي الألفية و "زد" يمتلكان أصدقاء أكثر من الأجيال التي سبقتهما نظراً إلى نشأتهما في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. نحن محاطون بالتواصل المستمر، سواء كان ذلك عبر تطبيق "واتساب" أو "آي مسج" أو "إنستغرام" أو "تويتر". الشيء الوحيد الذي يفصلنا عن الآخرين هو بضع نقرات وتمريرات بسيطة. لكن من الواضح أن هذا لا يترجم دائماً إلى تواصل خارج عالم الإنترنت.

حان وقت تطبيقات الصداقة. منذ إطلاقه عام 2016 لم يتوقف تطبيق "بامبل" للصداقات المقربة عن النمو المستمر، بحيث يستخدم حوالى 15 في المئة من جميع مستخدمي التطبيق الذي يتيح أيضاً الالتقاء بشركاء عاطفيين، ميزة الصداقات المقربة، بزيادة قدرها 10 في المئة عن العام السابق. مبدأ الخدمة مماثل لتلك الخاصة بالمواعدة بحيث يستطيع المستخدمون إنشاء حسابات تعريفية مفصلة عن اهتماماتهم المختلفة، واستعراض الحسابات الأخرى على أمل توسيع دائرتهم الاجتماعية.

توجد اليوم تطبيقات أخرى عدة مثل "تيندر سوشال" و"وينك" و"هي!" و"فينا" و "ميت أب" التي تصل الأشخاص ذوي الاهتمامات المشتركة ببعضهم. ومع أن الهدف من تطبيق "ميت أب" عند إطلاقه عام 2002 كان بناء مجتمعات في مدينة نيويورك بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، إلا أنه حقق منذ ذلك الحين نجاحاً عالمياً واشتهر بتعزيز الصداقات في جميع أنحاء العالم. يقول ديفيد سيغل الرئيس التنفيذي لـ"ميت أب": "ربما هناك تضافر لمجموعة من الأسباب غير المتوقعة اليوم تفسر وجود طلب كبير على الصداقات... نظراً إلى أن الموظفين في عدد من الشركات ما زالوا يعملون من المنزل، اختفت فرص مقابلة الأشخاص في المكتب".

بالطبع، كان أثر الوباء على العلاقات جسيماً، بغض النظر عن عمرك. يعمل مزيد من الأشخاص عن بعد أكثر من أي وقت مضى وانتقل بعضهم من المدن وشعر آخرون بأنهم مضطرون إلى تغيير حياتهم بالكامل. كل هذا سيؤثر في دائرة صداقاتك. وجد استطلاع للرأي أجرته شركة "لايف سيرتش" LifeSearch للتأمين على الحياة أخيراً أن حوالى ثلث البالغين في المملكة المتحدة ابتعدوا عن أصدقائهم بسبب ضغوط الوباء، وفقدوا أربعة أصدقاء وسطياً منذ بداية انتشار فيروس كورونا. في المقابل، نشرت شركة "غوغل" في مارس (آذار) من العام الفائت قائمة بالمواضيع الأكثر بحثاً على مدى الـ 12 شهراً الماضية، بحيث بلغ معدل البحث عن "كيف يمكنني التعرف إلى أصدقاء جدد؟" أعلى مستوى له على الإطلاق. ووفقاً لشركة "بي بي إتش غلوبل" BBH Global لخدمات الدعابة والإعلان، كان البحث الأسرع نمواً ضمن فئة "كيف يمكن أن" في المملكة المتحدة عام 2022 هو "كيف يمكن أن أكوّن صداقات كشخص بالغ".

تقول عالمة النفس مادلين ميزون رونتري: "لقد تغيرت طبيعة الصداقات... ليس فقط في أعقاب الهواتف الذكية، لكن أيضاً نتيجة لانتقال الاتصالات إلى الإنترنت أثناء الإغلاق. بشكل جماعي، تعلمنا أنه لا يزال بإمكاننا الحفاظ على إحساس الصداقة من دون الالتقاء شخصياً". بالطبع ربما يكون هذا مفيداً لأولئك الذين يعيشون بعيداً من بعضهم بعضاً. لكن يمكن أن يكون له تأثير معاكس أيضاً يتمثل في إعطاء الأصدقاء وهم الحميمية من دون اتصال جسدي الذي قد يؤدي فقط إلى تفاقم الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية.

تقول جو ثريلفول البالغة من العمر 30 سنة: "وجدت أن تكوين الصداقات بات أكثر صعوبة منذ الوباء. لاحظت أنني عندما بدأت ألتقي بالناس مجدداً أصبحت ذات شخصية انطوائية ومنفتحة في آن واحد وأصبحت أصاب بالإرهاق بعد قضاء كثير من الوقت في الأنشطة الاجتماعية". عندما انتقلت ثريلفول من مدينة إلى أخرى أدركت شعورها بالضياع من دون وجود دائرة اجتماعية أساسية، فانضمت إلى مستخدمي "بامبل" للصداقات المقربة. تقول: "تعرفت إلى شخصين عبر التطبيق ونحن نلتقي عندما تكون الفرصة متاحة لممارسة المشي أو تناول القهوة".

كذلك نجحت إيلي البالغة من العمر 24 سنة نجاحاً كبيراً في استخدام تطبيقات الصداقة بعد تغيير مكان سكنها. تتذكر قائلة: "انتقلت مع شريكي من لندن إلى بلفاست، ووجدت صعوبة في تكوين صداقات لأنني شعرت وكأنني غريبة بعض الشيء"، مشيرة إلى أنها انضمت بعد ذلك إلى تطبيق "غيرل كرو" Girl Crew الذي لم يعد موجوداً الآن للتعرف إلى الأشخاص. تقول: "للطرافة، كان كثير منا في وضع مماثل، لم يكن أي منا من السكان المحليين في بلفاست لكننا كنا نكافح من أجل تكوين صداقات". سرعان ما كانوا يخرجون بانتظام في مجموعات لتناول العشاء والشرب.

وتضيف: "وجدت أيضاً أن هناك إحراجاً غير مبرر حيال الرغبة في تكوين صداقات جديدة، ولا ينبغي أن تكون الحال هكذا... لقد تجاوزت ذلك، وسأتواصل الآن بسعادة مع الأشخاص الذين يبدو أنهم يناسبون مزاجي وأريد مصادقتهم. لكن يستطيع التطبيق جعل هذه المحادثة ممكنة والعملية في المتناول أكثر بكثير لمن هم أشد توتراً حيال هذه الأنواع من التفاعلات".

نظراً إلى شعبيتها، يتم إطلاق تطبيقات الصداقة طوال الوقت. خذوا تطبيق "بالي" Pally على سبيل المثال الذي يستهدف جيل الألفية. بدلاً من عرض الصور بأسلوب تطبيقات المواعدة، فإنه يطبق علم النفس الاجتماعي للموافقة بين مستخدميه. يقول هاري هابل، مؤسس التطبيق، البالغ من العمر 24 سنة: "لقد تنقلت كثيراً، إذ عشت في خمس مدن خلال خمسة أعوام... أدركت مدى صعوبة تكوين صداقات جديدة بعد انتهاء المرحلة التعليمية. عليك الذهاب إلى عدد لا يحصى من الفعاليات والمجتمعات والنوادي وغربلة كل الأشخاص الذين تقابلهم في محاولة للعثور على أشخاص متوافقين معك حقاً. حتى لو كنت إنساناً منفتحاً، ستستنزفك العملية بسرعة كبيرة".

يعتقد هابل بأن أخطار استخدام تطبيق الصداقة تشبه إلى حد كبير استخدام تطبيق المواعدة، بحيث سينتهي بك الأمر "إلى استعراض الحسابات بلا تفكير لساعات، بدلاً من بناء اتصال اجتماعي حقيقي". يقول إن الحل هو إيجاد طرق لرؤية ما هو وراء الملفات الشخصية والحصول على التكنولوجيا التي تسهل ذلك. ويضيف شارحاً: "ميزة تطبيقنا الرئيسة هي أننا نأخذ في الاعتبار الشخص ككل عند تعريفه إلى أشخاص جدد... هويتهم وقيمهم وشخصيتهم ونمط حياتهم واهتماماتهم". كما يصل التطبيق بين الأشخاص في مجموعات بدلاً من الربط بين الأفراد، بحيث يجعل اللقاء ضمن مجموعات المستخدمين يشعرون بأمان أكثر.

نظراً إلى الطريقة التي تغير بها العالم، ربما ليس من المستغرب أن تزداد شعبية تطبيقات الصداقة. أصبحت تطبيقات المواعدة الآن سائدة إلى حد كبير، لذلك من المنطقي أن يتم تطبيق التكنولوجيا نفسها في النهاية على الصداقات. على كل حال، وكما يعرف أي مستخدم مخضرم لتطبيقات المواعدة، فإن مقابلة الأشخاص عبر الإنترنت ليست دائماً بالسهولة التي قد تبدو عليها. بالتأكيد، يستطيع التطبيق الموافقة بينك وبين شخص ما بيسر فتبدأ بالتحدث إليه. لكن من يضمن أنه لن يختفي من دون سابق إنذار لاحقاً، أو أنه يتلاعب بك أو سيهجرك ويعاود الاتصال بك بشكل متكرر؟

تقول كيت ليفر، مؤلفة كتاب "علاج الصداقة": "لا تزال المخاوف الكلاسيكية نفسها المتعلقة بالإنترنت قائمة تجاه تطبيقات الصداقة، لكنها تكاد تكون غير صائبة... في نهاية المطاف، هناك أشياء مختلفة على المحك عندما يتعلق الأمر بالصداقات والعلاقات الرومانسية. على سبيل المثال، من غير المحتمل أن تدخل في ديناميكيات الشد والجذب والتلاعب التي أصبحت تحدد مشهد المواعدة المعاصر. عندما تبحث عن أصدقاء، يمكن أن تكون العملية برمتها أكثر وضوحاً... الشيء المريح في تطبيق الصداقة هو أنك تستطيع أن تتوقع بدرجة معقولة أن الأشخاص الذين قاموا بتنزيله سيكونون منفتحين في الأقل للتعرف إلى صديق جديد. كما هي الحال مع المواعدة الغرامية، يتيح لك التطبيق أيضاً أن تكون أكثر انتقائية. تلعب الصدفة دوراً كبيراً في الصداقة، الشيء الذي قد يكون جميلاً، لكنه يعني كذلك أننا في نهاية المطاف لا نقضي وقتنا برفقة أشخاص متوافقين حقاً معنا".

بينما تستمر الوحدة في كونها مصدر قلق على مستوى وطني، وتتباعد الصداقات بشكل طبيعي بعد الوباء، فمن المهم البحث بجد عن حلول لمساعدة الأشخاص في تكوين روابط. ربما يبدو من غير المنطقي القيام بذلك باستخدام جهاز إلكتروني، نظراً إلى أنه الشيء نفسه الذي تسبب في عزلة كثيرين منا في المقام الأول. لكن من الواضح أنها وسيلة ناجعة بالنسبة إلى أشخاص كثر. لكن ماذا عن وصمة العار التي نصم بها لقاء الناس عبر الإنترنت؟ تقول ليفر: "هذه ليست مشكلة... عندما تفكر كم من المهم أن يكون لديك أصدقاء، ما هي أهمية كيفية تكوينهم؟".