هل بدأت «بريكس» فرض سياستها؟

منذ 1 سنة 195

تطورت البشرية وتغيرت نظرتها لكثير من الأمور، ولم تعد الحجة مستوردة، بل نابعة من صميم الحاجة والغاية، من أجل وعي حقيقي نحاول أن نلقي الضوء على أهم الأحداث التي تشكل معرفة تأسيسية يمكن أن يُبنى عليها منطق تفكير بعض الدول، الذي قد يعتبر جدلاً مادياً، الهدف منه اكتساب هذا المنطق.
هناك، على أي حال، عمل يبدو مستقلاً، حيث أعلنت وزارة الخارجية البرازيلية، أن الصين والبرازيل تؤيدان مسألة مناقشة توسيع مجموعة «بريكس»، التي تجمع بين البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتنوي عدد من الدول الأخرى الانضمام إلى الكتلة الاقتصادية، بما في ذلك الأرجنتين وإيران، ووفقاً لوزارة الخارجية الصينية، فإن إندونيسيا وتركيا والمملكة العربية السعودية ومصر تنوي دخول المجموعة أيضاً.
والأمر يقترب بسرعة من الاكتمال، رغم ضخامة الأسس - أسس الاقتصاد السياسي - ومواضع أخرى تستوقف الكثير، من حيث الدوافع والمنافع، في الوقت الذي تفوقت فيه مجموعة بريكس لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدماً في العالم، حيث تساهم كتلة «بريكس» بنسبة 1.7 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي مقابل 0.7 لمجموعة السبع، التي تضم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وكندا، ووسائل الإعلام العالمية نشرت العديد من الإنجازات لمجموعة بريكس بما حققته وذلك يعكس تحولاً جيوسياسياً كبيراً.
وعقب استقبال الرئيس الصيني «شي جينبينغ» نظيره البرازيلي «لويس إيناسيو لولا دا سيلفا» في بكين، أصدر الرئيسان بياناً مشتركاً دعوا فيه الدول المتقدمة إلى «الوفاء بوعدها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول الأكثر فقراً»، لمكافحة آثار التغير المناخي.
وأبدت الولايات المتحدة قلقها من خطوة الصين والبرازيل، التي يبدو أنها ستتوسع عالمياً، وهذا يهدد مكانة الدولار الأميركي، الذي سيتعرض لانهيار إذا انخفضت استخداماته خارجياً، وذلك يعني على الأقل تراجعاً كبيراً بمكانة وقوة أميركا ليس اقتصادياً، بل في كل المجالات، فقد ساد الاعتقاد الأميركي بأن توسيع المجموعة سيفيد بكين، والعالم حوله يتحرك بشكل دائري مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الذي يبني نفوذاً دبلوماسياً لمواجهة هيمنة الدول المتقدمة في الأمم المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والمؤسسات التنموية الأخرى.
ويبدو أن مواجهات من نوع جديد ومختلف تنتظره واشنطن مع جزء كبير من العالم، وهو ما ينذر بتصعيد خطير قد يتحول لكوارث على مستوى العالم اقتصادياً ويزعزع الاستقرار الدولي لسنوات طويلة، ومن ضمن التحرك البرازيلي الصيني أكد الرئيس البرازيلي قائلاً: «إن مصالحنا مع الصين ليست تجارية فحسب، لدينا مصالح سياسية، واهتمامات لبناء نظام جيوسياسي جديد وتغيير حوكمة العالم، من أجل تمثيل أكبر في الأمم المتحدة».
من هنا اتسع نطاق هذه التعبئة في المجال الاقتصادي المتحالف، وقد يكون مؤهلاً لأداء دور لا يمكن لغيره أن يؤديه بالجودة نفسها، وفي الواقع قدم الرئيس اليساري لولا دا سيلفا بلاده كقوة اقتصادية كبيرة من خلال تصريحه في شنغهاي، بأن البرازيل «عادت إلى الساحة الدولية»، موجهاً انتقادات إلى صندوق النقد الدولي، ومنتقداً هيمنة الدولار الأميركي.
ثم طرح تساؤلاً «لماذا يتعين على جميع البلدان التعامل في مبادلاتها بالدولار؟ ومن قرر أن الدولار هو العملة (المرجعية)؟»، سيواجه العالم تداعيات كبيرة بعد هذا التصريح، ولكن حرياً بالواقع أن يؤمن الكثير بأن ساعة العمل قد بدأت من بعض الدول، عطفاً على تأكيد «دا سيلفا» بالتساؤل التالي لماذا «يتعين على أي دولة الحصول على دولارات لتتمكن من التصدير، بينما يمكنها القيام بذلك بعملتها الخاصة». وقد اتخذ هذه الخطوة ووقع البلدان (الصين والبرازيل) اتفاقية تنص على إمكانية القيام بمبادلات بعملتهما من دون استخدام الدولار.
أكثر من ذلك، نحن لا نكوّن رأياً جيداً إلا عندما نفكر بشكل مجرد، على أرض الواقع، ويؤمن معظمنا أن فرضية الحاضر أقل إيلاماً وأكثر معقولية، وخاصة بعدما تكشفت كثير من الحقائق والتسريبات التي تبعتها، حتى وإن شاعت التحذيرات من الإشارات المقلقة ومن التغيير والتأييد والامتعاض، فالأجدى أن تتعامل واشنطن بكيفية منطقية مع ما تراه مشكلة جديدة.