هل باتت منصات التواصل وسيلة المجرم لجذب ضحاياه؟

منذ 5 أشهر 84

ملخص

استغلال المجرمين لوسائل التواصل الاجتماعي يكون عبر إنشاء شخصية مؤثرة تكتسب شهرة كبيرة وجمهوراً واسعاً. هذه العملية تجعلهم جذابين بشكل خاص، حيث يتابعهم كثيرون بسبب محتواهم المتنوع، ما يسهل عملية استغلالهم.

تزايدت في الفترة الأخيرة جرائم عنف ارتبط ارتكابها بوسائل التواصل الاجتماعي، إذ فوجئ اللبنانيون بتفاصيل صادمة مع الكشف عن عصابة "تيك توك" التي استدرجت الأطفال في حين استخدم "سفاح التجمع" في مصر المنصة ذاتها للظهور كشخص طبيعي غير مشبوه، بينما كان يرتكب جرائم قتل لا يتخيلها عقل أشر الأشرار، فهل يستغل المجرمون هذه المنصات للتلاعب بالضحايا وجذبهم إلى دوائرهم الإجرامية؟

هذه الظاهرة ليست مقتصرة على لبنان ومصر فحسب، بل هي جزء من نمط عالمي يثير القلق حول دور وسائل التواصل الاجتماعي في تطبيع العنف ونشر التطرف، ومع تزايد الجرائم المرتبطة بهذه المنصات تبرز الحاجة إلى فهم أعمق لكيفية استغلال المجرمين لها والأساليب النفسية التي يستخدمونها لجذب الضحايا، إضافة إلى أهمية الرقابة للحد من هذه الأنشطة الضارة.

التطبيع الإلكتروني مع العنف

وفي السياق كشفت الباحثة في الأنثروبولوجيا والإعلام ليلى شمس الدين أن "وسائل التواصل الاجتماعي تسهم في تعزيز العنف والتحرش بين المجرمين من خلال آليات عدة"، موضحة أن "التغطية الواسعة النطاق التي يحصل عليها هؤلاء المجرمون يمكن أن تظهرهم بصورة فيها جمالية غير مقصودة، وكأنهم أبطال حتى لو لم يكونوا سيئي السمعة". وأشارت شمس الدين إلى أن "الدراسات أظهرت أن التعرض المتكرر للمحتوى العنيف يمكن أن يقلل من حساسية الأفراد تجاه السلوك العدواني مما يجعله يبدو طبيعياً ومقبولاً"، لافتة إلى أنه "كلما نشرنا هذه الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، نساهم في التقليل من شأن العنف وكأننا نقوم بالتطبيع مع هذه السلوكات وندعمها عن غير قصد، ونبرر أفعال المجرمين".

الأساليب النفسية

وتطرقت شمس الدين إلى الأساليب النفسية التي يستخدمها المجرمون على وسائل التواصل الاجتماعي موضحة أنها تبدأ ببناء الثقة، إذ "يبني المجرمون علاقاتهم ببطء لكسب ثقة الضحية قبل استغلالها. ويتم ذلك عبر تواصل منتظم وإظهار تعاطف ومصالح مشتركة ليخلقوا أجواء من الألفة والثقة، وإضافة إلى ذلك يستخدمون الإطراء المستمر لتعزيز احترام الذات لدى الضحية ويقدمون الدعم العاطفي المفرط لجعلها تشعر بأنها مميزة، مما يؤدي إلى انجراف سريع ضمن بيئتهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتناولت شمس الدين موضوع الملفات الشخصية المزيفة التي يستخدمها المجرمون لجذب الضحايا. وأوضحت أن "المجرمين يعملون على إنشاء ملفات مزيفة جذابة لإغراء الضحايا بانتحال مهن ووظائف مرموقة أو مكانة اجتماعية عالية، أو يشاركون قصصاً شخصية تثير التعاطف مثل الأمراض أو المشكلات المالية أو العائلية لكسب الدعم العاطفي من الضحايا. ويلجأون أحياناً إلى الخوف والترهيب عبر التهديدات أو الإلحاح المستمر للتلاعب بمشاعر الضحايا وإجبارهم على الامتثال لمطالبهم". وأشارت شمس الدين إلى أن "الضحايا الأكثر عرضة هم الذين يعانون هشاشة نفسية وغالباً ما يصبحون تابعين لهؤلاء المجرمين، معتقدين أنهم الوحيدون الذين يفهمونهم ويدعمونهم وهذا الوضع يسهل على المجرمين السيطرة على الضحايا بصورة أكبر، وبخاصة مع توافر البيانات الشخصية المفتوحة على وسائل التواصل الاجتماعي مما يتيح لهم تحديد نقاط ضعف الضحايا واستغلالها بفاعلية".

غياب الرقابة

أما عن الصور ومقاطع الفيديو التي تنتشر بسرعة من دون حسيب ولا رقيب فأوضحت شمس الدين أنه "عندما يعتاد دماغ الإنسان على مشاهدة صور العنف باستمرار، يقل التحسس تجاهها ويصبح أكثر تقبلاً لثقافة العدوان مما يؤدي إلى التسامح مع هذا النوع من السلوكات". وأضافت أن "نشر المحتوى العنيف على نطاق واسع يجعل هذا السلوك جزءاً من الاستهلاك المنتظم لوسائل الإعلام مما يشوش الخطوط الفاصلة بين السلوك المقبول وغير المقبول، وهذا التأثير يندرج ضمن نظرية التعلم الاجتماعي إذ يتعلم الأفراد السلوكات من خلال ملاحظة الآخرين وتقليدهم".

الثغرات الإلكترونية

أما عن الثغرات الإلكترونية الموجودة على هذه المنصات والتي تسهم في استغلال المجرمين لوسائل التواصل الاجتماعي لاستدراج الضحايا، فأوضح المستشار في شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عامر الطبش أن "استغلال المجرمين لوسائل التواصل الاجتماعي يكون عبر إنشاء شخصية مؤثرة تكتسب شهرة كبيرة وجمهوراً واسعاً. وهذه العملية تجعلهم جذابين خصوصاً إذ يتابعهم كثر بسبب محتواهم المتنوع مما يسهل عملية استغلالهم. ومن ثم يبدأ الأمر بطلبات بسيطة ويتطور تدريجاً حتى يصبح المتابعون مستعدين لتلبية طلبات المؤثر طمعاً في الشهرة والمال". واعتبر الطبش أن "الثغرات ليست في وسائل التواصل الاجتماعي نفسها بل في كيفية استخدام الأشخاص لهذه المنصات"، مضيفاً أن "كثيرين يزورون أعمارهم لإنشاء حسابات تمكنهم من الدخول إلى محتوى غير مناسب لهم، وبمجرد التعلق بهذا المحتوى يصبح الأمر سهلاً للغسل الدماغي. أما الثغرة الأمنية الحقيقية فتكمن في عدم مراقبة الأهل لنشاطات أولادهم على وسائل التواصل الاجتماعي".

سياسات تكنولوجية لمنع الجريمة

وعند مناقشة الحلول الممكنة لهذه المشكلة تطرق الطبش إلى دور التكنولوجيا في تحسين السياسات لمنع الأنشطة الإجرامية على هذه المنصات، مشيراً إلى أن "التكنولوجيا المتقدمة أصبحت أداة رئيسة في هذه الجهود" ومعتبراً أن "هناك خطاً رفيعاً بين مراقبة المحتوى وحرية التعبير، فالتكنولوجيا المتقدمة مثل الخوارزميات والذكاء الاصطناعي تستخدم لرصد وحجب المحتويات غير المناسبة. وعلى سبيل المثال يستطيع الذكاء الاصطناعي مراقبة التعليقات والكلمات والجمل التي تشير إلى هجوم أو تنمر. فعلى رغم وجود قوانين واضحة لا يزال هناك محتوى يتسرب". وأشار الطبش إلى "العصابة التي اعتقلت في لبنان كمثال ولم ترتكب أي خطأ على (تيك توك)، بل استخدمت المنصة لحشد الجمهور واستغلالهم في الحياة الواقعية لأمور لا أخلاقية".

الأمن السيبراني

وبالانتقال إلى الإجراءات المتخذة لتعقب المجرمين على منصات التواصل الاجتماعي أوضح الطبش أن "كل حساب على منصات التواصل الاجتماعي يحوي بيانات تساعد في تحديد موقع المجرم وتتبع نشاطاته عبر عنوان بروتوكول الإنترنت IP. وفي الأغلب يمكن تحديد مكان المجرم وتعقبه وبخاصة إذا كان يستخدم هاتفاً ذكياً، إضافة إلى ذلك هناك مراقبة للبث المباشر عبر منصات مثل فيسبوك وتيك توك. وإذا اكتشف محتوى غير مناسب أثناء البث يتم قطعه وحذف الحسابات المخالفة موقتاً أو نهائياً"، مبيناً أن "وسائل التواصل الاجتماعي تسهم بطرق متعددة في الحد من استغلالها من قبل المجرمين، وتعزز من دفاعاتها الأولية لضمان سلامة المستخدمين".

الآثار النفسية على الضحايا

إلى جانب الأثر النفسي الكبير على ضحايا الجريمة أوضحت شمس الدين أن "التعرض للإذلال العلني يسبب أضراراً كبيرة لاحترام الذات، مما يجعل الضحايا يشعرون بفقدان السيطرة على صورتهم الاجتماعية والنفسية ويدفعهم إلى تجنب الانخراط في البيئات الاجتماعية والانزواء"، مؤكدة أن "المضايقات المستمرة تؤدي إلى إطالة أمد الصدمة والألم، ويجد الضحايا صعوبة في مواجهة التنمر بسبب افتقارهم إلى المساحات الآمنة للتعافي من حالتهم". وأشارت إلى أن "الضحايا يعانون انخفاضاً في الأداء والإنتاجية والتركيز، مما يؤثر في صحتهم النفسية والمهنية والأكاديمية".