هل العالم مستعد ليقظة دينية؟

منذ 2 أشهر 29

إذا أمعنَّا بالنَّظر، سندرك أنَّ العصرَ الذهبي لحركة الإلحاد الجديدة في الحياة الغربية، عندما تصدرت الكتابات المناهضة للخالق التي كتبها ريتشارد دوكينز وكريستوفر هيتشنز، قوائم أكثر الكتب مبيعاً؛ لم يتحقق بفضل اكتشاف حجج جديدة ذكية تؤكد عدم وجود الله فجأة.

في الواقع، حل هذا العصر ببساطة؛ لأن أحداثاً محددة وقوى أعمق جعلت الوقت مناسباً للتفكير على هذا النحو، ولأن الإنترنت في بداياته كان بمثابة حزام نقل جديد للأفكار المشككة في الدين، ولأحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول)... كشفت جميعها عن مخاطر الأصولية الدينية. أضف إلى ذلك، أزمة الاعتداءات الجنسية التي عصفت بالكنيسة الكاثوليكية، التي قوضت أقوى معقل للمسيحية المنظمة في الغرب، ناهيك عن أن ابتعاد العصر الرقمي عن السلطة والمؤسسات، ضرب المؤسسات الدينية أول ما ضرب.

المثير أنَّنا نعاين اليوم وجود مثل هذه الفرصة أمام الكتّاب الدينيين، وخاصة أن الفكرة القائمة على أن الإلحاد وإضعاف الدين المنظم من شأنه أن يجعل العالم أكثر عقلانية وأقل قبلية، تبدو أكثر عبثية اليوم، في عام 2024، عما كانت عليه عام 2006.

واليوم، يجري النظر على نحو متزايد إلى تراجع معدلات الانتساب للطوائف الدينية، وممارسة الشعائر الدينية، باعتباره مشكلة اجتماعية، وليس قفزة عظيمة إلى الأمام. ونجد أن الأفراد الذين نشأوا دون إيمان ديني، يبحثون عن المعنى في العقاقير المخدرة، وعلم التنجيم، والأجسام الطائرة المجهولة. وفي الفترة الأخيرة، توقف صعود تيار «اللادينيين» الأميركيين؛ أي الذين لا ينتمون إلى أي دين، أخيراً.

وعليه، يبدو العالم مهيأ للحجج الدينية بنفس الطريقة التي كان مهيأ بها للملحدين الجدد قبل عشرين عاماً. إلا أن السؤال هنا عما إذا كان بوسع المتدينين استعادة أرضهم الثقافية الحقيقية - خاصة في قلب العلمانية؛ أي في أوساط المثقفين الغربيين - بدلاً من الاكتفاء بإثارة الحنين الغامض إلى الإيمان.

ولا ينبغي أن يقتصر الأمر على محاولة إقناع غير المؤمنين بطرح كلمات طيبة، وإنما يكمن التحدي في المضي قدماً إلى ما هو أبعد من ذلك، وإقناع أبناء العصر الحديث، الذين يساورهم القلق، بأن الدين أكثر من مجرد فائدة عملية، وأكثر من مجرد أمل حزين، وأن الإطار الديني، في واقع الأمر، يجعل الواقع أكثر منطقية، عن البديل المادي المتشدد المزعوم.

من جهتي، أنوي تقديم محاولتي الخاصة لإقناع الآخرين بأهمية الدين، العام المقبل. واللافت أن الأشهر القليلة الماضية شهدت صدور ثلاثة كتب دينية على صلة بهذا النقاش، وتتناول الحجج الفلسفية والعلمية والتجريبية الداعمة لصياغة وجهة نظر دينية عن العالم.

جاءت الحجة الفلسفية من الفيلسوف اللاهوتي الموسوعي ديفيد بنتلي هارت. ويأتي كتابه الجديد: «كل الأشياء مليئة بالآلهة: أسرار العقل والحياة»، بمثابة تتويج لعقود من الجدال ضد الملحدين الجدد.

واللافت أن الكتاب جرت صياغته في هيئة حوار أفلاطوني بين مجموعة من الآلهة اليونانية المتقاعدين، والذين يتجادلون مع بعضهم حول المناقشات البشرية المعاصرة بخصوص فلسفة العقل وعلم الأعصاب ونظرية المعلومات.

في الواقع، هذا الشكل الحواري يتمتع بميزة عظيمة واحدة: أنه يتطلب من هارت أن يمنح مساحة ممتدة للأفكار التي يعارضها. ومن خلال الإله هيفايستوس، الذي ينسب إليه الجزء المتشكك في الدين، تحصل على شرح موسع للحجج التي تقول إن العقل والذات والفكر يمكن اختزالها في مادة عديمة العقل.

إذا كنت تعتقد أن هذا يبدو وكأنه عبث فلسفي مثير للاهتمام، لكنه في الوقت ذاته مناهض للعلم بشكل أساسي، فيمكنك التوجه إلى الكتاب التالي في الثلاثية: «نور العقل... نور العالم» لسبنسر كلافان، والذي يطرح حجة مفادها أن تطور العلم الحديث يوفر أدلة مختبرية على تفوق العقل واحتلاله الأولوية الأولى.

وهذه ليست مجرد حجة مألوفة تقوم على فكرة أن الضبط الدقيق للكون تشكل بحد ذاتها دليلاً على أن ذكاءً إلهياً ما أعد كل شيء، وإنما تتجاوز ذلك إلى فكرة النموذج المادي للكون باعتباره نظاماً مادياً مغلقاً؛ إذ تقفز وحدات المادة مثل كرات البلياردو، والتي ألقت بها ثورة كمومية، يقف خلفها عقل واعٍ يتولى القياس والمراقبة.

ويرى كلافان أن التفكير في هذا الاكتشاف يجب أن يفرض أنه إذا كنت تثق حقاً بالعلم، تقبل حقيقة وجود واقع واحد فقط، وأنه «يُخلق عندما يعطي الوعي شكلاً للزمان والمكان»؛ يُخلق بواسطة القوة التي قالت في البداية: «ليكن النور».

بالتأكيد، يبدو هذا جنونياً من منظور مادي، ولكن من خلال تجربتي مع المتشككين المنفتحين، ليست هذه النقطة التي يتوقفون عندها، وإنما عندما نقطع خطوة واحدة إلى الأمام، إلى معاقل الدين القديم الحقيقي؛ عالم المعجزات، والرؤى، والنذر، والملائكة، والشياطين.

وهذا العالم تحديداً موضوع آخر كتاب في الثلاثية التي أقرأها، وهو كتاب رود دريهر المعنون: «العيش في الدهشة: إيجاد الغموض والمعنى في العصر العلماني». وفي جزء منه، يتناول الأحداث الخارقة للطبيعة التي تزدهر باستمرار في عالمنا العلماني المفترض.

ويعني ذلك ببساطة أن كتاب دريهر الأكثر إمتاعاً من بين الكتب الثلاثة؛ فهو يروي أفضل القصص، ويغطي جوانب من الحياة البشرية أكثر أهمية لفكرة الدين، عن أي حجة أو نظرية. وعلى رأس ذلك، يطرح حقيقة مفادها أنه حتى في المجتمعات التي تستبعد أي تلميح إلى ما هو خارق للطبيعة من أنظمتها المعرفية الرسمية، فإن التجارب الغريبة تستمر في فرض نفسها.

من المنظور الديني، تشير جميع هذه الكتب والحجج إلى إله واحد؛ لذا فإن الاختبار الحقيقي أمامهم هو ما إذا كان العالم المنغمس في التعاسة بعد أن فقد إيمانه، يمكن دفعه إلى العودة إلى حظيرة الإيمان.

* خدمة «نيويورك تايمز»